ماذا يعد الحوثي لمبعوث الامم المتحدة؟

محرر 228 نوفمبر 2018
ماذا يعد الحوثي لمبعوث الامم المتحدة؟
خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

بقلم - خيرالله خيرالله

هل من مخرج في اليمن ينهي عذابات ملايين الناس ويساهم في رسم بداية النهاية لمأساة إنسانية لا سابق لها في التاريخ الحديث؟

يطرح هذا السؤال نفسه بقوّة في وقت توحي تحركات ستيفن غريفيث مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن بوجود بوادر تسوية. ذهب غريفيث الى صنعاء واجرى محادثات عبر قناة تلفزيونية مغلقة مع عبدالملك الحوثي زعيم “انصار الله”. ليس ممكنا بالطبع لعبدالملك الحوثي الخروج من المكان الذي يقيم فيه. عليه البقاء مختبئا كي لا ترصده طائرات التحالف العربي، وهو تحالف يعمل من اجل افشال المشروع الايراني في اليمن. هذا ما يفسّر عقده لقاءات مع غريفيث عبر القناة التلفزيونية المغلقة. اعتمد هذا الأسلوب في الماضي مع علي عبدالله صالح وذلك في الأشهر التي سبقت اغتيال الرئيس اليمني السابق بأوامر من زعيم “انصار الله” نفسه في الرابع من كانون الاول – ديسمبر الماضي. ليس سرّا ان عبدالملك الحوثي الذي ينتمي الى مدرسة فكرية ومذهبية معروفة يستخدم أسلوب الدهاء الذي انطلى على علي عبدالله صالح مثلما انطلى على غيره في مكان آخر غير اليمن. يتظاهر باللياقة واللطف والديبلوماسية، في حين يعدّ فخّا للشخص الذي هو في حوار معه. فما الذي يعدّه لغريفيث الذي استطاع ممارسة ضغوط على التحالف العربي من اجل وقف الحملة العسكرية الهادفة الى تحرير الحديدة؟

كانت النتيجة ان الحوثيين استفادوا، مرّة أخرى، من شبه الهدنة في الحديدة لتعزيز قواتهم والتغلغل في احياء المدينة بغية تحويل الحرب فيها الى حرب شوارع، او حرب عصابات، بدل ان تكون حرب مواقع يسهل على طائرات التحالف العربي قصفها.

زار غريفيث الحديدة أيضا وذلك قبل انتقاله الى الرياض للقاء ممثلي “الشرعية” التي لا يزال على رأسها الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي. تأتي تحركاته في وقت لا يزال الحوثيون يسيطرون على الحديدة وعلى مينائها الاستراتيجي وذلك على الرغم من التقدم الذي حققته على الارض قوات “الشرعية” المدعومة من لواء العمالقة و”حراس الجمهورية”. يسعى المبعوث الاممي، استنادا الى ما يصدر عنه والى أوساط تتابع تحركاته، الى جعل الحديدة تحت سيطرة الامم المتحدة. يمكن تفسير ذلك برغبته في جعل المساعدات الانسانية تمرّ بسهولة عبر الميناء وذلك من دون التطرّق الى المشكلة الأساسية التي تتلخص بدور الحوثيين مستقبلا. ثمّة من يقول ان لدى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة اجندة خاصة به مرتبطة بالحديدة كميناء مهم على البحر الأحمر والقوة الدولية او الجهة المحددة التي ستسيطر عليه مستقبلا.

الأكيد، اقلّه الى الآن، ان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة خدم الحوثيين الذين يعرفون تماما ان انتزاع الحديدة منهم ستكون له انعكاسات في غاية الاهمية بالنسبة الى الصيغة التي سيستقر عليها الوضع اليمني مستقبلا. هناك فارق كبير بين مفاوضات تجري فيما الحوثيون يسيطرون على الحديدة وأخرى تدور فيما هم خارجها.

لماذا يصرّ غريفيث اذا على توفير ما يطلبه منه الحوثيون الذين يراهنون على كسب الوقت قبل ايّ شيء آخر؟ الجواب قد يكون في ان لديه رغبة في الوصول الى مرحلة يصبح فيها اليمن كيانات عدّة احدها تحت سيطرة الحوثيين، تماما كما حال قطاع غزّة الذي اقمت فيه “حماس” امارة خاصة بها.

ما نشهده حاليا في اليمن يتمثل في تراجع المشروع الايراني. فبعد سيطرة “انصار الله” على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014، انطلقوا في كلّ الاتجاهات الى ان وجد من يخرجهم من عدن ومن ميناء المخا، الذي يتحكم بمضيق باب المندب، وينقل المعركة الى الحديدة. المؤسف ان الوضع في تعز ما زال يراوح مكانه منذ ما يزيد على اربع سنوات. قد يكون ذلك عائدا الى ان الاخوان المسلمين الذين لديهم ثقل في المدينة ومحيطها مرتبطون بنوع من الحلف غير المعلن مع الحوثيين. يعود ذلك الى انّهم يجدون لنفسهم مكانا في اطار صيغة يمنية يكون فيها لـ”انصار الله” كيانهم.

في النهاية، اين تصبّ جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة؟ اذا كان مطلوبا الوصول الى صيغة تؤدي الى قيام كيان حوثي تتحكّم به ايران، على غرار قطاع غزّة، فان خريطة الطريق التي سار عليها حتّى الآن ستؤدي الى هذه النتيجة. في كلّ يوم يمرّ، نجده يقدّم مزيدا من الخدمات الى الحوثيين وكأنه مطلوب في نهاية المطاف وضع الحديدة تحت مظلّة الامم المتحدة وقوى أخرى تريد ان يكون الميناء اقرب الى وضع جيبوتي حيث هناك وجود عسكري لقوى عدة في مقدمها الولايات المتحدة وفرنسا.

مرّة أخرى لن تكون الأخيرة، لا يمثل الحوثيون شمال اليمن كلّه. لا يستطيع احد تجاهل وجودهم. انّهم جزء من النسيج اليمني. عانوا من ظلم وحرمان في الماضي. لكن حصر تمثيل اليمن الشمالي بهم لن يؤدي سوى الى مزيد من التعقيدات. لعلّ الدليل ذلك ان وضع “انصار الله” لم يعد مرتاحا مع كلّ القبائل الشمالية، بمن في ذلك “قبائل الطوق” التي ساعدتهم في تطويق علي عبدالله صالح في صنعاء تمهيدا لاغتياله في مثل هذه الايّام من العام الماضي.

الأكيد ان إعادة تشكيل “الشرعية” في مرحلة معيّنة سيساعد في اجراء مفاوضات تقود الى نتيجة إيجابية مستقبلا. هذا يعني في طبيعة الحال إيجاد صيغة تؤمن قيام دولة فيديرالية او كونفيديرالية في اليمن. لكنّ ما هو اكثر من اكيد ان قيام كيان حوثي هو بمثابة دعوة الى مزيد من الحروب في بلد استفاقت فيه كلّ الغرائز المذهبية والقبيلية والمناطقية في السنوات القليلة الماضية، أي منذ سعى الاخوان المسلمون الى تنفيذ انقلاب على علي عبدالله صالح في العام 2011. فقبل العام 2011، كان يصعب التفريق بين الزيدي والشافعي في اليمن. الآن، صار طبيعيا التفريق بين الزيدي الذي يدعم الحوثي والزيدي الذي لا يزال ملتزما المبادئ التي قام عليها المذهب أصلا.

ما يفترض ان يبقى في ذهن الذين يسعون الى تسوية ما في اليمن ان الحوثيين لا يمتلكون أي مشروع لدولة عصرية. انّهم يمثلون التخلّف بكلّ اشكاله. يكفي النظر الى المدارس والبرامج التعليمية التي يفرضونها على اليمنيين المقيمين في مناطقهم للتأكد من ذلك. بكلام أوضح، لا مفرّ من جعل الحوثيين جزءا من الحلّ، لكن الحلّ لا يكون بعمل كلّ شيء من اجل ان يكون لهم كيان سياسي خاص بهم في اليمن وذلك في مقابل تخليهم عن الحديدة للأمم المتحدة او لاشراف دولي ليس معروفا هل سيكون دوليا ام لا.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept