بقلم - عادل الحسني
عند بقائي في سجون الإمارات المظلمة في عدن، تعرفت هناك – كغيري من المساجين – على فكاهة السجن وشيبة العساكر الإماراتيين واسمه أبو ناصر، يبلغ من العمر ٧٥ عام حسب قوله، وكل المساجين لهم قصص وقصص مع بو ناصر، فهو يحب المزاح الثقيل والذي بعض المساجين يتماشى معه فيه ويجاريه ليكسب من وراء ذلك المزاح كيسًا من الرغيف أو شيئًا من التمر.
حقيقةً كان كل المساجين يفرح عندما يأتي وقت نوبة أبو ناصر؛ وذلك لسبب واحد وهو أنه قبل المجيء إلينا يمر على المطبخ فيجمع ما تبقى من الخبز ويقوم بتوزيعه علينا، مع أن بعضه قد مضى عليه وقت حتى أصبح يابسًا، وكنّا نأكله مع الماء، وبالرغم من بساطة الأكل إلا أن فرحة المساجين لا توصف به مع الجوع الشديد المتعمد منهم علينا.
أبو ناصر من سلبياته أنه لا يصلي أبدًا ويضرب الحشيش بشكل يجعلك تشفق عليه. كان يتردد على الزنزانة التي كنت فيها ليس لأجل الجلوس معي ولكنه انسجم مع شاب مزارع من أبناء لحج نظرا لأن أبو ناصر معه مزرعة، وأكثر كلامهم في ذلك. تلك الجلسات كانت تتم في السجن الذي أسميناه ” سجن السيب” وهو عبارة عن شبوك فقط، والعسكري يأتي بالكرسي من وراء الشبك ويجلس أمامك، ولكن فيما بعد تم تحويلنا إلى الكونتيرات ولم نعد نراهم ولا يرونا إلا من ثقوب الحديد.
الشاهد، كنت أحيانًا أدخل معهم بالكلام وأسترق منه أشياء أريدها مع أن العسكر ممنوعين من الكلام معي من ضباط المخابرات. سألت أبو ناصر مرة من المرات عن كفاحه في السلك العسكري أين قضاه، فكانت الإجابة منه بكل فخر..
أبو ناصر: ذهبت للشيشان وبقيت هناك مع الكتيبة الخاصة بنا هناك، وكنت سائق دبابة وبقيت في ذلك سنين
قلت له مشجعاً: ما شاء الله تقاتل مع الشيشان تلك الأيام ضد الروس.
قال: لا، الكتيبة كانت تساند الروس هناك ضمن دعم وإسناد من جيشنا الإماراتي
قلت في نفسي: ما شاء الله والمساندة مع الروس ضد المسلمين، ثم من متى الدب الروسي محتاج لجيشكم الكرتوني!
المهم قلت له: بعد ذلك إلى أين ذهبت؟
قال: عدت خدمة إجبارية في البلد، ثم ذهبت ضمن كتيبة الحماية الصحية في أفغانستان تابعين للهلال الأحمر الإماراتي
قلت له: وين بالضبط؟
قال: في قندهار مع الأمريكيين، عملنا مرتبط بهم
قال: لكنهم شعب أهوج لا يعرفون مصلحتهمـ و إلا قدهم عايشين بنعمة
قلت له: كيف؟!
قال: والله لا يمر علينا يوم إلا ويستهدفونا ويستهدفون مقراتنا بالهاون، وكلهم جن حتى الأطفال إذا مررنا بجانبهم لا نمر إلا في سيارات مصفحة، كانوا يفعلون إشارات بأيديهم من السب والشتيمة
قلت له: كم بقيت هناك؟
قال: ٣ سنين، لكن تجرعت فيها الموت، وهذا الشيب الذي أمامك كله قرح هناك
قلت في نفسي: يا عساكر الإندومي، من ودف بكم تروحون تخدمون في أفغانستان.
والآن انتهى المطاف بأبو ناصر عسكري في اليمن، يذهب بالمساجين للحمام ويعود بهم، ولكن إحسانه معنا في جلب الرغيف اليابس لن ننساه،
فلك أن تتصور أخي الحبيب يا من تقرأ سطوري وما بين السطور، من هو محمد بن زايد وجيشه ومع من يخدم، و لأجل من يقاتل لتعلم أن معركتنا معهم معركة حق وباطل وخير وشر ونور وظلام،، ولن نتراجع عن فضحهم وصد مشروعهم حتى ينصرنا الله عليهم أو نموت في هذا الطريق، وسيأتي بعدنا من يواصل الطريق حتى ينجلي الحق.