بقلم - محمد عايش
ليس في الجنوب سياسة ولا سياسيون. في الجنوب “شارع” يقود السياسيين، وليس العكس، ولذلك يخسر الجنوب دائما قضاياه، ولذلك أيضا يتحول الجنوب في كل مراحل التاريخ إلى مجرد محمية؛ إن لم يكن للبريطانيين فللشماللين وإن لم يكن للشماليين فللإماراتيين والسعوديين… وهكذا.
الشارع الجنوبي المتطرف هو من يقود سياسيي الجنوب.
وحين يقود الشارع سياسة مجتمعٍ ما فإنه يقودها، وهذا طبيعي جداً، إلى أقصى وأقسى الممارسات التصفوية المتطرفة، وذلك على النحو الذي نراه اليوم في عدن وغير عدن.
إنها مشكلة مزمنة، وأنا هنا، لا أذم ولا أشمت، بل أكتب توصيفاً لما أعتبره ظاهرة تاريخية.
القيادات الجنوبية( أقول القيادات ولا أقول كل الجنوبيين حتى لا أتهم بالتعميم)؛ تدير أمورها دائماً بالخفة، وتعتمد، في سبيل الانتصار لقضاياها والاحتفاظ بجماهريتيها، على الأداءات الغوغائية وردود الفعل الهوجاء، وهذا يظهرها بمظهر “الفتوات” و “أبطال الحارات” لا بمظهر القيادات السياسية المحنكة.
القوى السياسية في الشمال انتهازية مثلها مثل نظيرتها في الجنوب، ولكنها في الشمال تتحلى بحد أدنى من الحصافة السياسية بمايسمح لها بالصمود أطول والاحتيال على جماهيرها أكثر.
منذ خمسينات القرن الماضي ومعظم مشائخ القبائل في الشمال، ومثلهم معظم القيادات السياسية، يتعاملون مع السعودية والخليج ويقبضون منهم، لكننا لم نر شمالياً واحدا يرتدي عقالا ويذهب إلى الرياض أو دبي، كما يفعل عيدروس وبن بريك، وهذه رمزية، وإن بدت على مستوى الشكل صغيرة وعابرة، إلا أنها لا يمكن التقليل من دلالاتها العميقة بشأن الخفة التي أتحدث عنها هنا فيما يخص قيادات الجنوب.
العقال والشماغ ورمزيتهما، يتصلان مباشرة بظاهرة غياب “العقل السياسي” وسيادة “الخفة” و “الغوغائية” لدى القيادات والنخب الجنوبية.
ومن الدلالات الفادحة للخفة، التي تتجاوز الخفة السياسية الى العسكرية والأمنية، أن تكون هذه القيادات في حالة حرب ضروس مع الحوثيين ومع ذلك تقيم تجمعات عسكرية واحدة تلو الأخرى ليضربها الحوثي في مقتل؛ مرةً في المخا ومرة في العند ومرة في الجلاء وهكذا..
استهتار فظيع يجعل عصابة الخفة السياسية تدفع أثمانا فادحة، وحين تحاول أن تكون ذكية وتبحث في أسباب هذه الخسائر فإنها لا تجد سببا إلا أصحاب البسطات في عدن من ذوي الأصول الشمالية، فتذهب لمعاقبتهم والتنكيل بهم.
غياب العقل السياسي في الجنوب له آثار كارثية على كامل البلاد، ومن حيث المبدأ فإن الممارسات العصبوية الناتجة عن غياب هذا العقل تدفع إلى عصبويات مقابلة بالضرورة وهذا ليس في مصلحة الجنوب أولاً ذلك أن الإمارات والسعودية لن تظلا حاضرتين لحماية قيادات الحنوب الى نهاية التاريخ، وليس أيضا في مصلحة الشمال إذا اندفع في سياقاتٍ من رد الفعل ليتكتل خلف الحوثي او غيره لمواجهة ممارسات القيادات البائسة في الجنوب على أساس عصبوي مناطقي.
السياسة هي الحل يا مجلس الخواء الانتقالي.
جربوا السياسة مرةً، أو تعلموها، ولن تخسروا، أما لو احترمتم المواطنة المتساواية فإن ربحكم سيكون أكبر.