بقلم - مروان الغفوري
طارق صالح هو ضابط كبير في الجيش الذي انقلب على الجمهورية وقاتل إلى جوارالقوات الملكية دون أن يعلن تأييدها. هو الآن ضابط كبير في الجيش الذي انقلب على الملكية ويقاتل إلى جوار القوات الجمهورية التي لا يؤيدها. في المرة الأولى كان أحد رجال إيران، في المرة الثانية هو أحد رجال الإمارات. لا يؤيد جهة حتى النهاية ولا يقاتل أخرى حتى الساعة الأخيرة، ولديه دائماً مفهوم استعمالي للجمهورية، فكرة قابلة للطرق والسحب وإعادة الإنتاج.
شيئاً واحداً أخطأه طارق على الدوام: الشرف العسكري. طريقاً واحداً لم يسلكه طارق: الطريق الذي يؤدي إلى السلم. كان حتى وقتٍ قريب يخاطب “الصماد” بلقب: السيد الرئيس. انقلاب الضابط طارق على “السيد الرئيس الصماد” يمثل خيانة عظمى وفقاً للمقاييس التي يعرفها طارق جيداً لكنه لا يحترمها. خان الدولة الحوثية التي وصفها عمه بـ”المؤيدة من السماء”.كان قبل ذلك قد خان الدولة التي أقسم آلاف المرات على حراستها.
لدى طارق، الآن: ثأر مع الجنوب، شمال الشمال، مع الدولة، ومع تعِز. الحروب التي شنت على تعِز، وكان طارق أكبر أمرائها، تركت: 22 ألف جريح وستة آلاف قتيل، بحسب تقرير محلي. هذه جريمة ليس بمقدور التاريخ أن يهيل عليها التراب. الأصوات العالية ليست أعلى من التاريخ. وأي طريق لا يمر عبر “العدالة الانتقالية”، تلك التي تبدأ أولاً من تسوية حقوق الضحايا، لن يفضي إلى الاستقرار.
لم يعتذر طارق عن حروبه ضد شعبه، لم يبدِ ندمه أمام الضحايا وأقاربهم. الجهة الوحيدة التي اكتشف طارق أنه أخطأ في حقها: السعودية. قال إنها الشقيقة الكبرى، ردد هذه العبارة أكثر من مرة في الأسابيع الماضية. لا تزال حياة اليمنيين وجراحهم مسألة غير مكتشفة بالنسبة للضابط الذي يقاتل، منذ ثلاثة أعوام، بلا هوية. خاض حروباً احتسبتها إيران لصالحها، وهو الآن يستعد ليخوض حروباً تتحضر دولة أخرى لاحتسابها لصالحها. يبيع حروبه، هذا هو طارق. هو أيضاً يقبض الأثمان. إنه يبيع الحروب، ولأنه يفعل ذلك فالضحايا ليسو سوى زبائن. تطلبون منه الاعتذار لزبائنه؟ كم أنتم متسرعون وحمقى.
حذر بيان صادر من تعز من “إعادة تدوير النظام السابق”. لا أظن هذا التعبير المبتذل قادرا على شرْحِ الحالة المركبة للضابط الذي يحمل اسم طارق. يخضع طارق لإعادة تدوير كمحارب لا كنظام، وهو يُحَضر جيداً ليخوض حروباً صغيرة، متتالية من الحروب في كل اتجاه، بحسب الحاجة. ثمة من قدمه بوصفه النسخة الجديدة من “الملك الضليل” الذي سيذرع الصحراء جيئة وذهاباً بحثاً عن ثأر عمه. خان رئيسه الأولى، ثم رئيسه الثاني، ثم عمه.
وهو في صنعاء، في العام 2014، أقلقته صورة الدولة التي وُضعت خطاطتها في الحوار الوطني في “1800 ” مادة. إنها دولة، فكر طارق، لا يمكنه أن يضعها تحت قدميه وقتما يشاء. يريد دولة أخرى، دولة بالمقدور أن تطوى في قبضة اليد. سرعان ما انضم إلى جماعة إرهابية، أسماها هو وعمه: الدولة الشرعية. بقي يمنح الجماعة الإرهابية لقب الدولة حتى الليلة التي قتلت فيها عمه وأهلكت جزءاً من ذريته. خسر المعركة والحرب والدولة وتاه بين القبائل إلى أن وجد مالكاً جديداً. منحه المالك الجديد عربات وسلاح وقال له: كُر. كر طارق، وسيمضي بمحاذاة البحار إلى أن يطلب منه المالك الجديد أن يحود يميناً أو شمالاً. لنتذكر أن المالك الجديد هو الذي سحق معسكرات طارق خلال ثلاثة أعوام، ثم تلقفه بعد ذلك وهو يتقافز في الجبال في زي المماليك.
ما من ثأر شخصي مع طارق. هناك ثأر مع الخداع، مع الحيلة التي تقول إن ذنوب المحارب تسقط إذا غير سترته. ثمة مدن “مسكينة” يمكن اختطافها بيسر، ومدن صعبة. البضاعة المقاتلة التي تحمل الاسم “طارق” يمكن بيعها لضحاياها في بعض المدن وليس في كل المدن. لنقُل إنه مقاتل جيد، وإن جودته لا تعود إلى مهاراته بل إلى قدرته في جلب مزيد من المقاتلين إلى جواره. هذا أمر يخص طارق، وهي ميزة اكتسبها مع الأيام من خلال عمله داخل نظام على شكل عصابة، ومن خلال اختراقه العبقري للحدود بين الدولة والعصابة، ومن عمله في الجريمة التي لا تمنح الشرف. المعركة الوحيدة التي كانت تنطوي على قدر ضئيل من الشرف هي حرب ديسمبر الماضية، ولأن بها قدر ما من الشرف فقد خسرها طارق خلال ساعات قليلة. لا يحتمل الصمود في حرب تمنح السلاح طهارة. لم يتعلم ذلك من العائلة، ولم يتدرب على المهارة الأخلاقية تلك من العم.
طارق يحارب، ويمضي. هو ليس النظام القديم بل عصابة جوالة تبيع سلاح الكتفين، لا تؤيد أحداً طوال الوقت ولا تقاتل آخراً على مر الأيام. سيتقافز من جوار منتصر إلى جوار آخر، وسيجد نفسه في نهاية المآل وقد أصبح جوار الشيطان.