هل ستندلع “ثورة شعبية” بالفعل ضد ميليشيات الحوثي في صنعاء ومناطق سيطرتها؟

17 أكتوبر 2022
هل ستندلع “ثورة شعبية” بالفعل ضد ميليشيات الحوثي في صنعاء ومناطق سيطرتها؟

في 14 أكتوبر/ تشرين أول الحالي، خرج العشرات من المواطنين ومعظمهم من الشباب، للاحتفال بذكرى ثورة التحرير والاستقلال من الاستعمار البريطاني، التاسعة والخمسين، في ميدان السبعين بصنعاء، لكن مليشيات الحوثي اختطفت المجموعة التي خرجت بسرعة قبل أن تتجمع أعداد كبيرة من الشباب والمحتفلين.

تطرح دعوة الشباب إلى الاحتفال بذكرى أكتوبر واختطاف الحوثي لهم سؤالا عن إمكانية نشوء حركة احتجاجية تبدأ من الأعياد الوطنية، وقد لا تنتهي إلا برحيل سلطة الأمر الواقع الحوثية؟

في محاولة الإجابة عن السؤال، ينبغي ذكر مجموعة من العوامل التي تساهم في الإجابة عليه، بما يساهم في فهم العلاقة بين الشعب وبين عصابة الحوثي.

حظرت مليشيا الحوثي نهائيا أي تجمعات في الأرياف والمدن، وفي صنعاء على وجه الخصوص، لكنها تحشد أنصارها وباستمرار في تجمعات طائفية، لكن التجمعات التي تصل إلى عشرين مناسبة حوثية سنويا تجعل من فكرة التجمعات شيئا ممكنا.

ومع ذلك خلال السنوات الثمان الماضية، لم تشهد صنعاء خاصة وبقية مناطق سيطرة الحوثي تجمعات مهمة بأي صيغة، إلا فيما ندر مثل التجمعات القبلية المسلحة محدودة الوقت والحجم والتأثير والمطلب، لكنها مهمة بطبيعة الحال.

كانت المحاولة التي نظمها حزب المؤتمر جناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح في أغسطس 2017 هي التجمع الأبرز الذي نظمته جهة غير الحوثي، لكن المؤتمر وصالح كان حليفا للحوثي، ومع ذلك كان الصراع بين الحليفين قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، ثم ما لبث أن انفجر بينهما في ديسمبر 2017، لذلك يعد احتفال المؤتمر بذكرى تأسيسه حينها تجمع معارض للحوثي بصورة من الصور.

بعد مقتل صالح خرجت نساء من المؤتمر الشعبي في ميزان السبعين للمطالبة بجثته المحتجزة لدى عصابة الحوثي، وتعرضت عشرات النسوة للاختطاف، وتوقفت جميع التظاهرات تقريبا.

لا يمكن أن يغمط أحد تظاهرات أمهات المختطفين، في صنعاء، اللاتي نظمن عشرات الوقفات الاحتجاجية أمام السجون الحوثية والمنظمات الدولية، لكن الأعداد دائما كانت محدودة، ومطالبها اقتصرت على الإفراج عن المختطفين.

 

تظاهرات أنصار الحوثي المعارضة

أدى إجبار الحوثي لفئات واسعة من الناس الانضمام إلى المليشيا إلى تصادم المصالح بين أطرافها، تعتمد المليشيا على فكرة دمج جميع الأتباع والموالين في المنظومة الإيرانية، وفي سبيل ذلك، تستهدف المقومات الاقتصادية للأتباع المنضمين لها.

في سبتمبر 2021 خرج سكان المدن السكنية في صنعاء مثل سعوان ومذبح والسنينة، والجوية وغيرها في تظاهرات أسبوعية لمدة ثلاثة أشهر-بعد 5سنوات من الحصار الحوثي الخانق عليهم- دفاعا عن منازلهم وممتلكاتهم، التي تسعى هيئة حوثية يديرها قيادي مقرب من عبدالملك الحوثي، باسم لجنة عقارات القوات المسلحة، لانتزاعها والسيطرة عليها.

عرف المتظاهرون أنفسهم بأنهم حوثيون، لكنهم يقاومون الفساد. في مرحلة لاحقة، قالوا إن أبناءهم في جبهات الحوثي ضد القوات الحكومية، قد ينسحبون للدفاع عن أملاك أسرهم في صنعاء، وتحولت قضيتهم إلى رأي عام، مع تساؤلات عن حقيقة أهداف الحوثي وشرعيتها، خفت الضغوط الحوثية عليهم مؤقتا دون أن تنتهي المحاولة.

في يوليو من السنة الماضية 2021، أعلنت أسرة العلامة القاضي محمد العمراني وفاته فجرا، وحددت تشييع جنازته، ظهر اليوم نفسه في مقبرة جوار ميدان السبعين في صنعاء.

في أربع ساعات تقريبا من انتشار الخبر، احتشد عشرات الآلاف من المشيعين في الجنازة، امتلأ بهم ميدان السبعين، لم يكن هناك أي علامة أو حضور لأي رمز حوثي من القيادات إلى الشعارات والألوان.

كانت جنازة العمراني علامة فارقة على مستوى استعداد الشعب للخروج ضد الحوثي، وكان يستغل هذه المناسبات للتعبير عن هذا الموقف، وتحولت حفلات الأعراس إلى حفلات سياسية مناوئة للحوثي، يشكل ما.

 

التحول الأهم: جيل جديد يقود المبادرة

بينما كان المنتخب الوطني للناشئين في بطولة غرب آسيا، يحقق الفوز، بعد سنوات طويلة من الانكسارات الرياضية اليمنية، كان عشرات الآلاف من المشجعين في صنعاء، ينظمون أنفسهم تلقائياً لتشجيع المنتخب، في عدة نواد، خاصة نادي الوحدة.

أدى فوز المنتخب، إلى خروج عشرات الآلاف من السكان احتفالا بالفوز، كانت الفعالية رياضية بحتة، لكن الشعارات كانت سياسية، إطلاق الألعاب النارية شمل معظم الأحياء، في معظم المحافظات.

في صنعاء، احتفل المتظاهرون ساعات في ميدان السبعين، المرتبط بالوجدان اليمني بالجمهورية، والهوية اليمنية، وتاريخ النضال ضد الإمامة.

في كل تفاصيل الشعارات، والألوان لم يكن هناك أي شيء يدل على الحوثي، لقد داسته الجموع، كان وضعا صعبا جدا للحوثي لم يكن يتوقعه في ذروة هجومه على مأرب، أي بينما كان يعد أنصاره بالنصر هناك على الحكومة.

أمام هذه المفاجأة التي صعقت الحوثي بالخروج الشعبي، اضطر الحوثي إلى تنظيم تكريم للمنتخب، حذر طاقم المنتخب الحوثي من أي استغلال للاحتفال، لأول مرة في تاريخ الحوثي، ظهر محمد علي الحوثي، أحمد حامد، وقادة الصف الأول في الجماعة أمام آلاف المحتفلين بملعب الثورة ، دون أي ذكر لمسيرة جماعتهم الإيرانية.

لم تكن الفعالية الرياضية هذه هي الأولى التي تحمل أبعادا سياسية أكثر منها رياضية، لكنها كانت الأشهر والأكثر تأثيرا، وفق متابعين رياضيين.

وفي أبريل/ نيسان من السنة الجارية، احتشد الآلاف من مشيعي الشيخ حسين الأحمر، – الذي قاد قبائل حاشد لمواجهة الحوثيين في الحروب الست، وقبل سقوط صنعاء والجمهورية وخسر المواجهة- بأعلام جمهورية، وهتافات تعاملت مع الفقيد الأحمر كبطل، لا عدو أو خائن، أي على نقيض سردية الحوثي تجاههم.

 

اكتمال نشوء المعارضة وإعلانها

أدت الهزيمة العسكرية التي تعرض لها مليشيات الحوثي في جبهتي مأرب وشبوة، -بعد ثلاث سنوات من الانتصارات الحوثية غير الحاسمة-؛ إلى تبديد أسطورة الحوثي.

بالتزامن؛ ارتفعت سلسلة الجرع الحوثية على الوقود من 7000 آلاف إلى قرابة 16000 آلاف ريال بين يناير ومارس 2022.لم ينس الناس أن الحوثي أسقط الجمهورية، بغطاء أخلاقي واقتصادي رافض لرفع الدعم عن الوقود.

انتشرت كتابات وشعارات سياسية لا لبس فيها في شوارع حدة في صنعاء، بأبعاد سياسية على غرار الربيع العربي: “ارحل يا حوثي، اليمن ليس تبعا لإيران، الشعب يريد إسقاط الحوثي”. بسرعة قياسية انتشرت الشعارات سرا في كل من صنعاء وإب، والضالع والحديدة والبيضاء مطلع مارس الماضي.

بعد هذه الشعارات التي قمعها الحوثي بشدة إلى درجة التهديد بنهب أي منزل تكتب عليه الشعارات، وخطف العشرات من المشتبه بهم، أعلن الحوثي في 10مارس الماضي، أن جيشه سيقاتل للحفاظ على الوضع وما تحقق من إنجازات. وأشار يحيى سريع القيادي الحوثي إلى أن التحالف يستهدف الجبهة الداخلية.

وفي 26 مارس أعلن الحوثي مبادرة لوقف إطلاق النار، وافقت عليها الحكومة والتحالف، واستمرت 6 أشهر انتهت مدتها الزمنية في الثاني من أكتوبر الجاري، لكن بنودها مستمرة حتى لحظة كتابة التقرير الحالي.

 

الهدنة تنقل المعارضة من القول إلى الفعل

في مطلع القرن الماضي، انتظرت حركة الإصلاح الوطنية استسلام الإمامة أمام السعودية وبريطانيا، قبل أن تعلن عن ولادتها، كذلك كان الحال الآن، انتظرت ثمان سنوات من الحرب، قبل أن تصير فعلا وليس قولا فقط.

وبينما يفترض باحثون أن الحوثي لم يستقر كدولة حتى تنشأ معارضة ضده، فإن الحقيقة أن الناس هناك تعاملت معه كدولة، خاصة بعد سلسلة هائلة من الضرائب والجمارك والجبايات، والإتاوات، التي لا تنتهي دون أي تمثيل سياسي مقابلها وانهيار الخدمات العامة والتضخم، وترد هائل للقطاع الخاص بمختلف أنشطته، مع حصار الحوثي لمعظم السكان في مناطق سيطرته، بتقنين الوقود، وبقطع الطرقات بين المحافظات المحررة والمحافظات الأخرى.

في أواخر يونيو الماضي، رفعت قبائل الشرفين بمحافظة حجة صوتها المعارض. عرفت نفسها بوثيقة المعارضة على أنها كل الناس المؤيدة للحوثي، لكنها تطالب بإيقاف نمو الضرائب التي أرهقتهم. ومع أن الرسالة قبلية إلا أنها احتوت معلومات مهمة: بلغ مستوى الضرائب التي دفعتها ومعظمها عن زراعة القات، ملياري ريال من الطبعة القديمة، ونمو عن العام السابق بنسبة34%. الأهم ومن هذا كان خاتمة الرسالة، لماذا تفرض الضرائب وأنت مسيرة قرآنية، وما أنزل الله من سلطان لفرضها؟.

التساؤل عن مشروعية ضريبة الحوثي، يقود إلى التساؤل عن مشروعية الحوثي بين أنصاره، بعد أسابيع نفذت تلك القبائل وقفة كبيرة ضد ضرائب الحوثي، حضرها المئات في مركز محافظة حجة.

الاعتصامات بمطالب حقوقية محددة انتشرت في صنعاء في مؤسسات الاتصالات وشركة النفط والمياه والبريد وهيئة الارصاد وغيرها، وقبليا ظهرت في صعدة، وصنعاء العرة همدان، وبني مطر، وبني حشيش، ومؤخرا هناك اعتصام مستمر لثلاث قبل في صنعاء لتخفيض جبايات الزكاة الحوثية على ملاك الكسارات، هي بني الحارث وبني حشيش ونهم، كما ظهرت في غيل الجوف وغيرها.

في سبتمبر اعتصم مشايخ ذو محمد من أجل عشر دقائق طالبوا فيها بمقابلة عبدالملك الحوثي دون جدوى، من أجل صراعهم مع سفيان الذي يوقده الحوثي حول وادي مذاب الزراعي في محافظة الجوف.

في لافتة رفعها القبليون في عرة همدان، كان البعد السياسي أهم من البعد المطلبي، حين طالبوا الشعب اليمني بالوقوف بجانبهم في مواجهة الحوثي.

في القرى والأرياف والمدن الثانوية، استعمل الحوثي القوة، لمواجهة الاعتصامات، وسقط فيها عشرات الجرحى والمخطوفين كما في همدان دون ضجيج إعلامي أو تحول إلى قضية رأي عام.

في مطلع سبتمبر نظم نادي قضاة اليمن إضرابا ناجحا ضد الحوثي، أعاد للعمل النقابي قيمته، لم يرفع الإضراب إلا بمفاوضات، كان هذا مؤشر على صعوبات حقيقية تواجهها جماعة الحوثي.

في وسائل التواصل الاجتماعي، كانت القضايا المثيرة التي احتلت الجدل الواسع:” الحملة الشعبية ضد نادي الخريجين الحوثي، والحملة الشعبية مع نادي القضاة، والاحتفال الواسع بذكرى ثورة 26 سبتمبر، والهجوم الواسع على الحوثي بعد اكتشاف جريمة أطفال سرطان الدم. وهي مؤشر جيد للمزاج الشعبي”.

في المدن، شهدت ذكرى 26 سبتمبر ميلاد المعارضة فعلا، دعا ناشطون تبلغ أعمارهم العشرينات، إلى احتفال بالذكرى الستين للثورة، في ميدان السبعين.

خلال ساعتين تقريباً، امتلأ ميدان السبعين بآلاف المتظاهرين، صدمت التظاهرة الحوثي وأشد معارضيه في الوقت نفسه، بحسب بيانات خاصة المتظاهرون فاضت بهم الشوارع المحيطة، كانت التظاهرة الضخمة بعد أربعة أيام فقط، من احتفال الحوثي العسكري في السبعين. كانت ردا مباشرا على تلك التظاهرات، وعلى رفعه صور أسرته. كذلك كان الحال في محافظتي الحديدة وإب.

كثافة المتظاهرين في ذكرى 26 سبتمبر، حالت بينهم وبين السجون الحوثية التي فتحها الحوثي لعشرات المخطوفين، نووا التظاهر والاحتفال في الميدان نفسه، لكن الأمن والمخابرات الحوثية بلباس مدني كانت قد سبقتهم إليه وخطفتهم قبل اكتمال أعدادهم.

خاتمة:

يمثل نصف سكان اليمن وفق الإحصائيات الرسمية من تبلغ أعمارهم أقل من 15 سنة، ومن كانوا في 2011 عند عشر سنوات صاروا قادة الجيل الجديد، لا يعرفون الهزيمة التي تجرعتها الجمهورية بأيدي أنصارها وأعدائها، لكنهم شهدوا أيضا وعاشوا تحت وقع الإذلال الحوثي والإيراني المضاد للجمهورية.

وبينما يكرس الحوثي نفسه في مناهج الدراسة، يسمع الأطفال والطلبة غضب والديهم وأسرهم، المتنامي ضد مليشيات الحوثي، لذا كان هؤلاء الجيل المتغير الأبرز في تحويل المعارضة الشعبية ضد الحوثي من القول إلى الفعل، ومن وسائل التواصل الاجتماعي إلى ميادين السبعين والحديدة وإب، وغيرها.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق