وتجدر الإشارة إلى أن مرض الكوليرا ينتشر في عدة مناطق حول العالم، من بينها منطقة الشرق الأوسط؛ ويعاني سكان اليمن من انتشار المرض انتشارًا وبائيًّا، بسبب الحالة الإنسانية المتردية التي أحدثتها الحرب هناك، إذ بدأ المرض بالانتشار في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وواصل انتشاره بسبب انهيار الاقتصاد اليمني نتيجة الوضع الأمني والحرب، وكذلك تدهور نظام الرعاية الصحية، وندرة المياه النظيفة الصالحة للشرب.
وتسبب انتشار وباء الكوليرا باليمن في جرّ الكثير من الويلات على الشعب اليمني الذي يعاني أيضًا من حرب أتت على الأخضر واليابس، يذكر هذا التقرير بعض هذه النتائج الكارثية التي أحدثها الوباء، ولماذا يجب على الجزائريين أن يشعروا بالقلق والخوف من تفشي المرض القاتل؟
الكوليرا أطاحت بالقطاع الزراعي اليمني
لم يتسبب تفشي وباء الكوليرا باليمن في حصد أرواح المواطنين فقط، بل تسبب في إحداث أزمات اقتصاديةٍ كبرى في العديد من القطاعات داخل البلاد، وعلى رأسها القطاع الزراعي. فمع تسارع انتشار المرض في ربوع اليمن، أصيب قطاع الزراعة اليمنية بخسائر بالغة، إذ تسبب الوباء في عزوف المواطنين عن شراء المنتجات الزراعية المحلية، بعد أن وجهت المنظمات الدولية أصابع الاتهام بنشر العدوى نحو القطاع الزراعي، خاصة بعد تأكيد الأطباء أن استخدام مياه الصرف الصحي في ري المزروعات، يعد سببًا رئيسيًّا لانتشار وباء الكوليرا، الأمر الذي دفع أسعار الخضروات إلى الانخفاض بنسبة وصلت إلى 70%، بحسب ما ذكره تجار يمنيون.
وقد ألحق وباء الكوليرا خسائر بالغة بالزراعة اليمنية، التي تُمثل مصدر الدخل الرئيسي لـ73.5% من السكان، سواء بصورة مباشرة عبر الزراعة، أو غير مباشرة عبر تصنيع الخضروات والفاكهة ونقلها وتجارتها، وكذلك تسبب انتشار الوباء في خسارة المنتجات الزراعية اليمنية لأسواقها الخارجية؛ بسبب خوف المستوردين من انتقال المرض من خلالها.
ويرى خبراء علم الأمراض، أن استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة في ري الخضروات هي السبب الرئيسي وراء انتشار الكوليرا وأوبئة وأمراض أخرى، حتى أن محافظ عدن، عبد العزيز المفلحي، أعلن العام الماضي، أن وباء الكوليرا انتقل إلى مدينة عدن عبر الخضروات والفواكه القادمة من المحافظات الشمالية.
وتجدر الإشارة إلى أن المزارعين اليمنيين، كانوا قد اضطروا إلى ري حقول الخضروات والفاكهة بمياه الصرف الصحي بسبب قلة المياه الجوفية الصالحة للاستهلاك الآدمي في البلاد التي تعاني من حرب منذ مارس (آذار) 2015. وعطفًا على ما أصدرته منظمات دولية على رأسها منظمة الصحة العالمية من تجنب شراء الخضروات، أو وجوب تعقيمها قبل التناول؛ عزف الكثيرون من أهل اليمن، الذين يعانون من أحوال معيشية صعبة وسيئة عن شراء الخضروات، مما أصحاب القطاع الزراعي في مقتل، إذ تسبب ذلك في فقد آلاف اليمنيين مصادر دخلهم وأعمالهم.
فبحسب التقارير الرسمية، يوجد في اليمن مليونا مزارع في 21 محافظة يمنية، وتُمثّل الزراعة حوالي 80% من الدخل القومي اليمني، وتوفر فرص عمل لـ54% من القوة العاملة في أرجاء البلاد، فيما تساهم الزراعة بنحو 15% من الناتج الإجمالي المحلي.
ارتفاع أسعار مياه الشرب
الأزمات الكارثية التي أحدثها وباء الكوليرا في اليمن لم تتوقف عند سقوط الضحايا وانهيار القطاع الزراعي فقط، بل إنّ مياه الشرب نالت نصيبًا كبيرًا من الضرر الذي أحدثه الوباء، فبالرغم من أن اليمن ضمن مؤشّرات البلدان الأكثر فقرًا عالميًّا من حيث نصيب الفرد من المياه، والمقدرة سنويًّا بحوالي 120 مترًا مكعبًا، مقارنة بحوالي 7500 متر مكعب في دول العالم، و1250 مترًا مكعّبًا لدول أفريقيا والشرق الأوسط، إلا أن الحرب ومن ثم تفشي الكوليرا، قلّص من هذه الحصة.
فمع تفشي وباء الكوليرا، وإغلاق عدد من المحال التي تبيع مياه الشرب بسبب تلوّثها، يلجأ المواطنون اليمنييون إلى شراء مياه الشرب المعبأة في قوارير لكنها تباع بأسعار مرتفعة للغاية، مما يضطرهم إلى ابتياع المياه من مورّدين من القطاع الخاص الذي لا يخضع لحسيب أو رقيب، ما يعرّضهم للإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، وزيادة تفشي الكوليرا وانتشارها.
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد؛ فلقد أنعش الوباء تجارة تعقيم المياه وفلترتها في البلاد، إذ ظهرت شركات متخصصة في بيع فلاتر المياه المصنوعة من السيراميك والبلاستيك، وارتفع سعر الفلتر إلى 30 دولارًا أمريكيًّا بعدما كان 21 دولارًا قبل الحرب.
فيما استغل التجار خوف المواطنين من مياه الشرب وسط تفشي وباء الكوليرا، وأعلنوا عن محطات جديدة لبيع مياه الشرب تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الدعاية والترويج. بحسب الخبير المالي اليمني فكري عبد الواحد، فإن اليمنيين يصرفون على المياه قرابة 4 مليارات دولار في السنة الواحدة.
والكوليرا فرضت على اليمن عزلة دولية
في العام الثاني للحرب التي تشهدها اليمن، عادت الكوليرا على شكل موجتين، الموجة الثانية انتشر فيها الوباء انتشارًا مرعبًا، للدرجة التي جعلت بعض الدول حول العالم تعلن اتخاذ إجراءات احترازية ضد اليمنيين المسافرين إليها؛ خشية نقل الوباء إلى بلدانهم. إذ تسبب تفشّي وباء الكوليرا في فرض قيود على المسافرين القادمين من اليمن، ضمن إجراءات صارمة وضعتها الدول من أجل منع وصول الوباء إليها.
فالسلطات الجيبوتية قررت بصورة مؤقتة وحتى إشعار آخر، منع دخول اليمنيين إلى أراضيها، فيما شددت السلطات المصرية على إجراءات الحجر الصحي والفحص الطبي في مطار القاهرة، بعدما أعلنت حالة الطوارئ خوفًا من تسلل وباء الكوليرا المنتشر وسط الركاب القادمين من اليمن.
وقد أعلنت وزارة الصحة المصرية، في مايو (أيار) من العام الماضي، أن الركاب القادمين أو العائدين من اليمن؛ سوف يخضعون لفحص طبي شامل، من أجل ضمان عدم حملهم للمرض، مضيفة أنه تم إعلان حالة تشديد لإجراءات الفحص في كل المطارات والمواني، وذلك تنفيذًا لتعليمات منظمة الصحة العالمية.
وفي يونيو (حزيران) من العام الماضي، أصدرت الخطوط الجوية اليمنية تعميمًا قضى بضرورة حصول الركاب القادمين من اليمن إلى الأردن على شهادة خلو من الأمراض والأوبئة الخطيرة والمعدية، خصوصًا الكوليرا؛ وكانت بيانات رسمية قد أظهرت تهاوي أعداد المسافرين جوًّا من وإلى اليمن، خلال عام 2016، بنحو 92.3%، مقارنة بعام 2014.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات السعودية أعلنت تسجيل 23 حالة إصابة بالكوليرا في محافظة سراة عبيدة التابعة لمنطقة عسير القريبة من اليمن، في يوليو (تموز) الماضي، بالرغم من حملة الفحص الطبي التي تنفذها المملكة بحق القادمين من اليمن بشكل مباشر أو غير مباشر، ضمن إجراءات احترازية من أجل منع انتشار وباء الكوليرا لديها.
وسبق وأن أرسلت الحكومة السعودية فرقًا طبية إلى منفذ الوديعة الواقع على حدود اليمن، والذي يُعد المنفذ البري الوحيد الذي لا يزال في الخدمة منذ بداية الحرب نهاية مارس 2015، واستحدثت المملكة أيضًا مركزًا طبيًّا ضمن منشآت المنفذ البري السعودي، مجهز بكوادر طبية وغرف طوارئ وتطعيم على أمل مواجهة انتشار المرض ومنعه.
فيما يخضع حوالي ألف مسافر يمني يوميًّا للفحص من قبل الفرق الطبية السعودية، بعد خروجهم من إجراءات العبور من المنفذ على الجانب اليمني، إذ يتولى أطباء من وزارة الصحة السعودية وفريق من الهلال الأحمر السعودي فحص المسافرين، وإسعاف الحالات المصابة بالمرض.