كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تفاصيل ما قال إنها خيانة تعرض لها قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني أودت بحياته.
وبحسب الموقع البريطاني فإن أبومهدي المهندس يُعتبر من أقدم حلفاء اللواء الإيراني وصديقه المقرب، وهو الذي رافقه حفل استقبالٍ صغير مع سيارتين، مُجهّزتين لاصطحاب قائد فيلق القدس الإيراني إلى منزل المهندس في المنطقة الخضراء، وهو عنوانه المعتاد في العاصمة العراقية بحسب القادة الشيعة في البلاد.
لكن الأمور لم تكُن على ما يُرام هذه المرة. إذ كانت هناك طائرةٌ أمريكية بدون طيار تحوم فوقهم وتستعد لقصفهم، وفي غضون دقائق مات الرجلان.
فيما قد أُدرِجَت أسماء سليماني والمهندس على قائمة المطلوبين للولايات المتحدة منذ سنوات، وتجنّب كلاهما استخدام التقنيات الحديثة والتزما بتدابير أمنية مُشدّدة لإبقائهما بعيداً عن طائلة الولايات المتحدة، بحسب ما أفاد به قادة الفصائل المسلحة المقربون من الرجلين لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
كان عدد الأشخاص الذين يستطيعون الوصول إليهما محدودٌ للغاية، وبذلا كلاهما جهوداً كبيرة للتخّفي أثناء التنقُّل.
وقد قتل سليماني والمهندس رغم الإجراءات الأمنية التي ينفذونها
حيث صرّح قائدٌ مقرّبٌ من المهندس، تحدّث إلى الموقع البريطاني بشرط السرية لأسبابٍ أمنية، قائلاً: «هذه هي تدابيرهم الأمنية المثالية. كانا يُسافران دائماً بدون تحديد تاريخٍ مُسبق، وبدون الإعلان عن الوجهة، ويستخدمان خطوط طيرانٍ عادية. ولا يمُرّان عبر القنوات الرسمية المُعتادة من أجل ختم جوازات سفرهما في المطارات. لا يستخدمان هواتف ذكية، ويتنقّلان بسياراتٍ عادية مع أقل عددٍ ممكن من الناس. وكان من الصعب تعقُّبهما إجمالاً. لكن مطاري دمشق وبغداد يعُجّان بالمصادر الاستخباراتية الموالية لأمريكا، ولهذا وقعا في المصيدة».
بحسب المسؤولين العراقيين المُطّلعين على تحرّكات سليماني، فإن الرجل المسؤول عن قيادة القوات المسلحة الإيرانية في الخارج كان يستخدم عدة نقاط دخولٍ مُعتادة إلى العراق.
في بعض الأحيان كان يهبط في مطار بغداد الدولي، على غرار ما حدث يوم الجمعة الثالث من يناير/كانون الثاني. وأحياناً أخرى كان يصل في النجف، أو يجتاز معبر المنذرية الحدودي إلى محافظة ديالى قادماً من إيران، على بعد 120 كم شرق بغداد.
بدأ بشكلٍ متزايد يهبط بالطائرة في منطقة كردستان شمال العراق، قبل أن يُسافر جنوباً إلى بغداد بالسيارة.
لكن مصادر تقول إن سليماني تعرض للخيانة فتم قتله
أحد قادة حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، صرّح للموقع بأنّ تلك الطرق الأخرى لم تكُن لتُنقذ حياة سليماني أيضاً لأنه تعرّض لخيانةٍ «كشفت خط سير رحلته خلال الـ36 ساعة الأخيرة من حياته. ويبدو أنه كان مراقباً عن كثب منذ اللحظة التي وصل فيها إلى دمشق قادماً من طهران يوم الخميس الثاني من يناير/كانون الثاني، وحتى اغتياله في بغداد فجر الجمعة».
كان سليماني قد وصل إلى مطار دمشق صباح الخميس. ولم يلتقِ أحداً في العاصمة السورية على الإطلاق، بل انتقل مباشرةً من الطائرة إلى سيارةٍ أقلّته إلى بيروت، حيث التقى بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
أضاف القائد في حزب الله، المُطّلع على المناقشات، في حديثه إلى ميدل إيست آي: «جلساً لساعات يُناقشان آخر التطوّرات في العراق، وخاصةً ما يتعلّق بالغارة الجوية الأمريكية التي ضربت «كتائب حزب الله» العراقية مؤخراً، والهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد قبل أيام».
أردف الرجل أن الهدف من المحادثات كان المساعدة في تنسيق عمل الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بالمنطقة، وتجهيزها لأيّ مواجهةٍ مع الولايات المتحدة.
قال أيضاً إن المحادثات عُقِدَت «لحل المشكلات القائمة بين بعض الفصائل، وخاصةً تلك المرتبطة بنصر الله».
وقد زار سليماني حسن نصرالله قبل وصوله للعراق ولم يستغرق سليماني وقتاً أكثر من اللازم في بيروت، وعاد إلى دمشق في الليلة ذاتها مستخدماً نفس التدابير.
في مطار دمشق، صعد سليماني على متن طائرة أجنحة الشام في رحلتها المتجهة إلى بغداد، بجوار الركاب العاديين. وكان من المفترض بالرحلة أن تنطلق في تمام الساعة 8:20 مساءً، لكنّها تأخّرت لسبب مجهول حتى الساعة الـ8:28 مساءً، بحسب البيانات العامة للشركة.
في الوقت ذاته تقريباً، تلقّى المهندس أنباءً تُفيد بأنّ صديقه قد يهبط في الأراضي العراقية قريباً. وأُعلِمَ القيادي البارز في الحشد الشعبي بوصول اللواء قبلها بفترةٍ وجيزة، ولم تتضمّن المعلومات سوى اسم شركة الطيران وموعد الوصول فقط.
يُعرف عن المهندس، أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في العراق وأهم رجال إيران في البلاد، تنقُّله حول بغداد بسيارةٍ مكشوفة عادةً. ولكن الوضع كان مختلفاً في هذه الليلة.
إذ استدعى بدلاً من ذلك محمد رضا، مساعده المقرب والمسؤول عن تشريفات الحشد الشعبي في المطار، وأمره بقيادة السيارة إلى بوابة المطار والاستعداد لوصول ضيفٍ مُهم.
يخضع مطار بغداد الدولي لتدابير أمنية مُشدّدة منذ عام 2003، ويُدير الأمن داخله شركة G4S البريطانية تحت إشراف أجهزة المخابرات والأمن القومي العراقية.
في حين أن قوات مكافحة الإرهاب العراقية هي المسؤولة عن تأمين مُحيط المطار، ومجاله الجوي، والطرق المؤدية إليه بالتعاون مع الولايات المتحدة.
تُلزِمُ التدابير الأمنية الركاب العاديين بالمرور عبر عدة حواجز أمنية مُنتشرة على طريقٍ بطول 10 كم، أثناء دخولهم وخروجهم، يمتد من ميدان عباس بن فرناس وحتى آخر نقطة يُمكن للسيارات الشخصية بلوغها، حيث تقع صالات المغادرة.
بالنسبة للمسافرين والمسؤولين الذين يتنقّلون مع حاشيتهم؛ فيُسمح لهم بالعبور من طريق كبار الزوار، والذي لا يتطلّب سوى إعلام الحاجز الأمني بهوية المسافرين وتفاصيل السيارة ورقم لوحتها.
أيّ معلوماتٍ تصل إلى ذلك الحاجز الأمني؛ تجري مشاركتها على الفور مع أمن المطار والأمن القومي، والمخابرات، وشركة G4S بالطبع.
كما أخبر مصدرٌ أمريكي على اطلاعٍ بآخر التطوُّرات Middle East Eye، فقد تلقَّى الأمريكيون معلوماتٍ تفيد بأن سليماني كان في طريقه إلى بغداد، وأن المهندس كان ليستقبله في المطار ويصطحبه إلى منزله في المنطقة الخضراء شديدة التحصين.
أكد ثلاثة مسؤولين أمنيين عراقيين والعديد من قادة الحشد الشعبي هذه الخطة.
وقد استغرقت رحلة سليماني من دمشق للعراق ساعة وخمس دقائق
استغرقت الرحلة من دمشق إلى بغداد ساعةً وخمس دقائق، وفقاً للمعلومات العامة التي توفِّرها شركة أجنحة الشام للطيران. وهَبَطَت الطائرة الساعة 12:32، بعد منتصف الليل، بتوقيت بغداد.
لم يُترَك سليماني ومُرافِقيه الاثنان، وأحدهما كان صهره، في الانتظار، إذ حرص المهندس والوفد المرافق له على الانطلاق سريعاً وألا يجعلوا ذلك اللقاء أكثر انكشافاً. وتعامَلَ مسؤولو الأمن الوطني مع وثائق السفر الخاصة بسليماني ومُرافِقيه، وأخذوا حقائبهم.
لم تكن الحافلة الصغيرة من طراز هيونداي ستاركز، والسيارة من تويوتا أفالون، قد ابتعدتا كثيراً قبل أن تهز الانفجارات الثلاثة الحدود الغربية لبغداد.
وفقاً لتقريرٍ من الأمن الوطني اطَّلَع عليه موقع Middle East Eye، فقد ضربت الانفجارات مطار بغداد في الساعة 1:45 صباحاً، وخلُصَت تحقيقاتٌ أوَّلية إلى أن ثلاثة صواريخ مُوجَّهة قد أُطلِقَت على العربتين.
كانت حافلة هيونداي ستاركز الصغيرة، التي كانت تفصلها 100 أو 120 متراً عن العربة الأخرى، هي التي ضُرِبَت أولاً بصاورخٍ واحد.
أخطأ صاروخٌ ثانٍ سيارة التويوتا، التي حاولت الإسراع، لكن صاروخاً ثالثاً أصابها.
استغرقت السلطات العراقية ساعاتٍ عديدة لتحديد هوية الضحايا، الذين أُحرِقَ بعضهم تماماً.
قال مسؤولون أمنيون لـ Middle East Eye إنه مع ذلك كان من السهل تحديد سليماني، بفضل الخاتم المُمَيَّز الكبير ذي الحجر الأحمر الغامق، الذي ارتداه سليماني في يده اليسرى.