العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي سلَّطت الأضواء ربما للمرة الأولى على الدور الحقيقي الذي يلعبه المرشد في إيران، فهو لا يمثل فقط سلطة دينية مطلقة، لكنه أيضاً على رأس إمبراطورية ضخمة، فما هي القصة؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تناولت القصة، في تقرير سلَّطت فيه الضوء على استهداف ترامب مَن وَصَفَه بأنه القوةُ الحقيقيةُ في إيران، وفرض عقوبات جديدة على آية الله علي خامنئي، مضيفة أنَّ هذه الخطوة غير المسبوقة صوَّبت الأنظار صوبَ المرشد الأعلى لإيران، الذي لا يؤدي دور صانع القرار النهائي في البلاد فحسب، بل يُعتقد كذلك أنه يسيطر على إمبراطورية اقتصادية تُقدَّر قيمتها بنحو 200 مليار دولار.
ووصف الرئيس الإيراني حسن روحاني، استهداف خامنئي بأنه «شائن وأحمق»، وقال إن البيت الأبيض «أصبح معاقاً عقلياً»، لكن الخبراء منقسمون حول الأثر المالي الفعلي لفرض عقوبات على خامنئي مباشرة.
قال ريتشارد نيفيو، مدير البرامج في مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: «لعل أنصار هذه الخطوة لا يهتمون كثيراً بعدم وجود تأثير عملي، لأن ذلك قد لا يكون الهدف الحقيقي».
قائد ديني واقتصادي
منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، صارت للمرشد الإيراني الأعلى سلطةٌ سياسيةٌ في البلاد أكبر من الرئيس المنتخب، وهو منصب يشغله حالياً حسن روحاني.
يعتمد النظام الإسلامي الإيراني على عقيدة شيعية هي محل نزاع وتُعرف باسم «ولاية الفقيه»، يتصرف المرشد الأعلى الإيراني باعتباره رئيساً لدولة إيران، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية، ويُفترض أنه أعلى سلطة دينية للمسلمين الشيعة في أنحاء العالم.
ويعتبر خامنئي هو ثاني مرشد أعلى لإيران، بعد أن خلف المرشد الأعلى الأول، روح الله الخميني، عام 1989، وخلال إعلانه عن العقوبات يوم الإثنين، ذكر ترامب خطأً اسم الخميني بدلاً من خامنئي.
تجنّبت الإدارات السابقة عموماً استهداف خامنئي مباشرة، إذ قال بعض المسؤولين إنهم قلقون من أن هذا سيدعم الرواية القائلة إن الولايات المتحدة تسعى لتغيير النظام في إيران، ومع ذلك، استُهدف قادة دول أخرى في الماضي، بمن فيهم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس السوري بشار الأسد.
وقال نيفيو، الذي كان من كبار خبراء العقوبات ضمن فريق التفاوض مع إيران في إدارة أوباما، إن قرار الإدارة السابقة بعدم معاقبة خامنئي لم يكن متأثراً بمنصبه الديني.
وأضاف: «تحدث الناس عن كونه مرادفاً (شيعياً) للبابا. هذا ليس صحيحاً على الإطلاق، لم نر كيف يمكن للعقوبات الشخصية ضد هؤلاء الأفراد أن تشجعهم على التفاوض معنا».
إمبراطورية خامنئي الاقتصادية
بينما يؤدي دور الزعيم السياسي والديني، يمثل خامنئي أيضاً قوة اقتصادية عظمى في إيران، وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، يقول مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات -وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن تدعو إلى سياسات أمريكية أكثر صرامة تجاه إيران- إن إمبراطورية خامنئي تبلغ قيمتها 200 مليار دولار.
يرى دوبويتز أن الثروة كانت انعكاساً للطبيعة الفاسدة لإيران الحديثة. وقال: «استحوذت هذه الكيانات على جزء كبير من أصولها من المصادرة المنهجية للممتلكات الخاصة عقب الثورة الإسلامية، ومصادرة الملكيات الخاصة الإيرانية منذ ذلك الحين».
وتخضع فعلياً العديد من الكيانات التي يسيطر عليها مكتب خامنئي للعقوبات. فرضت الولايات المتحدة عقوبات في يونيو/حزيران 2013، على إمبراطورية العقارات الهائلة التي يسيطر عليها المرشد الأعلى -«ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام» أو «مقر تنفيذ أمر الإمام»- إلى جانب شركات أخرى تسيطر عليها المجموعة.
وجد تحقيق أجرته وكالة رويترز في ذلك العام، أن قيمة المجموعة بلغت نحو 95 مليار دولار. بُني هذا الثقل الاقتصادي على مدار عقود من الاستحواذ على الممتلكات المهجورة في أعقاب ثورة 1979، قبل الانتقال إلى مجالات أعمال أخرى، بحسب رويترز.
أما العقوبات التي فُرضت على خامنئي، يوم الإثنين، وكذلك العقوبات السابقة المفروضة على منظمات مرتبطة به، فهي ما يطلق عليها عقوبات ثانوية، وهي مصممة لمنع الأمريكيين أو المؤسسات الأمريكية من ممارسة الأعمال التجارية معه، من خلال التهديد بالعقوبات. بالنظر إلى أن خامنئي نفسه نادراً ما يسافر خارج إيران، ومن غير المرجح أن يحتفظ شخصياً بأصول في الولايات المتحدة، فالأرجح أن التأثير سيكون ضئيلاً عليه.
قال نيفيو، الذي ساعد في تنسيق إدارة أوباما لتحديد المنظمات المرتبطة بخامنئي عام 2013، إن تأثير العقوبات الجديدة سيصل في النهاية إلى ما إذا كانت الحكومة الأمريكية ستدرج أسماء كيانات وأفراد جدد على صلة بخامنئي، وأضاف أنه خلافاً لهذا «من غير المحتمل أن يكون هناك تأثير كبير».
آخرون قد يكون الضرر عليهم أسوأ
أشارت إدارة ترامب إلى أنَّها ستفرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في وقت لاحق من هذا الأسبوع، وهي خطوة من المحتمل أن تحمل تأثيراً اقتصادياً كبيراً على ظريف إضافة إلى رمزيتها.
جواد ظريف بصفته أهم دبلوماسي إيراني منذ عام 2013، ظلَّ ظريف في مركز الدبلوماسية النووية لإيران قرابة نصف عقد. وقد سافر إلى نيويورك بشكل متكرِّر لزيارة الأمم المتحدة، حيث كان أيضاً سفيراً لإيران من عام 2002 وحتى عام 2007.
ونظراً إلى أنه وجهٌ للدبلوماسية الإيرانية، سوف ترسل الإجراءات العقابية رسالة حول الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى المفاوضات، لكنها قد تتسبَّب أيضاً في مشاكل اقتصادية معقَّدة لوزير الخارجية الإيراني، الذي قضى 20 عاماً في سان فرانسيسكو ونيويورك ودنفر، وَوُلد طفلاه في الولايات المتحدة.
كتب حسام الدين آشنا، مستشار روحاني، تغريدة على موقع تويتر يوم الإثنين، قائلاً إن معاقبة ظريف ستحوله إلى «مانديلا إيران».
وقال نيفيو، إنه على الرغم من أن العقوبات على ظريف لن تمنعه على الأرجح من زيارة الأمم المتحدة، فقد تخلق مشاكل للمؤسسات التي استضافته في فعاليات دبلوماسية عامة حضرها في نيويورك خلال زياراته.
وأوضح نيفيو: «لا يمكنهم منعه من التحدث في الأمم المتحدة، لكنه لا يستطيع التجول في أنحاء المدينة»، مشيراً إلى أن ظريف استخدم حضوره كثيراً من هذه المناسبات في مراكز البحث والمؤسسات الأخرى لانتقاد إدارة ترامب.