انقضت بهدوء فعاليات الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين لثورة 14 أكتوبر في عدن بعدما انحسرت الخطابات الثورية للمجلس الانتقالي الجنوبي ودعواته للسيطرة على مؤسسات الدولة والانتفاضة على الحكومة وإسقاطها إلى مستوى دعوات التعقل والحرص على المصلحة العامة.
ومقابل هذه التهدئة كان التصعيد من جهة السلطة الشرعية التي اتهمت حلفاء الإمارات في عدن بتلقي دعم إيراني لتكرار سيناريو انقلاب الحوثيين هناك.
ورغم أن هناك من يرى التهدئة ثمرة توافق برعاية السعودية والامارات مقابل تنفيذ مطلب المجلس الانتقالي بإقالة رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر الذي أقيل فعلياً مساء الاثنين مع إحالته للتحقيق «على خلفية فشل الحكومة».
غير أنه من المستبعد الحديث عن صفقة كتلك دون التوافق على شخصية المرشح لخلافة بن دغر في رئاسة الحكومة إذ لا يبدو رئيس الحكومة المعين معين عبدالملك سعيد سيكون مرضياً عنه أكثر من بن دغر لدى قيادة المجلس الانتقالي أقله لكونه ينتمي لمحافظة شمالية وسيكون من السهولة تأليب الشارع الجنوبي ضده أكثر عند تسويق المجلس اتهاماته له بالفشل مضافاً عليها التجييش المناطقي.
الشرعية: إيران تمول جماعات جنوبية:
وبمعزل عن تغيير رئيس الحكومة لم يكن من شأن أي توافق أفضى لتهدئة مواقف الانتقالي الجنوبي أن يقود لتصعيد مقابل من الرئيس عبدربه منصور هادي الذي اتهم «جماعات جنوبية» بالمضي على خطى الحوثيين في صنعاء وبتمويل إيراني لتكرار السيناريو في عدن في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.
في خطابه عشية الاحتفال بذكرى 14 أكتوبر قال هادي إنه لن يسمح باقتتال الجنوبيين فيما بينهم مؤكداً أن ما يجري في صنعاء لن يتكرر في عدن».
«عليهم ان يغلقوا حسابهم الذي تمده إيران حسابهم ما يزال لليوم موجود في بيروت وميزانيتهم معتمدة من إيران.. هناك حسابين لدى حسن نصر الله حساب لصعدة وحساب للمناطق الجنوبية وهناك قناة المسيرة وقناة العالم وكانت قناة عدن لايف التي تبث من بيروت هي أكبر دليل على ذلك ويجب التوقف عن مثل هذه الأعمال».
وهذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها هادي ومن مقر إقامته شبه الدائم في الرياض اتهامات صريحة بهذا الشكل لحلفاء الإمارات في عدن إذ كانت تصريحات مسؤولي الحكومة الشرعية تكتفي بالإشارة إلى أن ما يجري في عدن تكرار لسيناريو الانقلاب في صنعاء ولا تخدم سوى المشروع الإيراني.
الشرعية لاجئة أو حبيسة.. و«الرئيس القائد» يتنقل بحرية:
ويواجه هادي تحديات وتعقيدات وربما مخاطر كثيرة تحول دون عودته وحكومته إلى عدن عاصمة البلاد المؤقتة مع وجود المجلس الانتقالي الجنوبي بأذرعه الأمنية والعسكرية المدعومة إماراتياً والنافذة على حساب الشرعية والتي تحد من تحركات مسؤوليها وتحصر إقامتهم وتنقلاتهم وفعالياتهم غالباً في نطاق قصر المعاشيق دون أن يكون بمقدورهم الاضطلاع بمهام الحكومة السياسية والسيادية دون عوائق كإدارة الجوانب الأمنية والعسكرية والمؤسسات الإيرادية بمعزل عن وصاية الإمارات ووكلائها في عدن.
في المقابل يحظى المجلس الانتقالي برعاية مطمئنة من الإمارات التي تستضيف رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي بشكل شبه دائم في أبوظبي حيث تنسق له تواصلاً مع سفراء أجانب كما وتضمن لتشكيلاته العسكرية والأمنية في الداخل الإمساك بمفاصل السلطة مقابل تحجيم صلاحيات ونفوذ الشرعية عند حدود المسؤولية عن توفير المرتبات والخدمات للمواطنين دون ممارسة السلطة والسيادة الحقيقية على مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية.
والأربعاء الماضي عاد إلى عدن عيدروس الزبيدي الذي بات اسمه مسبوقاً بصفة (الرئيس القائد) في مجلسه ووسائل إعلامه مستأثراً بكليهما الرئيس عن الرؤساء السابقين الذين حاولوا ابقاء صفاتهم في المحافل الجنوبية كعلي سالم البيض وعلي ناصر محمد والقائد عن القيادات التي تصدرت القضية الجنوبية منذ سنوات كحسن باعوم.
ولادة في هرم السلطة.. مستثمراً شعبية الحراك:
في 27 إبريل 2017 أقال الرئيس هادي رجلي الإمارات في عدن عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن ورفيقه ونائبه في المجلس الانتقالي هاني بن بريك من منصبه كوزير دولة وأحالهما للمحاكمة بتهمة الخيانة بعد قيام الرجلين بممارسات وإجراءات مناقضة لسلطة الشرعية ورفضهما الامتثال لها.
لم تنتظر الإمارات كثيراً للرد على هذه الخطوة إذ سارعت بعد أيام لتمويل تشكيل كيان ثوري يحظى بغطائها ورعايتها ودعمها.
في الرابع من مايو صدر ما عرف بإعلان عدن التاريخي الذي فوض عيدروس الزبيدي تشكيل قيادة سياسية برئاسته لإدارة وتمثيل الجنوب داخليا ًوخارجياً وتخويله كل الصلاحيات اللازمة لتنفيذ ما يلزم لتنفيذ بنود الإعلان.
وفي 11 مايو أعلن رسمياً عن تشكيل المجلس برئاسة الزبيدي ونيابة هاني بن بريك وعضوية 26 آخرين وولد المجلس الانتقال.