خلال منتدى شباب العالم الذي اختتم أعماله، الخميس الماضي، في مدينة شرم الشيخ المصرية بكى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تأثرا بكلمة فتاة إيزيدية، عن المعاناة التي لاقتها بعد أسرها على أيدي مسلحي تنظيم داعش، وسردها للمأساة التي يعيشها مواطنو سوريا والعراق بسبب تدهور الأوضاع الأمنية هناك.
وجاء هذا المشهد كآخر حلقة من سلسة طويلة من المواقف التي بكى خلالها السيسي خلال العام الحالي فقط، ووصلت إلى خمس مرات، ما أثار تساؤلات حول الدوافع وراء لجوء قائد الانقلاب إلى البكاء دائما أمام الكاميرات في المناسبات العامة.
وتمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة والجدل في كل مرة يبكي فيها السيسي حيث ينتقد نشطاء حقوقيون وسياسيون هذه المشاعر غير الحقيقية من جانبه قائد الانقلاب ويؤكدون أن “دموعه الكاذبة” تتعارض مع ما يرتكبه نظامه من أعمال قمع وحشية بحق آلاف المواطنين من معارضيه السياسيين.
خمس مرات!
وكان السيسي قد بكى في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي خلال كلمته أثناء افتتاح توسعات جديدة بشركة النصر للكيماويات الوسيطة، عندما هتف أحد الحضور “بنحبك يا ريس” فتظاهر السيسي بأنه لم يتمالك نفسه من التأثر بهذا الهتاف وبكى أمام الكاميرا.
وفي شباط/ فبراير التالي بكى السيسي خلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة، عندما ألقت والدة أحد ضحايا الجيش الذي لقي مصرعه في شمال سيناء وبكت على فقدان نجلها، فبكى السيسي تعاطفا معها.
وفي آذار/ مارس التقى السيسي والدة أحد ضحايا الجيش أثناء تكريم الأمهات المثاليات في الاحتفال بيوم المرأة المصرية، وبكى وهو يقبل رأسها ويمنحها درعا تذكاري.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر، وأثناء افتتاح مركز للمؤتمرات بالقاهرة، بكى السيسي عند سماعه حديث زوجة أحد ضحايا القوات المسلحة الذي قتل في سيناء عن تضحيات زوجها.
وكانت المرة الأخيرة التي بكى فيها السيسي، في أمام الكاميرات أثناء حديث شابة إيزيدية تدعى “لمياء حجي بشار” في منتدى شباب العالم لذي استضافته مدينة شرم الشيخ، وروت خلاله الاعتداءات التي تعرضت لها على أيدي مسلحي تنظيم “داعش”بعد أن تم أسرها وبيعها في سوق للعبيد في سوريا.
“حتى لو بكي مليون مرة”
وتعليقا على بكاء السيسي المتكرر قال أستاذ العلوم السياسية محمود السعيد إن “التعبيرات العاطفية هي جزء مؤثر في الخطاب السياسي بشكل عام”، مشيرا إلى أن السيسي يهتم بالجانب العاطفي أثناء الارتجال في خطاباته لأنه يدرك ذلك جيدا ويعرف أنها مازالت تؤتي ثمارها مع مؤيديه حتى الآن.
وأضاف السعيد، في تصريحات لـ”عربي21″، أن التعبيرات العاطفية ومن بينها البكاء أصبحت مستهجنة من معارضي النظام لكن كثير من المؤيدين ما زالوا يتأثرون بها ويصدقون السيسي عندما يظهر تأثره، لافتا إلى أن السيسي منذ ظهوره على المسرح السياسي وهو يستخدمه هذا الأسلوب ويبدو أنه لن يتخلى عنه.
وأوضح أن بكاء السيسي تعاطفا مع الفتاة الإيزيدية الهدف منه إيصال رسالة للعالم أن مصر تحتضن ضحايا الإرهاب من الإيزيديين وغيرهم، سعيا لتحقيق شعبية دولية استغلالا لفكرة أنه راعي السلام ويستقبل اللاجئين من كل أنحاء العالم.
وتابع: “أعتقد أن السيسي نجح سياسيا على المستوى الخارجي في توصيل هذه الرسالة وجذب انتباه العالم، لكن على المستوى الداخلي فإن الأوضاع التي تمر بها مصر أدت إلى تراجع شديد في شعبية السيسي، مؤكدا أنه حتى لو بكى مليون مرة فإن هناك كثيرا من المصريين لم يعودوا ينخدعوا بهذا البكاء”.
سلاح ذو حدين
من جانبها، قالت أستاذة علم النفس هبة عيسوي إن “البكاء في الخطابات السياسية يعرف في مجال التحليل النفسي بأنه نوع من أنواع الإسقاط أو الخداع النفسي للمتلقين من خلال إيهامهم بأن المتحدث الذي يبكي أثناء الخطاب السياسي متأثر للغاية بالقضية التي يتناولها”.
وأشارت عيسوى، في تصريحات لـ “عربي21″، إلى أن “السيسي كرر هذه الطريقة كثيرا، خاصة في المناسبات التي يكون فيها حالات وفاة مثل لقاءاته مع أهالي شهداء الجيش والشرطة”، مضيفة أن تكرار السيسي كثيرا لهذه الطريقة في خطاباته دفع شريحة كبيرة من الشعب إلى استنكارها وعدم التأثر بها، وعلى الرغم من ذلك يصر السيسي على الاعتماد عليها ويستخدمها دائما في ارتجالاته أثناء الخطابات السياسية معتمدا على أن النفس البشرية ضعيفة بطبعها ويمكن أن تصدق الإيهام والخداع، وأنه من السهل أن جذب الناس إلى وجهة نظرك في قضية ما عن طريق إضافة لمحة إنسانية إلى حديثك أو البكاء أمام الشاشات.
وحذرت من أن هذا النوع من الخطابات السياسية التي يعتمد عليها السيسي يعد الأخطر على الإطلاق لأنها سلاح ذو حدين، فهي إما أن تكون صادقة أو كاذبة، وفي الحالة الثانية يمكن أن تقود الجماهير إلى كوارث وهم مخدوعون بما يقول الزعيم السياسي الذي يستخدم الأسلوب العاطفي، مؤكدة أن التاريخ القديم والحديث مليء بعشرات الأمثلة المشابهة.