أثار القرار الذي اتخذته مليشيا الحوثي مؤخرا بخصوص منع تداول العملة النقدية الجديدة التي أصدرتها الحكومة الشرعية وتحديدا فئة “500” و “1000” ريال ردود أفعال غاضبة وموجة استياء واسعة من قبل المواطنين جراء هذا القرار العبثي الذي يأتي في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها المواطنين في مناطق الحوثيين منذ انقلابهم على الدولة في سبتمبر 2014م.
وأصدرت مليشيا الحوثي ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة الخاضعة لسيطرتها في الـ9 من شهر يونيو الماضي قرارا يقضي بمنع تداول العملة الجديدة فئة 500 و 1000 ريال محذرة التجار والمستوردين وأصحاب محطات المشتقات النفطية والغاز وغيرهم من تداول هذه العملة مؤكدين أن أي مبالغ مالية يتم القبض عليها سيتم مصادرتها وإتلافها.
ورغم مرور نحو شهر على إصدار هذا التعميم من قبل مليشيا الحوثي إلا أن العمل بهذا القرار لم يتم إلا مطلع الأسبوع الجار بصورة كبيرة وواضحة حيث نفذت المليشيات عدد من الحملات الأمنية على محلات الصرافة وكبار التجار في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها بُغية مصادرة هذه العملة التي أصدرتها الحكومة الشرعية قبل نحو عام إثر أزمة السيولة التي تسببت بها المليشيات بعد نهبها لإحتياطي البنك المركزي بصنعاء قبل نقله إلى عدن أواخر العام 2016م.
نهب وابتزاز:
ورأى عدد من التجار والصرافين في العاصمة صنعاء أن مليشيا الحوثي ومن خلال إصدارها لهذا القرار تسعى لإبتزازهم ومصادرة أكبر كمية من الأموال التي بحوزتهم من هذه العملة التي بات لها رواجا واسعا في السوق المحلي بأمانة العاصمة ومختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة المليشيات.
وأوضح أحد التجار أن الحوثيين قاموا بابتزازه ومحاولة نهبه عندما ذهب بمبلغ أربعة مليون من العملة الجديدة لأحد الصرافين لإستبدالها فور سماعه القرار الصادر بمنع تداول هذه العملة.
وقال التاجر: “أولا قالوا أن هذه العملة ممنوعة التداول وبعد مفاوضات طلبوا منه إعطاءهم المبلغ الذي بحوزته والبالغ أربعة مليون ريال من فئة العملة الجديدة وإعطاءه مبلغ مليونين ريال فقط من العملة القديمة” مشيرا إلى أنه رفض ذلك الأمر بعد توقيعه إلتزام بعدم متاجرته بها أو قبولها في تجارته.
مخاوف:
لم تكتفِ مليشيا الحوثي بابتزاز التجار وقيامها بمضايقتهم بحجة تنفيذ قرار منع تداول العملة الجديدة بل قامت بتهديدهم ومصادرة الأموال التي بحوزتهم من هذه الفئة وإحراق بعضها بحجج أوهى من بيت العنكبوت بحسب “أحمد” مالك بقالة في العاصمة صنعاء.
حيث أوضح “أحمد” أن الحوثيين هددوه بإغلاق بقالته ومصادرة البضاعة في حال بيعه لأي شخص بالعملة الجديدة مرجعين ذلك إلى أن المتاجرة بهذه العملة ترويج لما يسمونه بـ”العدوان” في إشارة الى التحالف العربي بقيادة السعودية موضحا أن الحوثيين أكدوا أنه في حال القبض على أموال من هذه العملة سيتم إحراقها.
واستغلت مليشيا الحوثي المخاوف التي انتابت كثير من التجار بعد صدور هذا القرار خصوصا وأن بعضهم لديه مبالغ مالية كبيرة ولا يستطيع ايداعها أو الاستيراد بها ما دفعهم لتصريفها ولو بأقل من قيمتها الحقيقة وذلك في إطار مساعيهم الرامية لتكوين إمبراطورية مالية من مختلف العملات الجديدة أو القديمة.
وفي هذا الصدد يقول “محمد الريمي” (اسم مستعار) صاحب فرن “منذ قرابة العام ونحن نبيع الخبز ونأخذ هذه العملة وفي كل مرة يتم تجميع الأموال التي نبيع فيها ونذهب لنشتري بها طحين وغيره”.
وأضاف:” قمت بتجميع مبلغ من المال منذ منتصف رمضان وأصبح لديّ مبلغ لا بأس به لأشتري الطحين”. مشيرا إلى أنه “ذهبت للتاجر لشراء الطحين ولكنه رفض” حينها صُدمت لأنه ليس لدي مال أخر ومعنى ذلك أني فلست.
وتابع: لم تكن المشكلة هنا فحسب بل أن المشكلة أني ذهبت إلى عند أكثر من تاجر وهم يرفضون أخذ هذه العملة والأن أصبحت مُحتار كيف أعمل ليس هناك تجار يقبلون استبدالها أو قبول بيع بضاعة فيها متسائلا: كيف أسوي الآن؟ هل سأغلق مشروعي الذي يُعد مصدر رزقي ورزق أولادي؟ّ.
وأوضح أنه قام بإعطاءها أحد القيادات الحوثية مقابل استبدالها بأقل من قيمتها مؤكدا قبوله ذلك بحجة أنه مضطر وليس له خيار أخر.
تساؤلات:
وأثار هذا القرار أيضا موجة من التساؤلات حول طبيعة هذا القرار ولماذا صدر من وزارة الصناعة والتجارة في الحكومة الحوثية مع أن المخول بإصدار مثل هكذا قرارات هو البنك المركزي؟! ولعل ما يعزز من فرضية هذا التساؤل هو القرار الحوثي الذي جاء بالتزامن مع إصدارهم أمس الأول الثلاثاء قرارا بإطاحة النائب عبده بِشر من وزارة الصناعة في الحكومة الحوثية غير المعترف بها دوليا وتعيين السلالي عبد الوهاب الدرة بديلا عنه اضافة الى تعيين “محمد الهاشمي” نائبا لـ”الدرة”.
فبالقدر الذي كشف هذا القرار عن حقيقة التوجه الحوثي في تعيين كوادرها من القائمة السلالية والتي ظلت بعضها متوارية عن الأنظار خلال السنوات الماضية ومنهم عبد الوهاب الدرة بقدر ما يؤكد أن هذا القرار الذي أطاح بالنائب بِشر من قيادة الوزارة قد جاء بالتزامن مع الحملات الحوثية على المصارف والتجار لمنع التداول بالعملة الجديدة.
حيث تساءل مراقبون: هل كان هذا القرار الحوثي بمنع تداول العملة الجديدة مبررا فقط للإطاحة بالنائب عبده بِشر؟ واتخاذه غطاء لذلك رغم أنه كان من أحد أبرز الأعضاء الموالين لهم في البرلمان بيد أن له تصريحات كانت قوية تندد بسياسة التجويع التي تمارسها مليشيا الحوثي وكاشفا عن فساد كبير تقودها عصابات حوثية عبر لوبيهات تسعى للسيطرة على أسواق النفط والغاز وبناء إمبراطوريات مالية في مختلف المجالات.
إنفصال إقتصادي:
وإزاء هذا القرار اعتبر الخبير الاقتصادي مصطفى نصر منع جماعة الحوثي تداول الطبعات الجديدة من العملة اليمنية لفئتي “500 و 1000” في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم من شأنها التأسيس لعملية فصل إقتصادي قد تكون الأخطر خلال المرحلة المقبلة.
وأوضح نصر إن “الإجراءات الحوثية بمنع طبعات جديدة من العملة المحلية في مناطق سيطرتها ستتسبب بمشكلة كبيرة لقطاع واسع من التجار والبنوك التي بدأت تتعامل بهذه العملة باعتبارها مازالت موحدة بكافة مناطق اليمن ولم يحدث تغيير يستوجب هذه القرارات العشوائية”.
وأكد أن الإجراءات الحوثية تضع حداً فاصلاً بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين وكأنها تحدث عملية فصل.
ولفت إلى أن تلك الإجراءات سيكون لها أثر سلبي اقتصادي على الناس في مناطق سيطرة الحوثيين كونه سيحدث شحة في العملة المحلية وستعود أزمة السيولة لاسيما بعد تلف كمية كبيرة من مبالغ العملية المحلية خلال الأربع السنوات الماضية وعدم تعويض هذه المبالغ سواء بالطباعة الجديدة التي قامت بها الحكومة الشرعية في عدن.
وحذر نصر من خطورة ما تمثله تلك الخطوة التي تمس واحدية العملة اليمنية وتمس استقلالية البنك المركزي وواحدية دوره ويضع حالة من الانفصال ما بين مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق الشرعية ويؤسس لعملية فصل اقتصادي قد تكون الأخطر خلال المرحلة المقبلة- حد قوله.