شرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً مقتبساً من كتاب Home – Drawings by Syrian Children، ألّفه بين كويلتي وريتشارد فلاناغان عن طفلة سورية رسمت لوحة مؤثرة.
وألّفا الكتاب بعدما رأَيا صورة رسمتها هبة، اللاجئة السورية البالغة من العمر 6 أعوام، فعلِما حينها أن عليهما مشاركتها مع العالم.
ما قصة هذه الفتاة والصورة؟
يقول الكاتب بين كويتلي: «في العام 2016، توقفت أنا وصديقي ريتشارد فلاناغانعند مركز عبور في منتصف الطريق عبر صربيا.
كان يوماً صافياً؛ السماء الزرقاء من الأفق إلى الأفق المتجمد.
وصلت 3 حافلات سوداء متسخة إلى محطة استراحة مؤقتة، ونزل 200 سوري من الحافلة الأخيرة وهم في حاجة لتناول الطعام واستخدام المرحاض.
في أي مكان آخر من العالم، ستكون هذه المجموعة من الأشخاص عبارة عن مجموعة من السائحين المبتسمين في طريقهم إلى الشمال أو الجنوب، إلى الثلج أو الصحراء.
تابعتُ أنا وريتشارد هذه المجموعة من السوريين وكانوا جميعاً في رحلة للهروب، فارّين من الأهوال التي لا يمكن تصورها.
كانت وِجهتهم تبعد آلاف الكيلومترات إلى الشمال، إلى مكان لم يتخيل أحد قَط أنهم قد يسافرون إليه، لمستقبل مجهول تماماً.
كان من بينهم أطباء ورجال إطفاء ومعلمون وميكانيكيون وطلاب جامعيون.
لاحظت في ذلك اليوم أن الشباب الذين جمعوا عائلاتهم الصغيرة حولهم كانوا شاحبين، وتمتلئ عيونهم بصدمة الخسارة الفادحة.
لقد خذل هؤلاء الرجال عائلاتهم، لقد فروا، وهجروا وطنهم الذي بنته الأجيال على مدار آلاف الأعوام قبلهم.
قاد ريتشارد برفقٍ هؤلاء الرجالَ وزوجاتهم إلى ركن هادئ من المجمع، وعندما بدأوا بالحديث بدأ يكتب ريتشارد، وشاركوا قصصهم وبكوا. لتهدئة الأطفال، قمت بجذب اهتمامهم.
في البدء كانوا جائعين فتناولوا الطعام. وبسبب عدم قدرتي على التحدث بالعربية، ومن دون ترجمة، أشرت إلى الصغار مِن حولي بأن يرسموا؛ كي يخبروني عن أنفسهم.
رسم الأولاد قوس قزح وأشجار البرتقال، ورسمت البنات الأميرات والشموس الصفراء.
فقدَ بعضهم الاهتمام بسرعة؛ ومن ثم استخدمنا الأوراق الخاصة بي لصنع طائرات ورقية.
ماذا رسمت الفتاة الصغيرة؟
هناك فتاة صغيرة واحدة لم تتوقف عن الرسم؛ بل لمَحت بالكاد الطائرات الورقية وهي ترقص في السماء الزرقاء فوقها.
لقد رسمت ورسمت. كانت هادئة في قرارها، وظننت أنني ربما كنت مثلها عندما كنت في السادسة من العمر.
رسمتْ بستاناً وحديقة، رسمت أشجار الفاكهة ورسمت الشمس، وجدَّتها ومدرستها، رسمتْ زهوراً وطيوراً.
طلبتُ منها أن ترسم منزلها من أجلي.
نظرت هبة في عيني لحظة سريعة، رأيت جدية لا تعيها طفلة في السادسة من عمرها.
ثم رسمت بسرعة وإتقان، وأعطتني الرسم الذي يُظهر النهاية التي حلَّت بمنزلها، وعادت لرسم آخر عن شجرة مليئة بالفاكهة تحتها عشب أخضر زاهٍ.
في ذلك اليوم، جعلتني هبة أُدرك مدى أهمية أن يرى العالم رسمتها، وأن يرى العالم رسوم كل الأطفال الذين نجوا من الكارثة السورية.
يمتلك الكبار أصواتاً قوية، ويتجاهل معظمهم الأصوات الصغيرة لهؤلاء الأصغر من بيننا.
وكانت هبة واحدة من أضعف البشر الصغار الذين التقيتهم، لكنّ صوتها قوي، وقصتها مُصورة بقدر ما هي مأساوية، لو أننا فقط أعطيناها ثانية للاستماع والنظر في مغزى الرسالة التي أعطتها لي كي أنشرها لكم».
كتاب من أجل «هبة» ورسمتها..
ويضيف الكاتب حديثه في كتابه:
«يعيش الأطفال الذين قدّموا فنهم وصوتهم، في مخيمات غير رسمية للاجئين بسهل البقاع في لبنان. يوجد هناك أكثر من مليون لاجئ بذلك السهل وحده.
أعطاني البعض رسوماتهم بعد ساعات من العبور المرعب والمميت للبحر المتوسط من تركيا إلى جزيرتي لسبوس وخيوس.
لديهم رسومات من المخيمات والإقامة بالأردن والعراق، في حين قام البعض بتهريب رسوماتهم بعناية من سوريا ذاتها.
لم أعثر على هبة بعد، لكنني على ثقة بأنها تبدأ حياة جديدة بأمان في ألمانيا.
أنجزنا كتاب Home – Drawings by Syrian Children من أجل هذه الفتاة الصغيرة، من أجل مستقبلها، ومن أجل التعاطف الذي تستحقه من كل إنسان على هذا الكوكب ممن ينعم بحظ أفضل منها.
إنه كتاب مليء بأصدق لغة دولية، وهي لغة نحتاج -نحن الكبار- أن ننصت إليها بتمعن وجدية».