انطلقت بالأيام الأخيرة تصريحات حوثية تتحدث عن تواصلات بين الحركة الإنقلابية وبين أحد أهم مكونات الشرعية والصف الجمهوري” حزب التجمع اليمني للإصلاح” ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه التصريحات من الحركة الحوثية، إلا أنها تأخذ ذات الصدى كل مرة، ويخوض الجميع سجالات جادة حول الفكرة وبما يحقق الهدف الحوثي منها، والمتمثل في إحداث بلبلة داخل مكونات الشرعية واختراق الصف الجمهوري، وتلك غاية كبيرة بالنسبة الحوثي، يتمكن من خلالها من تحقيق مكاسب كبيرة على صعيد مضاعفة الشقاق بين القوى الوطنية المناهضة له وبما يخفف الضغط عليه ويسهم في استدامه حضوره وتفتيت الجبهة المناوئة له.
وفي هذه الوقفة سنحاول مقاربة هذه الشائعة وأهدافها والملابسات المتعلقة بالظروف التي تخرج فيها مثل هذه التصريحات والأسباب التي تمنحها صدى واسع وكذلك مساهمة عوامل الصراع الداخلي في معسكر السرعية على انتشارها، والفجوات التي يستثمرها الحوثي لتفكيك الصف الجمهوري.
توقيت انتشار الشائعة
المتتبع لتوقيت إطلاق جماعة الحوثي لمثل هذه التصريحات التي تتحدث عن وجود تنسيق بينها وبين مكون أصيل في الشرعية” الإصلاح” عادة ما يجد أن الجماعة تستثمر ظرف ما يكون فيه جزء من إعلام الشرعية متوجهًا بالمعركة ضد المكون ذاته في الشرعية، ولهذا تعمل الحركة الحوثية على تقديم مبادرة تدعو فيها هذا المكون الجمهوري المستهدف من داخل معسكر الجمهورية نفسه للمصالحة، أو تنشر تصريحًا مكذوبًا تتحدث فيه عن تنسيق من نوع ما دونما تفاصيل.
بهذا التكتيك لا تهدف جماعة الحوثي لمصالحة حقيقية بقدر ما ترغب في إستثمار حالة الصراع العبثي الذي تخوضه بعض مكونات الشرعية ضد هذا المكون؛ كي تتمكن من تعميق حالة الشقاق، إضافة لتسويق نفسها؛ كجماعة وطنية مستعدة للمصالحة وقابلة للشراكة مع أي قوى يمنية، وهذه بالطبع حيلة مكشوفة ، لم تعد تنطلي على أحد؛ لكنه بالأخير يحدث بهذه الصورة الإنتهازية وهناك من يخلق الظروف المواتية للجماعة الإمامية؛ كي تصطاد في الماء العكر وتنشر حالة من الإضطراب داخل الصف الجمهوري وفي توقيت حساس، الجميع فيه بحاجة للتكتل، من أجل تسريع عملية تقويض الخطر الإمامي المحدق بالشعب بكامله.
إعلام الشرعية التائهة
بات من المعروف أن جزء كبير من إعلام الشرعية يشتغل بلا موجهات ضابطة تخدم الهدف، والكثير من الوسائل التابعة لهذه الجهة أو تلك في معسكر الشرعية متروكة لأهواء وأمزجة القائمين عليها، والحال هذا فهي جاهزة في أي لحظة للتساوق مع أي شائعة ترد من هنا وهناك، حتى وإن كانت هذه الشائعات قادمة من مصادر الخصم، وهنا تكمن ذروة الكوميديا السياسية الفاضحة.
إن أقصى صور الغرابة، هو أن تخوض معركة شاملة ضد خصم ثم لا تتردد عن التورط في استسقاء مصادر معلوماتك منه، وليست أي معلومة بل تلك المعلومة أو الشائعة التي تستهدف بها شريكك، هنا يتضح لنا حجم الخلل التي ينخر إعلام الشرعية أو لنقل بعض التيارات والقوى والجهات التي تقف في صفها.
الشقاق الجمهوري يغذى سلطة الإماميين
طيلة تأريخ الإمامة كانت هذه الأقلية الحاكمة تتغذى على إذكاء الخلافات بين اليمنيين كي تتمكن من استدامة سلطتها وتعزيز قبضتها عليهم، كونها تدرك أن بقاءها مرهون بخلافاتهم وأنهم حالما اتحدوا سيكون هدفهم الأول هو البحث عن أقصر الطرق لتقويضها؛ لكن الغريب ليس لجو هذه الجماعة لخلق حالة شقاق بين اليمنيين بمختلف مكوناتهم، فهذه حيلة معروفة وقديمة ومتوقعة.
المثير للأسف هو أن التصدع الحاصل في الصف الجمهوري هو ما يمنح الإمامة فسحة لتمرير ألاعيبها وأكثر من هذا هناك داخل معسكر الشرعية من يساعدها على ترويج شائعاتها وبهذا تكون الشرعية تشتغل ضد نفسها بما يشبه حركة التدمير الذاتي، وبما يجعل المعركة مع الإمامة طويلة وبلا أفق ولا نهاية واضحة.
لماذا لا يتعلم الجمهوريون الدرس من الإمامة..؟
من الأمور التي جعلت جماعة الحوثي تصمد كل هذه المدة، هو أنها جماعة متجانسة في خطابها وعملها وتشتغل بتصميم منهجي موحد، هذا العنصر هو ما جعل جماعة عنصرية ذات قناعات بدائية تتمكن من الإنتصار على الطيف الوطني الواسع في الجهة المقابلة.
وأمام واقع الجمهوريين الممزق ربما عليهم اليوم الإلتفات إلى خصمهم الأكبر والأخطر؛ كي يتعلموا الدرس منه. صحيح أن الخلافات والتباينات في الجبهة الجمهورية أمر طبيعي ويعد انعكاسًا لبنية الجبهة ذات التكوينات المتعددة، لكن هناك فرق بين التباينات العادية في إطار الخلاف الحيوي الذي يثري المعركة ويخدم الهدف وبين التمزقات الإستراتيجية التي تعيق المعركة مع الإمامة وتطيل الطريق نحو استعادة الدولة والجمهورية ووضع حد لمأساة اليمنيين.
الخلاصة :
يبدو أن الجمهوريين اليوم بحاجة لميثاق شرف إعلامي جامع يتم بواسطته وضع محددات رئيسية توجه المعركة في مسار موحد وتكون بمثابة مرجعية أخلاقية تضمد هذا النزيف الحاصل في جهودهم الرامية لإسقاط الإمامة، ما لم فسوف يظل الأخطبوط الإمامي يشتغل ويستمد مصادر بقاءه من صبيانية بعض الجمهوريين الذين يخدمونه بوعي أو بدون وعي كل يوم.