دشنت ميليشيا الحوثي الأحد في صنعاء، ما قالت إنها لجنة لاستقبال شكاوي المواطنين بشأن تزوير المحررات العقارية الخاصة بالأراضي، وضبط الأمناء غير الشرعيين، عبر إعلانها ما تسمى بـ”اللجنة العليا للمنظومة العدلية” ذات المهام المبهمة، في خطوة تبدو كتدشين لمرحلة جديدة في هذا الملف المتخم بانتهاكات الميليشيا.
وقالت الميليشيا، إن لجنة مكونة من وزارات العدل والداخلية والأوقاف في حكومتها بصنعاء، بدأت اليوم الأحد، استقبال شكاوي المواطنين “المتضررين” مع أدلتهم وإثباتاتهم، وذلك في مقر اللجنة في إدارة البحث الجنائي في شارع العدل بأمانة العاصمة.
وبحسب وسائل إعلام الحوثيين، فإن اللجنة تهدف إلى استقبال شكاوي المواطنين المتضررين من عمليات التزوير والاحتيال، وضبط الأمناء غير الشرعيين وغير المعتمدين من وزارة العدل بحكومة الميليشيا الضالعين في تلك العمليات المتعلقة بالأراضي.
لكن تصريحات مسؤولي الجماعة حملت أبعاداً أخرى للجنة التي باشرت أعمالها تحت غطاء خدمة المواطنين وإنهاء عمليات الاحتيال ونهب الاراضي وتزوير وثائق التمليك الخاصة بها.
ففي تصريح لما أسمته قناة المسيرة على موقعها الالكتروني بـ”المفتش العام بوزارة الداخلية اللواء إبراهيم المؤيد”، كشف فيه عن ما اسماه “اللجنة العليا للمنظومة العدلية”، وهي هيئة حوثية يتم الحديث عنها لأول مرة.
ووفق المؤيد فإن اللجنة الجديدة يرأسها “محمد علي الحوثي” عضو ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى، ورئيس ما كانت تعرف باللجنة الثورية العليا، التي شكلها الحوثيون إبان اجتياحهم لصنعاء عام 2014م.
وقال المؤيد إنه وبموجب توجيها الحوثي “رئيس اللجنة العليا للمنظومة العدلية.. سنبدأ بضبط ما يسمى بالأمناء غير الشرعيين وغير المعتمدين من وزارة العدل”.
وكان لمحمد الحوثي السبق في إعلان حملة الجماعة الجديدة التي تستهدف كما هو معلن ضبط محرري العقود العقارية المزورة، وإنصاف المتضررين من تلك العقود المزورة من السكان في مناطق سيطرتهم.
ويتحدث مفتش داخلية الحوثيين عن خطورة الوضع بالقول “الوضع لا يحتمل المزيد من المشاكل وعلى مدراء المناطق الأمنية القيام بدورهم في تنفيذ التوجيهات والحد من التلاعب في ممتلكات الدولة وأملاك المواطنين”.
ووفق تصريحات المؤيد فإن الغرض من اللجنة هو تقنين عملية المتاجرة وبيع وشراء أراضي وأملاك الدولة، والتي ازدهرت في الآونة الأخيرة في ظل نهب الميليشيا للوثائق المتعلقة بالأراضي وتنافس قياداتها في عملية البسط والاستحواذ والمتاجرة بها.
ويشير القيادي الحوثي “أحمد الجرافي” المعين وكيلاً لوزارة العدل في حكومة الميليشيا إلى توجه القيادة العليا لسلطة الأمر الواقع “بضبط المزورين وإحالتهم إلى النيابة العامة “، مشراً أن من اسماهم “منتحلو صفة الأمين الشرعي والمزورين تسببوا في اثقال كاهل وزارة الداخلية والقضاء وأغلب القضايا الواردة إلى النيابات والمحاكم تتعلق بالأراضي والقتل والنصب والاحتيال”.
نائب وزير الأوقاف والارشاد في حكومة المليشيات “فؤاد ناجي” تحدث بشكل أكثر صراحة عن “عصابات كبيرة للتزوير، تقوم باستنساخ الوثائق والبيع والشراء في أراضي الأوقاف لأكثر من مرة” وقال: “نحن أمام عصابة كبيرة جدا وتشتغل على وتيرة عالية وليسوا بأشخاص عاديين وضبطهم وإحالتهم سيخفف من المشاكل في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم”.
ويؤكد القيادي الحوثي “ناجي” أن “أكثر من أضاع أموال الأوقاف هم من ينتحلون صفة الأمناء الشرعيين ممن يكاتبون بدون الرجوع لوزارة الأوقاف”، مشيراً في تصريح نشرته المسيرة على موقعها إلى أن “من ينتحل صفة الأمناء الشرعيين هم الثغرة التي يأتي منها الكثير من المشاكل” وفق زعمه.
ويكشف تصريح القيادي الحوثي، أن للجنة المشكلة من الجماعة أهداف أخرى غير تلك المعلنة والمتعلقة بالمتضررين من المواطنين، حيث تسعى الجماعة للتحكم وضبط عمليات المتاجرة وبيع وشراء الاراضي بشكل مركزي، بعد أن اصبحت تجارة رائجة يحترفها القادة الميدانيون ومشرفو المليشيا في المديريات والمناطق.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فحسب تصريح القيادي الحوثي في وزارة أوقاف الميليشيا فإن “هناك وثائق هامة لأملاك الأوقاف لاتزال لدى أسر كان أجدادها قائمين عليها ولابد أن تكون مع الدولة”، في إشارة إلى سعي المليشيا لانتزاع ملكيات أراضي معينة كتلك الأرضي التي تم وهبها “وقفاً لله تعالى”، على أن تبقى في يد ذرية الموصي، وللأوقاف خراجها.
وحسب تصريح القيادي الحوثي، فإن اللجنة المشكلة -تحت يافطة استقبال شكاوي المواطنين- استلمت “شكاوى بالأسماء والمواصفات لأشخاص يقومون بالمضاربة بأموال الأوقاف ويشترون الأراضي بمئات الملايين ولا يوقفهم أحد”.
وفق إعلان الحوثيين، فلن تقبل أي شكاوي مالم تكن مدعمة بأدلة تثبت صحة تزوير الأمناء الشرعيين المشكو بهم، على أن تقدم للجنة في شارع العدل قبل يوم الأربعاء، هو أخر يوم لاستقبال الشكاوي وفق تغريدة محمد علي الحوثي، رئيس ما يمسى بـ”اللجنة العليا للمنظومة العدلية”.
ومنذ سيطرت الجماعة على صنعاء واجتياحها للمدن، شرعت في تنظيم مزادات علنية وغير معلنة للمتاجرة بأراضي الدولة وعقارات الأوقاف، قبل أن تمتد وتيرة النهب والبسط مؤخراً إلى أراضي وعقارات مملوكة لمغتربين أو مواطنين غير قادرين على استثمارها في ظل الصراع القائم في اليمن.
وفي الآونة الأخيرة، تجاوزت المليشيا أو على الاقل قيادات فيها، مرحلة البسط ونهب الأراضي، إلى شراء العقارات والأراضي خاصة في صنعاء والمدن الرئيسية، دفعت مبالغ طائلة مقابل الحصول عليها وتملكها بعقود بيع وشراء رسمية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار العقارات.
ولا يقتصر ذلك على عمليات الشراء والمتاجرة بالأرضي والعقارات من أموال الشعب المنهوبة، فقد أكد تقرير خبراء الأمم المتحدة الأخير بشكل واضح، سعي الحوثيين إلى تملك وسرقت أراضي وعقارات وأموال خصوم الجماعة السياسيين المحسوبين على الحكومة الشرعية.
واستشهد خبراء مجلس حقوق الإنسان في تقريرهم المعنون “اليمن: جائحة الإفلات من العقاب في أرضٍ معذّبة ” بالحكم الذي أصدرتها المحكمة الجزائية الخاضعة للحوثيين في صنعاء ” في مارس 2020، بالإعدام غيابياً على 35 نائباً برلمانياً لارتكابهم أعمالاً تهدد استقرار الجمهورية اليمنية ووحدتها وأمن أراضيها”.
وقال الخبراء البارزين بشأن اليمن إن إدانة النواب البرلمانيين بتهم دعم “الحكومة المعترف بها دوليًا.. تم استخدامها (تلك التهم) لإضفاء صبغة شرعية على مصادرة أصول وممتلكات المتهمين (النواب)”.
وبين الحين والأخر، تعلن سلطات الانقلابيين في صنعاء، احكاما قضائية بمصادرة أموال وعقارات قيادات سياسية وحزبية ومسؤولين في الحكومة اليمنية، إضافة إلى احكام غيابية بالإعدام والسجن مدى الحياة على العديد من القيادات والرموز المحسوبين على الحكومة والقوات التابعة لها.
ويفرض الحوثيون حارسا قضائيا، على الأموال والعقارات المصادرة، دون أن يقتصر ذلك على القيادات والمحسوبين على الشرعية، حيث فرضت الميليشيا الحراسة القضائية وصادرت حسابات وعقارات شركات تجارية ومؤسسات تعليمية خاصة، أبرز ذلك ما حدث لشركة اتصالات “سبأفون” و”جامعة العلوم والتكنولوجيا”.
ويبقى السؤال ماهي مهمة اللجنة العليا للمنظومة العدلية التي كشف الحوثيون عنها مؤخراً؟ وهل تسعى الجماعة إلى شرعنة عمليات نهب أراضي وعقارات الدولة والمواطنين، والمتاجرة بها وتملكها بعقود ومحاضر بيع وشراء مزورة؟
*المصدر اونلاين