طائرات الحوثي المسيرة وهويتها.. قراءة تحليلية لحادثة استهداف العند الجوية

محرر 214 يناير 2019
طائرات الحوثي المسيرة وهويتها.. قراءة تحليلية لحادثة استهداف العند الجوية

قبل ثلاثة أيام، وفي العاشرة من صباح الخميس 10 يناير/كانون الثاني 2018م، هزّ انفجار عنيف قاعدة العند العسكرية بمحافظة لحج. الانفجار استهدف عرض عسكري، خلال تدشين العام التدريبي الجديد بحضور رئيس هيئة الأركان العامة وعددا من القيادات العسكرية.

نتج الحادث عن إصابة رئيس هيئة الأركان الفريق عبدالله النخعي، ونائب رئيس هيئة الأركان العامة صالح قائد الزنداني، ورئيس جهاز الاستخبارات محمد صالح طماح وقائد محور العند ثابت جواس، إلى جانب قيادات عسكرية أخرى.
بالطبع سرعان ما خرج إعلام الحوثي يعلن مسؤوليته عن الحادثة، مسجلا بها هدف عسكري على خصومه، إلا أن تبني الحوثي لم يلغي شكوك كبيرة حول حقيقة الجهة التي تقف خلف الحادثة، وذلك بالنظر للدلالات التي رافقت الحدث. في هذا التقرير، سنحاول الحديث عن أبعاد الحدث ودلالاته من أكثر من زاوية.

الحدث الابرز منذ ثلاثة أعوام

من المعروف أن استخدام جماعة الحوثي الانقلابية لهجمات الطائرات المسيرة، ليس حدثًا جديدا، فالجماعة استخدمت هذه التقنية منذ ثلاث سنوات تقريبًا أي أنها بدأت باستخدامها من بعد خروجها من الجنوب بفترة قصيرة، إلا أن غالبية هجماتها لم تستهدف الجنوب بل كانت جميعها توجه نحو أهداف في الجبهات الشمالية وعلى وجه التحديد، في مأرب وتعز. إضافة إلى استخدام ذات التقنية في حربها على حدود المملكة، وتعد هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها مواقع عسكرية في المناطق الجنوبية، وهو ما أثار تساؤلاً حول ما إذا كانت الجماعة الحوثية هي من تقف خلف الحادثة أم أنها ذهبت لتبني الفعل بهدف تحقيق نشوة انتصار وإثبات وجود وقدرة، حتى لو لم تكن هي من قامت به، وهذا الأسلوب هو ما تتبعه القاعدة كثيرا، حيث تلجأ أحيانا لتبني أفعال لم تقم بها، وذلك لذات الهدف الذي أسلفنا ذكره والمتعلق بإثبات الوجود، طالما أن الفاعل مجهول ولا يمكنه تبني فعله لأسباب سياسية.

دلالات رافقت الحدث

بالنظر لهوية القيادات العسكرية المستهدفة، فإنها تقريبًا من القيادات التي تدين بالولاء للرئيس هادي وشرعيته، وتمثل ذراعه الأقوى في الجيش، وغالبيتها قيادات من الصف الأول في المؤسسة العسكرية، ومن المثير للغرابة أن الحفل لم يحضره قيادات من تلك التي توالي المجلس الانتقالي أو الإمارات في الجنوب، وبعض الأخبار التي تحدثت عن حضور قيادات أخرى، قيل أنها كانت متكتلة لوحدها في اتجاه أخر من المنصة، الاتجاه الذي لم تستهدفه الطائرة المسيرة، وكانت على استعداد للفرار والنجاة بسهولة، وهو ما حدث فعلا بالنظر للقيادات التي أصيبت في الحادثة. وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول هوية الجهة الفاعلة وما إذا كان الحوثي ينتقي قيادات عسكرية بعينها من صف الشرعية أم أن هوية الفاعل جنوبية أو جهة خارجية لديها أذرعها في الجنوب وترغب بتحقيق أهداف معينة من وراء فعلها هذا.

حالة الاستقطاب العسكري في الجنوب

من المعروف أن هناك حالة استقطاب عسكري حاد داخل المؤسسة العسكرية وخصوصًا حين يتعلق الأمر بقوات الجيش المتموضعة في الجنوب، حيث يبرز أمامنا معسكرين داخل قوات الجيش، هناك معسكر يدين بالولاء لهادي، ومعسكر تابع للمجلس الانتقالي، يدين بالولاء للإمارات ويعلن بوضوح مناهضته للرئيس والحكومة، ولو أنه في الفترة الحالية يعيش حالة من التهدئة وتكاد تكون التصريحات العدائية خافتة تمامـا، وذلك منذ إقالة رئيس الحكومة السابقة وتعيين رئيس وزراء جديد وبروز نوع من المصالحة بين الرئيس هادي والإمارات.

التهدئة المؤقتة وانفجار العند

بعد أن بلغ الصدام الجنوبي مع الشرعية أوج حالاته في يناير 2018 وذلك بالاشتباك العسكري بين المجلس الانتقالي ومن خلفه الإمارات وعلى الجانب الأخر قوات هادي، ثم انتهى الأمر بتدخل سعودي للتسوية، إلا أن التسوية لم تلغي محاولات تصعيدية أخرى، واستمر معسكر المجلس الانتقالي والإمارات في التعبئة، وصولا إلى 14 أكتوبر، وهو تأريخ بروز حالة تصالح بين الإمارات وهادي، والذي ألقى بظلاله على سلوك معسكر الانتقالي، وبدأ الدخول في تهدئة وخفض تصعيداته كليًا، إلا أن هذه التهدئة المؤقتة لا تعني التصالح المطلق بين أقطاب المعسكرين، إنما تعكس حالة وفاق هش يتعلق بالأجندة السياسية ورغبة الإمارات بتخفيف حدة التصادم المباشر وفرملة أتباعها هناك، وبالطبع مع بقاءها في حالة توجس من كل القيادات التي لا تدين لها بالولاء، وتشكل مصدر تهديد لنفوذها هناك عسكريًا وسياسيًا، ومن هذا المنطلق لا يمكن استبعاد أي تحليل يذهب للقول أن هذه الجهة نفسها(الإمارات وحلفاءها) وبعد اضطرارها للتهدئة العلنية مع الشرعية قد لجأت مؤخرًا إلى إتباع حيلة أخرى في محاولاتها لضرب معسكر هادي والعمل على إضعافه من خلال استهداف قيادات الجيش التابعة له، ولو عبر استخدام قفازة الحوثي، وهذه المرة تجلت الحيلة عبر لعبة الطائرات المسيرة، وما يعزز هذا التحليل هو أن كل من تعرض للاستهداف كان من معسكر هادي إلى جانب أن الإمارات التي تسيطر على قاعدة العند، لا يعقل أنها لم تتخذ تدابير مخابراتية كافية لحمايتها، ولا يمكن أن تكون قواتها هناك مكشوفة، والدليل عدم تعرضها لأذى طيلة ثلاث سنوات من سيطرتها على القاعدة.
ومن هذا المنطلق لا يكون القول بوقوفها وراء الحادثة أمرا اعتباطيا بل تهمة مبررة ومنطق له ما يسوغه.

ما الذي تمثله القيادات المستهدفة ..؟

يمكننا القول أن جل القيادات العسكرية المستهدفة هي بمثابة حاجز الصد الأخير للشرعية وعامل مركزي في التوازن العسكري داخل الجنوب ويشكل وجودها درعًا يمنع معسكر الزبيدي وشلال من الاستفراد بالجنوب وتقرير مصيره كما يشاؤون ووفقًا لأجندتهم الشعبوية ورغبتهم بفرض سلطتهم على كامل مفاصل الدولة هناك. من هنا فإن خطر استهداف هذه القيادات –  لو كان نجح –  كان سيمثل ضربة موجعة للشرعية، وسيفتح الباب أمام معسكر المجلس الانتقالي ومن خلفه الذراع الإماراتية ليعززوا سلطانهم بشكل مطلق وقد أمنوا من أي مصدر قلق أو قطب مواز يعيق أي محاولات لهم ببسط نفوذهم كليا واستبعاد أي طرف أخر له حضور داخل الجنوب وبالتحديد في عدن.

الخلاصة:

تشكل حادثة العند جرس إنذار لمعسكر هادي داخل الجيش، بأن عليه تعزيز يقظته المخابراتية هناك وعدم الركون كليا على حلفاءه الذين يعيشون حالة تهدئة معه، فهي تهدئة مؤقتة لا يمكن خلالها ضمان عدم محاولتهم قصقصة أجنحة هادي وإضعافها، وهو أمر إن حدث سيشكل أخر مسمار في نعش الشرعية هناك وسيترك فراغًا هائلا لن يملأه طرفا أخر سوى معسكر الزبيدي وشلال والحزام الأمني ومن خلفهما الإمارات، وبالتالي سنكون أمام سيناريو مخيف يتمثل في تسيد طرف واحد وخلو الساحة الجنوبية من أي منافس يشكل رافعة لمشروع الدولة الاتحادية هناك.

*اليمني الجديد

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق