إن انسداد الأفق أمام تنفيذ اتفاق الحديدة، باعتباره أبرز ما وصلت إليه الجهود التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، يجعل المسار السياسي في حكم المتعثر مجدداً، ويجعل الوضع مفتوحاً على كافة الاحتمالات، بما فيها انهيار اتفاق استوكهولم أو مدّه بعوامل بقاء.
وفيما عاد رئيس فريق المراقبين الدوليين في الحديدة، الجنرال باتريك كاميرت، مجدداً إلى اليمن، أفادت مصادر حكومية، لـ”العربي الجديد”، بأن العودة كانت مقررة قبل مغادرته العاصمة اليمنية صنعاء برفقة غريفيث، الأربعاء الماضي، وتأتي من دون مؤشرات على حدوث اختراق بشأن التفاهم حول تنفيذ الاتفاق، بقدر ما أنها لحفظ ماء وجه حضور الأمم المتحدة في الحديدة، وما من شأنه تقليل عوامل الاحتقان التي قد تقود إلى اشتعال المعارك في المدينة مجدداً.
وترافقت عودة كاميرت مع حملة دشنتها الحكومة اليمنية الشرعية بحشد مواقف دولية مساندة لرؤيتها، والتي تطالب فيها غريفيث وكاميرت بتقديم خطة لتنفيذ اتفاقيات السويد، بما فيها الحديدة على نحو خاص، وهي المطالبة التي حملها وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، خلال زيارته نيويورك، واجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وأعلن اليماني، في تغريدة أمس الأحد، أن غوتيريس وعده بأن الحوثيين سينسحبون من مدينة وموانئ الحديدة، من أجل تنفيذ اتفاق استوكهولم. وكتب أنه “خلال لقاء السبت، وعد الأمين العام للأمم المتحدة بأن لا يخذل الشعب اليمني الذي تربطه به علاقة خاصة مذ كان مفوضاً سامياً للاجئين”. وأضاف “غوتيريس قال إن اتفاق الحديدة سينفّذ، والحوثيون سيغادرون المدينة والموانئ، كخطوة أولى باتجاه تحقيق السلام في اليمن”.
وكانت معالم الانسداد في طريق تنفيذ اتفاق استهوكهولم، بدت واضحة، أكثر من أي وقت مضى، في الجولة الأخيرة لغريفيث في المنطقة، الأسبوع الماضي، إذ عقد لقاءات، ليومين في صنعاء، مع قيادات في جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، وانتقل إلى الرياض للقاء مسؤولي الحكومة الشرعية، من دون أن يدلي بأي تصريح حول حصيلة لقاءاته، التي يبدو أنها تدور في حلقة شبه مفرغة، في ظل غياب أي حصيلة ملموسة لتنفيذ اتفاق الحديدة على الأقل.
وغير بعيد عن الجولة، واجه غريفيث، خلال الأيام الأخيرة، حملة انتقادات من قبل الحكومة ومناصريها على مواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى بعض وسائل الإعلام المحسوبة على السعودية والإمارات. وهي انتقادات شملت في مجملها اتهام المبعوث الدولي بـ”التراخي” مع الحوثيين وعدم اتخاذ موقف حازم بشأن ما تقول الحكومة اليمنية إنه تهرّب من الجماعة بتنفيذ مقتضيات ما اتفق الطرفان عليه.
ويُرجع سياسيون يمنيون الأزمة في تنفيذ اتفاقات استوكهولم أساساً، إلى عوامل أبرزها الثغرات التي تضمّنها الاتفاق، الذي لم يتجاوز معضلة الخلافات بصورة حقيقية خلال مشاورات السويد، بقدر ما جاء بصيغة جعلت كلا من الطرفين يقرأه من زاويته، إذ لم ينص بصورة واضحة على انسحاب قوات الحوثيين من الحديدة وتسليمها لقوات حكومية أو إلى أي طرف محدد، بقدر ما طالب القوات الموالية للطرفين بإعادة الانتشار خارج موانئ ومدينة الحديدة، لتتولى قوات الأمن المحلية (لم يحدد طبيعتها)، مهمة الأمن في تلك المناطق.
وبعد ما يقرب ما من 40 يوماً على دخول وقف إطلاق النار في الحديدة حيز التنفيذ، تبدو جهود المبعوث الأممي، والنجاحات التي تحققت الشهر الماضي، على المحك، بوصفها تحولت إلى ما يشبه هدنة، يجري خلالها الطرفان المزيد من الاستعدادات العسكرية، بينما عززت تطورات الأسابيع الماضية مقولة أن التقدم نحو حل شامل لا يزال سراباً، خصوصاً إذا كان يتعلق بجزء فقط من اليمن، وهو الحديدة، في حين أن الأزمة اليمنية السياسية وجبهات الحرب الممتدة على أكثر من محافظة في البلاد، تنظر جميعها إلى الحديدة باعتبارها الاختبار الحقيقي لنجاح الجهود الأممية في الوصول إلى حل شامل للأزمة في البلاد.
في ضوء ما سبق، يبدو المبعوث الأممي، المعني الأول بالحفاظ على مسار السلام الذي تقوده الأمم المتحدة، أمام اختبار صعب، لا يقتصر فقط على تحقيق الاختراق الذي يقود إلى تنفيذ اتفاق السويد، بل بالحفاظ على الحالة التي اصطلح على تسميتها بـ”خفض التصعيد”، كما أطلق عليها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في زيارته الأخيرة إلى السعودية، موضحاً أنه اتفق مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على مواصلتها. وفي الواقع، فإنها حالة تنتظر خطوة إلى الأمام في مسار السلام أو عودة إلى الوراء بتجدد التصعيد العسكري.
*العربي الجديد (بتصرف)