السن المناسب لتعليم الأطفال لغات جديدة

عدن نيوز18 يونيو 2018
السن المناسب لتعليم الأطفال لغات جديدة

يُقال إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وهذا ما نلحظه على الأطفال بالفعل؛ إذ يسهل عليهم تعلُّم العديد من المهارات، وحفظ الكثير من المُقررات على نحوٍ أيسر من البالغين. وعندما يتعلَّق الأمر بتعلُّم لغات جديدة، تزداد أهميَّة الوضع؛ لما له من مميزات اجتماعية ومهنية، يتطلبها سوق العمل التنافسي الذي نعيشه اليوم.

لكن قبل أن نعرف ما السن الأنسب الذي يُفضَّل استغلاله لتعليم أطفالنا لغات جديدة تُكسبهم تلك المميزات، دعونا نفهم أولًا كيف تُكتسب اللغة، وما مراحل تطورها لدى الأطفال، وما المنافع الأخرى التي يعود بها تعلم لغات جديدة على الأفراد بشكل عام.

كيف تُكتسب اللغة؟ لغز بلا إجابة

في البداية، يُشير اكتساب اللغة الأولى إلى الطريقة التي يتعلَّم بها الأطفال لغتهم الأم الأصلية، بينما يُشير اكتساب اللغة الثانية إلى تعلم لغات أخرى بالإضافة إلى اللغة الأم. وبالنسبة لتطور اللغة الأم؛ تتطور الكفاءة اللغوية على عدة مراحل، تبدأ بالهمهمة ثم إلى نطق كلمة واحدة، إلى كلمتين، وصولًا إلى سرد الكلام سردً تلغرافيًّا.

أما عن الكيفية التي يكتسب الأطفال بها اللغة؛ فتوجد ثلاث نظريات خاصة حاولت تفسير الطريقة التي تُكتسب بها اللغة، وهي نظريات: التقليد، والتعزيز، والمُماثلة أو التجانس، غير أن هذه النظريات الثلاث لم تُفسر بشكل جيد، كيف يكتسب الأطفال اللغة.

تُعد نظرية التقليد قاصرة؛ لأن الأطفال يتلفظون في بعض الأحيان بجمل لم يسمعوا بها من قبل، حتى عندما يُحاولون تقليد أحاديث البالغين، لا ينتج منهم الجمل نفسها؛ بسبب قواعدهم اللغوية المحدودة. كذلك، لا يُعوّل كثيرًا على نظرية التعزيز؛ لأنه نادرًا ما يُحدث تطورًا ملموسًا في عملية اكتساب اللغة، ويقتصر دوره على القيام بتصحيح النطق و سلامته، وليس القواعد النحوية التي تُنظم اللغة نفسها، والأمر سيان مع نظرية التجانس.

لذلك؛ فإن العثور على إجابة واضحة للطريقة المحددة التي تُكتسب بها اللغة، يظلّ لغزًا لم يتوصل العلماء إلى حلّه بعد، وما يزال فهمنا الحالي للكيفية التي تتطور بها اللغة غير ناضج. ويُواصل خبراء القواعد العالمية محاولة إثبات أن اكتساب اللغة مهمة شاقة تتطلب امتلاك المرء عوامل فطرية معينة بداخله تُهيئه لاكتسابها، في حين يُجادل باحثون آخرون بأن العوامل الخارجية مثل المدخلات اللغوية التي يكتسبها الفرد من بيئته، هي العامل الأول ويُشددون على أهميتها.

وتبقى الأسئلة المحورية حول هذا الموضوع، مثل الكيفية الدقيقة التي تُحول كلمات الطفل المُبهمة إلى خطاب نحوي صحيح، والمدة التي يجب أن يتعرض خلالها الطفل للغة ما حتى يُجيد الحديث بها مثل البالغين، وكيف يمكن تفسير الاختلاف بين اللغات، وطريقة اكتساب كل منها لدى الأطفال الذين يكتسبون لغات مختلفة، ألغازًا ما زالت تُحير علماء النفس واللغويين على حد سواء إلى اليوم.

مراحل تطور اللغة عند الأطفال

يمكن مقارنة تطور اللغة بالتطور البيولوجي، غير أنه في حين أن التغيير الجيني تدفعه الضغوط البيئية ويتأثر بها، فإن اللغات تتغير وتتطور من خلال الضغوط الاجتماعية، والحاجة إلى التواصل مع الآخرين.

خلال أول عامين منذ ولادة الطفل، يستجيب الطفل من خلال التواصل بالعين والأصوات الواضحة، التي تنُمّ عن السعادة أو الارتياح عند الشعور بالطمأنينة أو الشبع. ويبذل الطفل جهدًا لتكرار الأصوات، وتبدأ عملية تناوب الأدوار بأصوات شفهية، وتبدأ أصوات الغمغمة والثرثرة التي يُصدرها الطفل في أن تبدو كالكلام.

لاحقًا، يرغب الطفل في التواصل مع الآخرين ويحاول ذلك، ويبدأ التواصل بعبارات مكونة من كلمة واحدة في عمر العام الواحد، وتتطور إلى عبارات مكونة من كلمتين أو ثلاث كلمات عند بلوغه 18 شهرًا.
أما في مرحلة الطفولة المبكرة، التي تُمثل الفترة من عمر سنتين إلى خمس أو ست سنوات، والتي يُشار إليها أيضًا بفترة «سنوات ما قبل الدراسة»، تزداد حصيلة المفردات كثيرًا لدى الطفل، وتُصقل مهارات التواصل لدى وصوله إلى سن المدرسة.

ما السن المناسب لتعليم طفلك لغة جديدة؟

يسهل على الأطفال تعلم لغة أجنبية بكثير عن البالغين؛ الأمر الذي دفع الباحثين إلى اقتراح وجود «فترة حرجة» لتعلم اللغة، يكون التعلُّم خلالها سلسًا سريعًا ثم يبدأ الأداء في الانخفاض بعدها. لكن لم يستطع أحد تحديد هذه الفترة العمرية بالضبط، والآلية التي تعمل من خلالها، إلا أن مجموعة من الباحثين في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» توصلوا إلى حل إحدى هاتين المسألتين.

وجد الباحثون أن الفترة التي يزدهر فيها تعلم الطفل لغة جديدة، تبدأ منذ الولادة وتستمر حتى الوصول إلى سن 10 سنوات تقريبًا. ويستطيع الأطفال أيضًا تعلم لغة جديدة على نحوٍ أسرع من البالغين حتى سن 17 أو 18 عامًا، ثم تنخفض قدرتهم بشكل أبطأ من البالغين مع التقدم في السن.

مع ذلك، يُصبح من الصعب الوصول إلى إتقان اللغة مثل متحدثيها الأصليين، إذا تخطى البدء في تعلمها سن العاشرة. يقول جوشوا هارتشورن، الأستاذ المساعد بقسم علم النفس بجامعة «بوسطن»: «إذا رغبت أن تُصبح معرفتك بقواعد اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، شبيهة بمعرفة المتحدثين الأصليين لها؛ يجب أن تبدأ في تعلّمها قبل سن 10 سنوات تقريبًا».

فضلًا عن ذلك، لا يرى هارتشون اختلافًا كبيرًا بين الأطفال، الذين يبدأون تعلم لغة جديدة عند الولادة، والأطفال الذين يبدأون التعلّم من سن العاشرة، لكن يظهر انخفاض ملحوظ في منحنى التعلم بعد ذلك. وتستند هذه النتائج إلى تحليل أجراه الباحثون، لمسابقة قواعد لغوية شارك فيها ما يقرب من 670 ألف شخص، الرقم الذي يُعد أكبر مجموعة بيانات من نوعها.

وخلص الباحثون إلى أن قدرة الطفل على تعلم قواعد اللغة، تظل قوية حتى سن 17 أو 18 عامًا، ثم تبدأ بعد ذلك في الانخفاض. مع ذلك، لم يتضح سبب البدء في حدوث هذا الانخفاض. ويُرجح الباحثون أن يعود السبب إلى عوامل ثقافية ومجتمعية، كأن يتسبب بلوغ الأطفال بطريقة ما في بعض المجتمعات إلى خفض معدل تعلمهم، أو قد تكون الأسباب بيولوجية؛ إذ جميعنا يعلم بالفعل أن الدماغ يفقد بعضًا من مرونته وكفاءته مع التقدم في العمر.

لماذا يجب أن تعلم طفلك لغات جديدة؟

يتحدث أكثر من نصف سكان العالم، لغتين على الأقل. كما تملك العديد من البلدان أكثر من لغة وطنية رسمية، مثل جنوب أفريقيا التي لديها 11 لغة رسمية. ويُتوقّع أن تزداد هذه النسبة، ويتكلم، ويقرأ، ويكتب عديد من الناس حول العالم لغة واحدة من اللغات الشائعة مثل الإنجليزية، والصينية، والهندية، والإسبانية، والعربية، على نحو متزايد. إذن، فكرة أن تكون أحادي اللغة، تضعك بين فئة الأقلية، التي قد تتلاشى في المستقبل وتُصبح غير موجودة.

لا يقتصر الأمر على منحك القدرة على التحدث إلى شخص من بلد آخر وحسب؛ بل يعود الأمر بالمنافع الجليلة على صحتك العقلية ومهارتك في أداء المهمات. كما تمنحك التعددية اللغوية العديد من المزايا الاجتماعية، والنفسية، وتحسنًا في نمط الحياة.

علاوة على ذلك، أثبتت بعض الإحصاءات أن من يتمتع بالتحدّث بأكثر من لغة واحدة من الناحية الصحية، بالقدرة على التعافي من السكتات الدماغية تعافيًا أسرع من غيرهم، ويتأخر لديهم ظهور أمراض الشيخوخة مثل الخرف والزهايمر؛ إذ أظهرت نتائج الأشخاص ثنائيي اللغة تأخر ظهور أعراض مرض الزهايمر لديهم، مقارنة بغيرهم من أحاديي اللغة، بمعدل أربع إلى خمس سنوات.

كذلك، تحمي الثنائية اللغوية الدماغ من الإصابات، وتزيد من معدلات الشفاء لدى الناجين من السكتات الدماغية؛ إذ وُجد أن مُعدل الشفاء المعرفي لدى من يتحدثون لغتين، كان ضعف مُعدله لدى المصابين ممن يتحدثون لغة واحدة.

ويُرجح أن السبب في ذلك، يرجع إلى أنّ تعلُّم لغة جديدة يعمل على إعادة توصيل دوائر عصبية جديدة في الدماغ، ويُحسن من وظائفه، ويُعزز النظام التنفيذي والاحتياطي المعرفي لدى الأشخاص. وعندما تُصاب أجزاء من الدماغ لديهم بالضرر؛ فإن أدمغتهم يُمكنها التعويض عن التلف بسهولة أكبر.

من أجل هذا وأكثر؛ لا تدع مسألة سهولة تعلم اللغة حتى 10 سنوات تُثبطك؛ إذ إنه حتى مع كون الأمر أصعب قليلًا مع التقدم في العمر؛ فإن تعلم لغة أجنبية عملية مجزية ومفيدة للغاية، لك ولطفلك في مختلف الأعمار.

المصدر ساسة بوست
نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق