لا تقتصر وظيفة الفن على المتعة وخلق حالة من البهجة لدى المتلقي فقط، ورغم أنّ هذا يناسب بعض المجتمعات الغربية التي قد تلائمها نظرية «الفن للفن»، فإنّ الأمر يختلف مع مجتمعاتنا العربية التي لا تزال بحاجة ماسة لتوجيه رسائل اجتماعية معينة على نحو غير مباشر ضمن سياق إبداعي معين.
وتعد مسرحية «عيلة الفقري» التي يعاد عرضها حالياً في موسم جديد على المسرح الكوميدي «المسرح العائم» بحي المنيل في القاهرة، تجسيداً جيداً لتلك الفكرة، فعبر نص بصري شديد البهجة تتخلله العديد من الأغاني والاستعراضات يبعث صناع العمل برسالة شديدة الجدية مفادها رفض الخرافات الشعبية ومقاومة السلوكيات الخاطئة التي قد يتبناها البعض، كل ذلك عبر إطار كوميدي متصاعد يجعل تمرير مثل هذه الرسائل في غاية السهولة.
ويقوم البناء الدرامي للعمل الذي يلعب دور البطولة فيه الفنان الكوميدي محمد الصاوي على فكرة في غاية البساطة تتمثل في أن ثمة شخصاً يدعى «سمعان الفقري» متزوج من ربة منزل مصرية تؤمن بالأبراج والحظ والتشاؤم والتفاؤل على نحو عميق، تتشاءم من لقب عائلة زوجها والذي يعد تنويعة عامية على مفردة «الفقير»، فهي تعلم أن كل شخص له من اسمه نصيب… تستيقظ الزوجة ذات صباح على خبر يزلزل كيانها: لقد دخل كوكب زحل في برجها، (برج الأسد) مما يعني وقوع مصائب رهيبة لعائلتها الفقيرة بالفعل، هنا تسقط الزوجة التي تجسد شخصيتها ببراعة الفنانة المصرية فاطمة الكاشف في فخ الخرافات الشعبية مثل السحر والدجل والشعوذة ظناً منها أنها بذلك ستنقذ عالمها الصغير من الخطر المحدق، لكنها تكتشف العكس في النهاية، ويعود جو من الوئام ليرفرف على الجميع بعد أن نضج مفهوم التوكل والسعي وراء الرزق بجدية واجتهاد والثقة في الله وفي المستقبل. وبجانب هذه الحبكة الرئيسية، تمتد خيوط لأكثر من حبكة فرعية مثل الابن «سامي» الصحافي الذي سيسافر إلى اليونان في مهمة عمل، والابن الآخر «كريم»، الذي يعاني من أزمة البطالة التي يعيشها جيل الشباب، فضلاً عن الابنة الوحيدة «هند» التي لم تتزوج بعد.
وأحسن المؤلف أحمد الملواني في جعل الأحداث تدور في يوم واحد فقط، مما منع العمل من أن يصبح عرضاً للترهل والتطويل، كما نجح المخرج محمد متولي في جعل إيقاع العرض سريعاً ومتصاعداً.
وتصف الفنانة فاطمة الكاشف العمل بأنه «دعوة للتفاؤل»، حيث يتضح في نهاية العرض أن كل شيء كانت تتشاءم منه «سعيدة»، وهو اسم الشخصية التي تجسدها قد تحول إلى خير وانتهى نهاية إيجابية، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الرسالة البسيطة قد تم توجهيها من خلال نص مبهج ضاحك يسعد الجمهور ويثير تفاعله.
فيما يؤكد الفنان أيمن العزب مدير المسرح الكوميدي على حماسه الشديد لهذا العمل قائلاً: «نحن بحاجة إلى أعمال تحقق المعادلة الصعبة التي تجمع بين المضمون الهادف والقدرة على إسعاد الجمهور في الوقت نفسه، وهو ما يتحقق في هذه المسرحية، لا سيما في وجود الفنان محمد الصاوي».
كما لعب الديكور الذي صممه محمد هاشم دوراً كبيراً في تقريب العائلة بمنزلها البسيط الشعبي إلى وجدان الجمهور عبر الأثاث المهترئ والجدران التي تساقط طلاؤها والصالون المفروش بسجاد متآكل، وهو ما جعل حلم الزوجة «سعيدة» بالثراء مبرراً وخوفها الشديد من الفقر له دوافعه المقنعة.
وأتاحت مسرحية «عيلة الفقري» الفرصة كاملة للفنان محمد الصاوي لكي يستعيد قدراته كممثل قدير يملك رصيداً كبيرا لدى الجمهور بعدما استهلكته السينما في أدوار نمطية سعى فيها إلى انتزاع الضحك من الجمهور عبر «إفيهات» قد تبدو متكلفة أو مفتعلة، في حين أنه يقدم في العرض المسرحي كوميديا الموقف النابعة من السياق الدرامي ككل.