المخا.. من منطقة تهريب لصالح إلى مسرح لمليشيا طارق!

محرر 24 يناير 2020
المخا.. من منطقة تهريب لصالح إلى مسرح لمليشيا طارق!
محمد اللطيفي
محمد اللطيفي

بقلم - محمد اللطيفي

بنفس عقلية عمه صالح، يتعامل طارق صالح مع المناطق التي اغتصبتها الإمارات وسلمتها له على طبق من دم، على أنها ملكيته، وهي المناطق الممتدة على طول الساحل الغربي، والتي تشمل المخا والخوخة حتى باب المندب، وتتبع إداريا محافظة تعز.

كان علي صالح الذي حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، يدير اليمن كلها على أنها مجموعة قطاعات استثمارية تابعة له، وظل يظهر نفسه للعالم كرئيس لبلد عظيم كاليمن، لكنه في المخا كان يجد ذاته الحقيقية كقاطع طريق، اتخذ منها منطقة للبضائع المهربة، وقام بتحويل الميناء إلى ممر لتجارة المخدرات والإتجار بالبشر وبيع كل شيء ممنوع، بعد أن كان تاريخياً محطة لتجارة البخور للعالم، وتؤكد روايات متعددة وتقارير مختلفة كيف بقت المخا ومينائها طوال عهد صالح، مجرد منطقة حاويات لممارسة عقدة النقص التي كانت تسكن نفسيته، ووقف كحجر عثرة أمام تطوير ميناء المخا إلى مركز دولي للملاحة، والذي كان يمكن أن يطور من وضع تعز، المحافظة التي كانت سبباً رئيسياً لصعود صالح إلى سلطة الجمهورية العربية اليمنية.

عندما خٌلع صالح من السلطة تحت ضغط ثورة فبراير وبموجب مبادرة خليجية، سلّم منطقة التهريب الخاصة بها (المخا) إلى مليشيا الحوثي، كانتقام من تعز التي كانت الركيزة الأساسية في سقوطه من السلطة، وعندما استولى الحوثي على المخا، بدعم ومساندة قوات طارق صالح، حولها إلى مركز إمداد عسكري لمحاصرة مدينة تعز، وحماية تواجده في الحديدة وعلى طول الساحل الغربي، وتعاملت مليشيا الحوثي مع المخا بنفس عقلية صالح، كمنطقة فيد مالي، ومكان للإتجار بالأفارقة، والتجنيد الإجباري بأطفال وشباب المناطق الساحلية في صفوف حربها ضد الشرعية والتحالف.

وفي تعاملها مع المخا لم تختلف عقلية التحالف السعودي الإماراتي عن صالح والحوثي، فلا أحد يرى المخا منطقة اقتصادية تابعة لكيان الدولة، لقد تعمد التحالف تأخير عملية تحرير المخا والمناطق المحيطة بالساحل الغربي إلى فبراير (2017)، رغم أنه حرر عدن في يوليو (2015)، لقد كان الهدف استبدال المستأجر بآخر، والمليشيا بأخرى، ومع أن الهدف المعلن من عملية السيطرة على المخا هو تحريرها من مليشيا الحوثي والقوات الموالية لصالح؛ وفق التصريحات الإعلامية حينها من قوات التحالف، إلا أن المدينة بعد تحريرها تم منع تسليمها سياسياً و إدارياً وعسكرياً للحكومة الشرعية.

لقد ظلت المخا من فبراير (2017) حتى أبريل (2018) تحت عهدة الإمارات، التي خططت خلال هذه الفترة لنسج مخطط مليشيا خاصة بها، ووجدت ضالتها في طارق صالح، حيث استثمرت مقتل عمه على يد الحوثي في ديسمبر (2017)، لتوكل إليه مهمة تشكيل القوات التي ستتولى مهمة حماية احتلالها للمخا، وكانت المفارقة المؤلمة لليمنين عامة وأبناء تعز بشكل خاص، أن طارق الذي سلم المخا لمليشيا الحوثي بعيد انقلابها، يعود إليها بدبابات الإمارات، لتتكرر فيها مسرحيات الاستلام والتسليم من صالح للحوثي ومن الحوثي للإمارات ومنها لطارق.

وبنفس عقلية عمه، يريد طارق أن يحكم المخا والمناطق التي تجاورها، عقلية النهب والفيد وانتحال صفة الجمهورية، الرجل الذي سلّم الجمهورية بكلها لمليشيا الحوثي، يريد إقناع اليمنيين بأنه أتى للمخا ليعيد الجمهورية من خلالها، وفي لغة عجيبة ومنطق أعوج، يقدم نفسه كبطل وهمي لمعركة لا تخصه، فلأول مرة في تاريخ الحركات المليشاويه، يدعي قائد مليشيا أتى على ظهر دبابات دولة تصنف كعدوة لليمن، أنه في مهمة تحرير اليمن من مليشيا الحوثي، نحن أمام حالة لم تشهد اليمن مثلها، مليشيا تحارب مليشيا وتريد في الوقت ذاته اعتراف الشرعية بها والتصفيق لبطولاتها، وهي لا تعترف بالشرعية من الأساس.

ليس طارق صالح سوى مجرد بيدق في مخطط الإمارات، التي تريد صياغة أحلامها التوسعية في بلد منهك بالحرب والجوع والصراع، وجزء من هذا المخطط فصل مدينة تعز عن محيطها المائي، وجعلها منقطعة سياسيا عن عدن، في مسار تلتقي فيه قوات طارق مع كتائب أبو العباس، الذراع العسكري للإمارات.

المخطط أصبح واضحاً، ودلائله كثيرة، ووقائعه تؤكد تلك الدلائل، لكن البعض داخل الشرعية يريد منا وضع رؤوسنا في رمال الوهم الكاذب، والتعلق بحبال وعود الرياض الخادعة، والتي تصب كلها لصالح تبييض جرائم الإمارات، وتمكين ميليشياتها في تعز كما مكنتها في عدن، وفي هذا الإطار يحوم الشك حول الطريقة التي يدير بها محافظ تعز نبيل شمسان تعامله مع مديرية المخا، فقد قام بتعيين عبدالرحيم الفتيح، الشخص المعروف بموالاته لعائلة صالح وبمواقف سابقة داعمة لمليشيا الحوثي، وقد أكد ذلك ظهوره إلى جانب المليشياوي طارق صالح في المخا، في حفل افتتاح مشروع سكني يحمل اسم ذكرى مقتل صالح.

كيف يشارك موظف في الدولة حفل متمرد على الشرعية وموالي للإمارات المصنفة كعدوة للشرعية؟! بمنطق الدولة ما يقوم به المدير الجديد المعين لمديرية المخا، خيانة للوظيفة العامة، وبمنطق الدولة أيضا، فإن الرعاية التي يقدمها المحافظ لذلك الموظف الحكومي تعد مشاركة في تلك الخيانة، هذه مشكلة خطيرة، تتمثل في تكرار مسؤولي الشرعية نفس الأخطاء التي تمت في عدن وبعض المحافظات، حيث يتم تعيين مدراء أمن ومديريات ومحافظين موالين للمليشيات، أو متماهين معها أو مع داعميها، وإذا لم يتم التعامل مع ما يجري في المخا ومناطق الساحل بحزم وسياسة دولة، فسوف نشهد في الأيام القادمة اتفاقاً آخر ترعاه الرياض، يضفي الحماية السياسية على مليشيا طارق، ويجعل من الشرعية مجرد هامش على متن المليشيات، تتباكى على اللبن المسكوب، والمال المنهوب، والمدن المتساقطة، والاتفاقات الملغمة.
*”المصدر أونلاين”

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق