بقلم - محمد جميح
أصبحت قضية “حقوق الإنسان” في اليمن مسيسة إلى درجة مفضوحة، يقتات عليها كتاب وساسة وحقوقيون على، ومنظمات دولية ضفتي الأطلسي.. في كل مرة تقترب القوات اليمنية والتحالف العربي من تحقيق إنجاز، تتعالى الأصوات، رافعة “قميص حقوق الإنسان”، على أسنة الأقلام والألسن.
وأمس خرج استيفان دوغريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي؛ محذراً من خطورة الوضع الإنساني حال احتدام المعارك في الحديدة، وقال: “نحن قلقون بشكل متزايد بسبب القتال الدائر حول الحديدة”، وكأن التحالف العربي والحكومة لم يعرضوا على الأمم المتحدة “تسلم ميناء الحديدة وإدارته”، في محاولة لتفادي المعركة، وهو ما قوبل برفض المنظمة الدولية آنذاك. طيب، لا تريدون أن تستلموا الميناء لتحييده، ولا تريدون تحريره من قبضة المليشيات! ما هو المطلوب؟ أن يظل الحوثي متحكماً بمصائر اليمنيين عن طريق السيطرة على الميناء الرئيس في البلاد؟! وهل هذا هو الحل؟ ستقولون: الحل السياسي. طيب اقنعوا الحوثي بالحضور لهذا الحل، كلموا عبدالملك يمتثل لقرارات مجلس الأمن “الموقر”.
أنتم تعرفون أن الحوثي لن يمتثل، وبدلاً من تحميله المسؤولية، تذهبون إلى الخاصرة الرخوة “حقوق الإنسان”! يا عالم “على شان خاطر حقوق الإنسان”، كفوا عن تسييسها.
قبل يومين خرجت علينا “واشنطن بوست” بافتتاحية مطولة مفادها “أوقفوا الحماقة في الحديدة”، وتقصد بـ”الحماقة” العمليات العسكرية. بالطبع لا يهم الصحيفة العتيدة “حماقات الحوثي” الذي حول المدينة إلى واحدة من أكبر مراكز تهريب السلاح والسوق السوداء في المنطقة! لا يهمها أن الحوثي الحوثي سيطر على الحديدة لجباية الأموال وابتزاز التجار! هذا لا يدخل ضمن دوائر “حقوق الإنسان” لدى كتاب الافتتاحيات في الصحف العالمية، وهذا لا يعني بالطبع “الرفيق” جيرمي كوربن في لندن، والذي لا يزال يعيش في حقبة الستينيات، ولا إليزابيث كندال في أكسفور! تذكرون عندما تهيأ التحالف والقوات اليمنية قبل أكثر من عام لمعركة الحديدة، ووضعت الخطط لذلك، خرج علينا الروس والأمريكيون والاتحاد الأوروبي محذرين من “كارثة إنسانية”. يا عالم، الكارثة الإنسانية تتمثل في احتجاز الحوثي لمئات الآلاف في المدينة، وتحكمه في ملايين اليمنيين بسبب سيطرته عليها.
إذا تحررت الحديدة من قبضة المليشيات فالأمل أن تنساب البضائع والسلع والمعونات الإنسانية بشكل أفضل. أعرف أن هناك من يحب أن يذكر بأن عدن لم تكن “النموذج الأفضل” بعد تحريرها، ولكن عدن تحفها تعقيدات خاصة واستثنائية بسبب التجاذب السياسي بين مشروعي “الاتحادية” و”الاستقلال”، وليس بالضرورة أن تمر الحديدة بظروف عدن الحالية. أخيراً: لا يمكن إنكار أن هناك وضعاً إنسانياً متدهوراً في اليمن، ولا يمكن إنكار دور هذا الطرف أو ذاك في تدهور الوضع، ولكن أن ترفع الحالة الإنسانية كشعار لأغراض سياسية، تتمثل في النيل من هذه الدولة أو تلك، أو من هذا الطرف أو ذاك، فإن هذا التصرف يسيء لـ”حقوق الإنسان” كقيمة عالمية لا يجب أن تخضع للتجاذبات السياسية. ختاماً: من أجل “حقوق الإنسان” دعوا الحديدة تتحرر من قبضة مليشيات تقول التقارير الدولية إنها تنتهك هذه الحقوق في اليمن.
مليشيات لا تعترف بها دولة واحدة في العالم… كفى ضحكاً على اليمنيين، وفروا دموع التماسيح…