لم تكن الأحداث السياسية التي رافقت مسيرة الشيخ أحمد صالح العيسي وطبعت تجربته السياسية مماثلة لتجارب غيره من رجال الأعمال الذين خاضوا هذا المعترك، بل كانت فريدة ورائدة بالنظر الى الأجواء الغائمة والمضطربة التي شابت المشهد السياسي في اليمن في العهد الحديث، وبالنظر الى الطبيعة التي جبل عليها رجال الأعمال بالابتعاد قدر الإمكان عن اقتحام هذا المجال “الملغوم” الذي قد يفسد الكثير من الصفقات التجارية المربحة.
فرادة هذه التجربة تمثلت بحجم الإنجازات الجبارة التي تحققت لهذه الشخصية “الاستثنائية” التي تشربت منذ الصغر معاني الوطنية والقيم والمثل العليا، واستلهمت تاريخاً عريقاً كتبه السابقون من آل العيسي في مختلف الأحداث التي عاصروها، ليأتي هذا الشيخ ذو الحس السياسي الفذ بما لم تستطعه الأوائل، ويخط بيراعه تاريخاً مجيداً ومهيباً من الإنجازات الفارقة.
التعقيدات التي واجهت الشيخ العيسي طوال هذه المسيرة السياسية المظفرة كانت جمة للغاية، إذ لم تشهد اليمن طوال تاريخها السابق واللاحق ما شهدته من وقائع وأحداث خلال آخر ثلاثة عقود فقط: العديد من التحولات التاريخية والأحداث السياسية الكبرى، تخللها الكثير من الصراعات والحروب الدموية، جارفة معها عشرات الآلاف من اليمنيين الى المقابر.
حجم الخسائر كان مهولاً، كما كان حجم الإنجازات كذلك خلال الثلاثين سنة الماضية. ابتداءاً بالحدث الاعظم: تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990م، مروراً بحرب صيف 1994م (حرب الانفصال) وحروب صعدة الست، يليها أزمة سياسية كبرى أفضت الى ثورة شبابية في فبرير 2011م، أطاحت معها بنظام علي عبدالله صالح ونتج عنها توافق وطني توج بصعود الرئيس عبدربه منصور هادي الى السلطة في 2012، قبل أن يعصف بالبلاد انقلاب عسكري دموي قاده الحوثيون في سبتمبر 2014م، أعقبه تشكيل تحالف عروبي معلناً انطلاق عمليات عاصفة الحزم العسكرية لمساندة الشرعية وكسر الانقلاب في مارس 2015م.
وفي خضم هذا المعترك الأهلي الصارخ الذي يكشف حجم الأهوال التي عاشها اليمنيون – ولا يزالون – صعد من أقصى غرب اليمن نجم السهيل اليماني “الشيخ أحمد صالح العيسي”، كأحد أهم وأبرز الفاعلين والمؤثرين في المشهد السياسي.
-
الانتماء السياسي
يعد الشيخ أحمد العيسي أحد أبرز القيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو عضو في اللجنة الدائمة للحزب. كما تقلد عدة مناصب سياسية في فرع الحزب بمدينة الحديدة الساحلية.
المؤتمر الذي يعد أكبر الأحزاب السياسية اليمنية شعبية، والذي صار الحزب الحاكم للبلاد بالشراكة مع الحزب الاشتراكي اليمني عقب تحقيق الوحدة اليمنية مطلع تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يصبح الحزب الحاكم الأوحد عقب انتصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح في حرب صيف 1994م، عانى في الآونة الأخيرة من فترات تشظي كبرى.
ويعتبر الشيخ العيسي أحد الأصوات القليلة التي نادت بضرورة إصلاح الاختلالات التي تغلغلت في جسد الحزب وخاصة في الألفية الجديدة، إذ بدأ المؤتمر بالتمهيد لمشروع التوريث، الأمر الذي يتناقض مع مبادئ وأدبيات الحزب في ميثاقه الوطني.
غير أن الأحداث السياسية اللاحقة لم تسعف المصلحين، ليشهد بعدها المؤتمر هزات عنيفة للغاية ابتدأت بثورة الشباب، التي دفعت الكثير من قيادات الحزب وأعضائه لإعلان استقالاتهم تباعاً.
الانقلاب الحوثي الذي اجتاح العاصمة صنعاء قسم الحزب الى فصيلين، فصيل المؤتمر المؤيد للشرعية، وهو الذي اختار الشيخ العيسي الانضواء فيه رفضاً للانقلاب الحوثي ودعماً لمشروع الدولة والجمهورية، وفصيل آخر متحالف مع مليشيا الكهنوت الإمامي، قبل أن يزداد الانقسام ويتعمق عقب مقتل الرئيس السابق صالح على أيدي حلفائه الحوثيين في ديسمبر 2014م، فنتج فصيل ثالث عرف بمؤتمر الشتات، وتتواجد أغلب قياداته في العاصمة المصرية القاهرة.
-
العيسي والموقف المساند للرئيس هادي والشرعية
لعل من أبرز وأهم مميزات التجربة السياسية للشيخ أحمد العيسي المحطات النضالية الناصعة البياض والمواقف السياسية الوطنية التي طبعت مسيرة الشيخ منذ بدايات نشاطه السياسي كقائد ملهم في “المؤتمر”.
غير أن أبرز تلك المحطات تتمثل في الوقوف الصادق في صف الخيار الوطني، صف الرئيس الشرعي للبلاد، عبدربه منصور هادي، وحكومة الشرعية، ضد كافة الأعداء في الشمال أو في الجنوب وضد كل المشاريع التقزمية.
وفي الوقت الذي كثر فيه المتقافزون والفارون من سفينة الشرعية والوطن في أشد لحظاتها ضعفاً وبؤساً، بعد أن تعرضت لجملة من الخيانات من قبل الكثيرين في الداخل والخارج، بقي الشيخ وثبت في ولاء راسخ رسوخ الجبال في صف الرئيس هادي، متحملاً تبعات ذلك القرار الصعب، والذي ما كان لغيره أن يتخذه.
ويمكننا تخيل كيف أنه يبدو من المستحيل لرجل أعمال وتاجر لديه شركات وممتلكات وامتيازات تقدر بمليارات الريالات واقعة تحت سلطة الحوثيين، أن يقرر التضحية بكل ذلك في سبيل الوطن، غير أن الشيخ العيسي فعلها، فهو وحده من بين كل الساسة ورجال الأعمال القادرين على تقديم مثل هذه التضحيات الجسيمة، وهو موقف سيكتبه التاريخ بحبر من ذهب، في أنصع صفحات البطولة والفداء.
هب الشيخ العيسي بماله وصلاته وعلاقاته داعماً ومسانداً للرئيس في أحلك الظروف التي مر بها إبان اجتياح الحوثيين صنعاء ووضعه تحت الإقامة الجبرية، واستطاع بحنكته ودهائه فك الحصار الكهنوتي المفروض على الرئيس هادي، وإخراجه من صنعاء اولاً، ثم من عدن وصولاً الى دولة عمان شرقي البلاد، في واحدة من أهم المحطات السياسية من تاريخ اليمن الحديث.
الخروج المظفر للرئيس هادي من المخطط التآمري الذي كان قد حيك ضده في كل من صنعاء، وتمكنه من الوصول الى العاصمة السعودية الرياض، تكلل بالإعلان عن انطلاق عمليات عاصفة الحزم العروبية عشية وصوله في 26 مارس 2015م.
ولهذا فإن الشيخ العيسي ساهم بشكل كبير في الوصول الى هذه اللحظة الفارقة.
وفي الرياض كان الشيخ العيسي بمثابة الذراع اليمنى للرئيس هادي، وقوته الضاربة في وجه كل المتآمرين، باذلاً في سبيل دعم الدولة والحكومة ما لم يقدمه أحد غيره، خاصة بعد تحرير العديد من المدن جنوب البلاد من الحوثيين، وعودة أجهزة الدولة لمباشرة العمل فيها.
ولهذا فلم يتوان الرئيس هادي عن إصدار قرار جمهوري قضى بتعيين الشيخ العيسي نائباً لمدير مكتب الرئيس، لإدراكه أن “خير من استأجرت القوي الأمين”.
كما لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه الشيخ العيسي لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وأهمها الدولة الاتحادية اليمنية، وهو ما تسبب بشكل كبير بتكالب الأعداء والمتآمرين للتخلص من “الرجل القوي” في منظومة الرئيس هادي والشرعية.
وتكمن أهمية هذا الموقف من أهمية الشخصية الفاعلة والمؤثرة التي اتخذته، لما يشكله الشيخ العيسي من ثقل سياسي له وزنه ومكانته الرفيعة في الدولة وكذا في الخارج، ولكون هذا الدعم سيعيق كل مشاريع الانفصال التي تقودها أطراف خارجية وتنفذها مليشيات محلية مرتزقة.
كما يعد الشيخ العيسي موضع إجماع وطني، حيث تربطه علاقات متميزه بكافة ألوان الطيف السياسي اليمني، وهو ما يبرز من تصريحات مختلف قادة الاحزاب حول الدور الذي قام به الشيخ لتوفيق الخلافات البينية بينها، ورص الصفوف للتوحد ضد كل المتكالبين على هذا الوطن.
وهنا يبرز الموقف البطولي للشيخ العيسي في الفترة التي سبقت انعقاد مجلس النواب اليمني في سيئون في ابريل الماضي، إذ قاد بنفسه مهمة التوفيق والتنسيق بين مختلف التكتلات البرلمانية التي كادت أن تغرق في خلافات حزبية ضيقة، وكاد يغرق معها أمل اليمنيين بانعقاد مجلس ممثلي الشعب. غير أن التحركات المكوكية للشيخ والإصرار والتفاني اللامحدود في حلحلة كافة الخلافات البينية آتت أكلها، وأنجزت وعدها وتحقق الانتصار المثير بتوافد البرلمانيين الى سيئون وعقد أول جلسة لمجلس النواب منذ الانقلاب الحوثي، وبالأغلبية الساحقة.
-
الشيخ العيسي.. عرّاب الائتلاف الوطني الجنوبي
في السابع والعشرين من ابريل الماضي أعلن من قلب العاصمة اليمنية المؤقتة عدن إشهار الائتلاف الوطني الجنوبي. لم يكن ذلك حدثاً عادياً على الإطلاق، بل شكل لحظة فارقة ومحورية في نضال اليمنيين لتصحيح المسار المعوج ومواجهة الأطماع الإماراتية الرامية نحو تشظي البلاد، كما شكل عودة تاريخية للمسار الصحيح بالنسبة للقضية الجنوبية التي فقدت بوصلتها جراء اختطافها من قبل مكونات مرتهنة تحمل أجندات خارجية مأزومة.
وشكل هذا الإعلان أحد أهم الانتصارات السياسية التي حققتها الشرعية في مواجهتها المحتدمة ضد الإمارات، بالإضافة الى كونه أحد أهم الإنجازات التي تحققت للشيخ أحمد العيسي، باعتباره الركيزة الأهم التي قادت نحو تشكيل هذا المكون الذي شارك فيه مختلف الأحزاب والمكونات السياسية والقيادات الجنوبية الفاعلة.
وأظهرت التشكيلة المعلنة لرئاسة الائتلاف من 23 عضواً، بجلاء، كيف أن معركة الشرعية مع أبوظبي تمثل الدافع الأول وراء تشكيل الائتلاف، الذي يضم مسؤولين حكوميين وأعضاءً ممثلين عن أحزاب سياسية ومكونات متعددة.
ولأنه المتفرد في هذا الإنجاز الوطني الهام، تم اختيار الشيخ أحمد صالح العيسي رئيساً للائتلاف.
حجم هذا الإنجاز يستشف من خلال البيان الختامي الذي صدر يوم الإشهار، والذي حمل رسائل بالغة الأهمية تؤكد الوقوف أمام كل محاولات الانقضاض على الدولة، بإعلانه الوقوف بقلق بـ”أمام الأوضاع المأسوية التي تعيشها العاصمة المؤقتة عدن من تدهور مروّع للأمن ومن اعتداء على كرامة الإنسان خارج إطار القانون…”.
كما أعلن الائتلاف تصديه منذ اليوم الأول لكل الانتهاكات التي تقوم بها التشكيلات المسلحة التابعة للإمارات، بالتأكيد على أن “العمل خارج مؤسسات الدولة وإنشاء كيانات وتشكيلات مسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة ولا تتبع هيكلتها القيادية، هو تفخيخ وتلغيم للجنوب وأنه لا بد من وقفة جادّة أمام ذلك، كما أن صبغ تلك التشكيلات بطابع قبلي ومناطقي لا يخدم مستقبل الجنوب ولا استقراره”.
ولذا فإن ميلاد ” الائتلاف الوطني الجنوبي” في الوقت الذي يعاني فيه الجنوب من حالة تشظي سياسي، وتحت قيادة مخلصة ووطنية وقوية كالشيخ العيسي، يبعث ببارقة أمل للجنوبيين في إمكانية توحيد الصف الجنوبي لإنصاف الجنوب وقضيته العادلة.