إنها جريمة ضد الإنسانية، هكذا وصف غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، هجمات قوات حفتر ضد المنشآت الصحية بطرابلس.
وقال سلامة، الخميس الماضي 15 أغسطس/آب 2019، إن الهجمات غير المبررة على المنشآت الصحية والعاملين بالمجال الطبّي في المعركة الوحشية التي تستهدف السيطرة على طرابلس ترقى إلى كونها جرائم حرب.
ويقود الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الهجوم على طرابلس، في مسعى لإسقاط حكومة الوفاق التي تعترف بها الأمم المتحدة.
وجاءت تعليقات غسان سلامة -التي تصف الهجمات التي تشهدها العاصمة الليبية بأنها «قاسية» و «بلا رحمة»- بعد يوم واحد من شنِّ غارتين جويّتين دقيقتين استهدفتا مستشفى ميدانياً في بلدة العزيزية بطرابلس، مما أسفر عن إصابة أربعة من أفراد الطاقم الطبّي على الأقل، وفقاً لما ذكرته الأمم المتحدة.
وتأتي تلك الهجمات بعد هدنة مؤقتة استمرّت ثلاثة أيّام خلال عطلة عيد الأضحى، إلَّا أنها انتهت على ما يبدو، يوم الثلاثاء 13 أغسطس/آب 2019، باستئناف الاشتباكات والغارات الجوية في أنحاء العاصمة، حسبما ورد في تقرير صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وتقول الأمم المتّحدة إنه منذ ارتفاع وتيرة أعمال العنف التي شهدتها ليبيا، في مطلع أبريل/نيسان، استهدف أكثر من 37 هجوماً العاملين الصحيين والمرافق الطبية، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
وتعرَّضت ما لا يقل عن 19 سيارة إسعاف و19 مستشفى لقصف مدفعي أو جوي، مما أسفر عن مقتل 11 وإصابة أكثر من 33 شخصاً. وقالت الأمم المتحدة إن العدد الفعلي قد يكون «أعلى بكثير» .
وقال سلامة في بيان، يوم الخميس الماضي «إن استهداف العاملين الصحيين والمرافق الصحية وسيارات الإسعاف هو جريمة حرب، وحين يُرتكب هذا كجزء من هجمات واسعة النطاق أو منهجية موجهة ضد أي سكان مدنيين، فإنه قد يشكل جريمة ضد الإنسانية» .
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحذر فيها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا من الهجمات على العاملين في مجال الرعاية الصحية؛ ففي 29 يوليو/تموز، أعلن سلامة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن كلا الجانبين «يتجاهل نداءات وقف التصعيد» .
ودعا حينها أيضاً إلى فرض عقوبات على أي شخص يهاجم المدنيين والعاملين في المجال الإنساني.
وقال: «لا ينبغي أن يسود الإفلات من العقاب، خاصة مع أولئك الذين يهاجمون المستشفيات وسيارات الإسعاف».
وجاءت تلك التعليقات بعد يوم واحد من غارة جوية استهدفت مستشفى ميدانياً في حي الزاوية في طرابلس، مما أسفر عن مقتل خمسة من أفراد الطاقم الطبّي. وقبل أسبوع من تلك التصريحات، قُصِف مستشفى ميداني في بلدة السواني، مما أدى إلى إصابة ثلاثة أفراد. وكان هذا هو الهجوم الثالث على تلك المنشأة، منذ أبريل/نيسان.
وقال حسين حسن، منسق الطوارئ في ليبيا لدى منظمة الصحة العالمية: «أولئك العاملون الصحيون يخاطرون بحياتهم على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، في عمليات انتشال الجثث وعلاج حالات الجرحى، دون التمييز بين المدنيين والعسكريين. لا يوجد احترام للقانون الدولي الإنساني أو المبادئ الإنسانية» .
تأتي الاعتداءات المتزايدة على نظام الرعاية الصحية في الوقت الذي امتدّت فيه الحرب الناشبة بين الميليشيات الموالية للحكومة والجنرال خليفة خليفة حفتر، إلى خارج العاصمة الليبية في الأسابيع الأخيرة.
ففي أواخر الشهر الماضي، شنَّت الحكومة غارة جوية على قاعدة حفتر الجوية الرئيسية في وسط ليبيا، ودفع ذلك قوات حفتر إلى شنِّ غارات جوية على مدينة مصراتة، الواقعة على بُعد 130 ميلاً (نحو 209 كيلومترات) شرق طرابلس، والتي طالما حاربت ميليشياتها ضده، وفي وقت سابق من هذا الشهر، أسفرت غارة جوية شنَّها حفتر على بلدة جنوبية عن مقتل 43 شخصاً على الأقل.
وتلقي حكومة طرابلس، التي دعمتها الأمم المتحدة في عام 2016، باللوم على قوات حفتر فيما يتعلّق بالهجمات على البنية التحتية الطبية.
ووجَّه غسّان سلامة، يوم الخميس 15 أغسطس/آب 2019، كذلك اللوم إلى من يطلقون على أنفسهم «قوّات الجيش الوطني الليبي» بقيادة حفتر في الغارتين الجويتين اللتين وقعتا الشهر الماضي.
وهو موقف غير عادي، بالنظر إلى اعتياد الأمم المتحدة الميل نحو الحياد أثناء النزاعات.
وتعهد سلامة مرة أخرى بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات، وقال: «لن نقف مكتوفي الأيدي، بينما نشاهد الأطباء والمسعفين يُستهدفون يومياً وهم يُخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين، ولن ندخر أي جهد لضمان مثول المسؤولين عن ذلك أمام العدالة» .
ولم يرد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، على المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية التي سعت للحصول على تعليق.
كل سيارات الإسعاف ذات اللونين الأحمر والأبيض تحمل علامات واضحة، وتساعد المقاتلين على الجانبين والمدنيين، حسبما يقول مسؤولو الصحة في الأمم المتحدة والحكومة.
لكن العشرات من الميليشيات التابعة لفصائل متعددة يُسيطرون على الخطوط الأمامية للقتال مع الافتقار للتنسيق.
وقال حسن، مسؤول منظمة الصحة العالمية: «هناك العديد من المقاتلين والمصالح والأيديولوجيات المتنافسة في كل مجموعة، ولست متأكداً من وجود سلسلة قيادة كاملة، ومطالباتنا لا تُحترَم. إن هذا جزء من مشكلة مزمنة في هذا البلد الذي تنصّب فيه الجماعات المسلحة مصالحها الذاتية كأولوية على حساب أرواح المدنيين، من أجل استعراض القوة» .
ولطالما كان الأمر على ما هو عليه منذ أن شنّ حفتر -القائد العسكري الذي يحمل الجنسيتين الليبية والأمريكية وقد عاش لسنوات في شمال فرجينيا- هجومه على طرابلس، في أوائل أبريل/نيسان، الأمر الذي أدّى إلى غرق العاصمة في أسوأ دائرة من سفك الدماء، منذ أن اندلعت ثورات الربيع العربي في عام 2011، وأسقط تدخّل حلف شمال الأطلسي الديكتاتور معمر القذافي.
ولطالما كان الأمر على ما هو عليه منذ أن شنّ حفتر -القائد العسكري الذي يحمل الجنسيتين الليبية والأمريكية وقد عاش لسنوات في شمال فرجينيا- هجومه على طرابلس، في أوائل أبريل/نيسان، الأمر الذي أدّى إلى غرق العاصمة في أسوأ دائرة من سفك الدماء، منذ أن اندلعت ثورات الربيع العربي في عام 2011، وأسقط تدخّل حلف شمال الأطلسي الديكتاتور معمر القذافي.
واحتشدت الميليشيات الموالية للحكومة للدفاع عن العاصمة، مما أدى إلى المأزق العسكري الموجود اليوم. لكن ساحات الحرب حول العاصمة مازالت تتمخّض عن ضحايا، فقد قُتل أكثر من 1100 من بينهم أكثر من 100 مدني.
يعتمد معظم الجرحى، الذين يبلغ عددهم الآن أكثر من 5800، بينهم أكثر من 300 مدني، على شبكة بدائية من المستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف للحصول على المساعدة. وهذا ينطبق على قرابة نصف مليون شخص من سكان طرابلس، ما زالوا يعيشون في الخطوط الأمامية للقتال أو بالقرب منها.
وأثناء رحلة لأداء مهام صحفيّة في شهر مايو/أيّار، قام صحفي ومصور في صحيفة Washington Post بزيارة مستشفى السواني الميداني، الذي تعرض حينها للهجوم مرتين. وهناك تذكّر الطبيب عبدالجابر رحلة في سيارة إسعاف قبل أسبوعين لإسعاف بعض الجرحى.
وقال الطبيب: بمجرّد الوصول إلى جبهة القتال، اندلعت الاشتباكات، وتعرَّضت سيارة الإسعاف من الجانبين لإطلاق الرصاص وقذائف الهاون.
سبق أن قُتل أكثر من 30 شخصاً في قصف شنَّه طيران حربي تابع لحفتر، استهدف مقراً لإيواء مهاجرين غير شرعيين بمنطقة تاجوراء شرقي طرابلس/الأناضول
ويقول عبدالجابر، الذي طلب عدم ذكر اسم عائلته لأسباب أمنية: إن أول قذيفة هاون سقطت بالقرب من سيارة الإسعاف، ثم سقطت واحدة أخرى، وحينها أدركوا أن سيارة الإسعاف تتعرض للهجوم. وقال إن إطلاق النار جاء من قوات حفتر.
واستدعى ما حدث قائلاً: فجأة، وقع انفجار، وتعرضنا للهجوم كما لو كنا هدفاً» .
بأعجوبة، أصيب هو ومسعف آخر بخدوش قليلة فحسب، لكن الانفجار مزق ساقي نصير داو، سائق سيّارة الإسعاف، إذ قطعت إصابته عظام ساقيه. ونُقِل داو لاحقاً إلى تركيا لإجراء عملية جراحية، وفي الأيام التي تلت ذلك، قُتل طالب طب في العشرينيات من عمره، كان قد ساعد نصير داو في إحدى الغارات التي شُنت على سيارة إسعاف.
وتظلّ أيام عبدالجابر محفوفة بالمخاطر مثلما كانت دائماً.
ويقول: «مازلت أفكّر في أننا سنكون مُستهدفين مجدداً، ولكن إذا أردت أن أؤدي واجبي فإنني إذاً بحاجة إلى نسيان ذلك» .