يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي، مأزقاً مركباً، في ظل تعثر تنفيذ اتفاق الرياض، المبرم بينه وبين الحكومة الشرعية برعاية السعودية، في نوفمبر الماضي، وذلك إلى جانب جملة من التحولات، تجعل من مشروع تقسيم البلاد جنوباً وشمالاً، أبعد من ذي من قبل، كما يواجه صعوبات في محاولة التمسك بسيطرته على عدن كسلطة أمر واقع.
مصادر سياسية قريبة من الانتقالي كشفت عن بروز تباينات حادة في صفوف قياداته، في الأسابيع الأخيرة، كمحصلة لسلسلة من التحولات السياسية والميدانية، جنوباً، أبرزها ما يتصل بالموقف من اتفاق الرياض، الذي وضع الانتقالي أمام امتحان الوفاء بالالتزامات التي يقتضيها؛ إذ سعى المجلس إلى التمسك بسيطرته على عدن كسلطة أمر واقع، ووضع العقبات في طريق اللجنة العسكرية والأمنية المعنية بمتابعة تنفيذ الاتفاق على الأرض، الأمر الذي ألقى بظلاله على الشق السياسي منه، والمتصل بتشكيل حكومة جديدة، باتت هي الأخرى مرهونة بالتقدم على الأرض.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن التباينات في أوساط الانتقالي، تبرز بين قيادات ترى أنّ التزام الاتفاق وما يقتضيه، مسألة حتمية من شأن التنصل منها أن يضع المجلس في مواجهة مع السعوديين، الذين يشددون على التزامهم دعم “الشرعية” وعلى أهمية تنفيذ الاتفاق، وبين قيادات أخرى ترى أن اتفاق الرياض يناقض ما تحقق من خطوات على طريق “استعادة الدولة الجنوبية”، وضد مختلف الشعارات التي تبناها المجلس الانتقالي منذ تأسيسه.
وسعى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، في السياق ذاته، إلى التأكيد أنّ اتفاق الرياض مثّل تطوراً نوعياً في طريق “استعادة الدولة”، وأنّ المجلس حقق انتصارات على صعيد الاعتراف الدولي به، سواء في ثنايا الاتفاق، أو في ما يتصل بمجمل اللقاءات الدبلوماسية والزيارات الخارجية التي أجرتها قياداته.
لكن وزير الخارجية في الحكومة الشرعية، محمد الحضرمي، قال في تصريحات سابقة، إن اتفاق الرياض لم يأتِ لتغيير شكل الدولة أو تغذية أي مشاريع تشطيرية، بل أتى للحفاظ عليها وعلى أمنها واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها. ولفت الحضرمي إلى أن اتفاق الرياض ليس منصة عبور، بل هو خطوة هامة لاستعادة الدولة اليمنية.
إلى ذلك وعدت السعودية الرئيس هادي بإنجاز الشقين، الأمني والعسكري، من اتفاق الرياض المتعثر، قبل الحديث ومناقشة الملف السياسي، بحسب المصادر، التي أوضحت أن هادي وجّه الجانب الحكومي بعدم مناقشة الشق السياسي في الاتفاق، لحين الانتهاء من الشقين العسكري والأمني، تحت مبرر رفضه القفز على البنود أو الانتقاء في التنفيذ، الأمر الذي اعتبره مراقبون توجهاً سعودياً للحسم العسكري ضد المجلس الانتقالي.
وتؤكد حكومة هادي، وعبر الكثير من مسؤوليها، أن بقاء المجلس الانتقالي مرهون بتنفيذ بنود اتفاق الرياض، وهو الأمر الذي أثار استياءً واسعاً في صفوف الانتقالي، ووصفه البعض بأنه ضمن مساعي الحكومة الساعية لعرقلة الاتفاق.
غير أن رئيس ملف المفاوضات في الانتقالي، ناصر الخبجي، هدد باستخدام القوة ضد الحكومة، مؤكداً أن ما لم يتم نيله بالسياسة سيتم بالقوة، وأن قوات الجنوب لا تزال متواجدة على أرضه.
سياسياً مثلت اللقاءات الجنوبية المتواصلة في الخارج، الساعية لإيجاد ممثل جنوبي توافقي، ضربة موجعة للمجلس الانتقالي، الذي يقدم نفسه أنه الممثل الحصري للجنوب وقضيته.
حيث التقى حيدر أبوبكر العطاس، والقيادي في الحراك الجنوبي عبد الكريم سالم السعدي، في العاصمة المصرية القاهرة، لمناقشة التطورات على الساحة الجنوبية، بحسب المصادر التي أكدت اتفاق تلك القيادات على ضرورة توحيد الجهود للوصول إلى توافق جنوبي، لما يشكله من أهمية كشرط أساسي يقنع المجتمع الدولي بالتعاطي الإيجابي مع الجنوب وقضيته.
كما مثّل اجتماع بروكسل، الذي نظمه “المعهد الأوروبي للسلام” قبل أيام، واستضاف العديد من الشخصيات الجنوبية، ضربة أخرى لحلفاء أبو ظبي، وأظهر الاجتماع تناقضاً بين خطاب المجلس، الذي يقول إنه نجح في إقناع العالم بالتعامل معه كممثل للجنوب، وبين غيابه عن لقاء على هذا النحو، ما ينفي عنه صفة الممثل الحصري للجنوب.
وعلى صعيد ما اعترى المجلس الانتقالي من تفكك داخلي؛ يقول عبد العزيز قاسم، القيادي بالحراك الجنوبي، إن تقديم أعداد من أعضاء الانتقالي استقالاتهم كان متوقعاً منذ وقت مبكر، وقد تعصف بالمجلس وتصيبه بالشلل في حال تضاعفت الأرقام، موضحا أن المجلس منذ تأسيسه شكل حاضنة لعناصر وقوى متصارعة، تحمل أيديولوجيات وأجندات مختلفة ومتناقضة، مما جعل عملية اختراق صفوفه سهلة.
في السياق، تأتي التحولات التي شهدتها محافظة شبوة، في الأشهر الأخيرة، وإحكام قوات الشرعية سيطرتها الكاملة على مديرياتها، كعامل محوري، في ما وصل إليه المجلس. فبعد أن كان يركّز خطابه على الحديث عن حشد مليشياته للزحف باتجاه وادي حضرموت، الخاضع لسيطرة قوات الشرعية، تحول إلى موقع المدافع، بحشدها إلى أبين، البوابة الشرقية لعدن، في محاولة لمنع قوات الشرعية من التقدم باتجاه الأخيرة.
إلى ذلك، فإنّ مجمل التطورات، بما في ذلك الالتزامات التي قطعها المجلس في اتفاق الرياض، وصولاً إلى الوضع الذي فرضته تغيّرات السيطرة على الأرض، بمحافظة شبوة على نحو خاص، وجعلت من نفوذ المجلس محصوراً في عدن ومحيطها، كلها تجعله في مأزق إضافي، أمام رغبة التحول إلى سلطة أمر واقع في عدن. إذ إن ذلك يضعه في موقف صعب أمام الجانب السعودي الراعي للاتفاق، والذي بدأ يتجه إلى تقويض المجلس، ويفتح الباب على مزيد من الانشقاقات والتفكك.