شهد العالم في السنوات الأخيرة بروز قواعد عسكريّة جديدة، وبالخصوص في المنطقة العربيّة التي كانت وما زالت ساحة لحروب طاحنة. الحرب التي سببت الدمار للشعوب هي دائمًا فرصة ثمينة للدول الكبرى التي تبحث عن زيادة نفوذها السياسي والعسكري. في هذا التقرير نوضح لك أبرز القواعد العسكرية التي غيرت موازين القوى في خلال 2017، ومن المتوقع أن تؤدي أدوارًا سياسيّة وعسكريّة مهمّة في العام الجديد.
1- مصر.. 6 قواعد عسكرية تستعدّ للحرب؟
من أجل تعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية على تأمين المناطق الحيوية؛ افتتحت مصر في يوليو (تموز) الماضي، أكبر قاعدة عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط «قاعدة محمد نجيب»، بحضور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل آل سعود، وولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ووزير الدفاع الكويتي. اللافت للنظر أنّ مصر لا تستطيع تحمُّل تكلفة بناء القاعدة وحدها، خاصَّة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها بعد انخفاض الاحتياطي النقدي الذي قاد الحكومة إلى تعويم الجنيه في 2016.
أحد أكبر الأدوار المنتظرة من تلك القاعدة هو اجتياح ليبيا من أجل مساندة اللواء خليفة حفتر الذي سبق وأن أيّد التدخل العسكري المصري في بلاده. وقد أظهر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رغبته في خوض الحرب حين طالب الأمم المتحدة بإجراء تدخّل دولي في ليبيا، وبحسب المعلومات التي أعلنها الجيش، فإن القاعدة تحتوي على فوج نقل دبابات يسع 451 ناقلة معدات عسكرية ثقيلة، أي أنه من المحتمل أن تجري الناقلات عملية نقل للمعدات العسكرية من المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية وصولًا إلى قاعدة «براني» التي تبعد عن ليبيا 100 كيلومتر فقط، أي ساعة واحدة وصولًا للحدود، وبالتالي فإنّ دورها أكبر من مجرد حماية محطة الضبعة النووية التي تعتزم الحكومة المصرية إنشاءها بمساعدة روسية.
الجنرال الذي يبسط سيطرته على شرق ليبيا يريدُ الترشح للرئاسة العام القادم بالرغم من أنّه لا يحظى بتوافقٍ دوليّ مثل حكومة فايز السراج، كما أنه رفض قبل عدة أيام اتفاق «الصخيرات» الذي ينصّ على أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإعادة الاستقرار، أي أنه – حسب مراقبين – قد فتح بابًا للصراع المسلح على السلطة، الأمر الذي قد تستغلّه جماعات مسلّحة متواجدة على الأرض الليبيّة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة أن مجلس الأمن يفرض حظر تصدير السلاح إلى ليبيا، إلا أن مصر قامت بخرق القرار.
بعيدًا عن الصحراء الغربية في مصر، على امتداد البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر يقوم الجيش بتشييد خمس قواعد بحرية، أهمها بحسب ما أعلنه قائد القوات البحرية المصري «قاعدة حلايب وشلاتين» التي ستكون مجهزة بحاملة الطائرات الميسترال، وغواصات بحرية حاملة رؤوس نووية وبيولوجية وكيماوية، ووحدة دفاع جوي بها منظومة صواريخ إس 300 الروسية، كما ستضم القاعدة إدارة مخابرات عامة وحربية مصرية خاصة بالبحر الأحمر ووسط وشرق إفريقيا. ويبرز دور القواعد الجديدة في الأزمات الجنوبية التي تشهدها مصر؛ أهمها النزاع الحدودي على مثلث حلايب وشلاتين مع السودان، وفشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا، إضافة لتنافس القواعد الأجنبية للسيطرة على البحر الأحمر.
2- القاعدة الأمريكية في إسرائيل
حين خاضت إسرائيل حربها الثامنة مع حماس عام 2014، التي استمرت أكثر من 50 يومًا وعرفت باسم «العصف المأكول» أو «الجرف الصامد»، أظهرت التقارير العسكرية نقاط ضعف الأداء الأمني والعسكري الإسرائيلي، أبرزها في مجال الدفاع الجوي بالرغم من وجود منظومة القبة الحديدية التي كلفت إسرائيل ملايين الدولارات ولم تفِ بالغرض المطلوب، لذا اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قرارًا بإنشاء قاعدة عسكرية دائمة يكون هدفها حماية سماء إسرائيل بأفضل أنظمة الدفاع الجوي.
في سبتمبر (أيلول) الماضي، اُفتُتِحت القاعدة المشتركة جنوب صحراء النقب، على مقربة من مفاعل ديمونة النووي. وبحسب ما نقله موقع «المونيتور» الأمريكي عن محلل عسكري إسرائيلي، فإن القاعدة تحتوي على رادار أمريكي يمنح إسرائيل تحذيرات من إطلاق الصواريخ الباليستية نحوها (قبل ثماني دقائق)، في مسافة تصل إلى 2500 كيلومتر؛ وتجدر الإشارة إلى أن مخاوف الجيش الإسرائيلي حاليًا لا تقتصر على أسلحة حماس قصيرة المدى، فالخطر الأول يتمثل في التطورات العسكرية التي أضافتها روسيا للجيش السوريّ منذ بدء عمليّاتها في سوريا، لتحديث الدفاعات الجوية إضافة إلى ترقية أنظمة الصواريخ بعيدة المدى، كما أنها نشرت منظومتي «إس 300» و«إس 400» شمال غرب سوريا.
العدو الثالث الذي يُقلق إسرائيل وقد يدفعها للتحضير لسيناريو حربٍ مع سوريا هو الوجود الإيراني، فقد سبق لرئيس الوزراء الإسرئيلي نتنياهو أن أعلن أنه «سيمنع إيران من إنشاء قواعد عسكرية في سوريا»، كما سبق له أن صرح بأنه يدرس مهاجمة أهداف إيرانية في سوريا، ثم نفَّذ تهديده بالفعل في أول الشهر الجاري عندما تعرَّضت إحدى المقاتلات الإسرائيلية لهجوم صاروخي، فقام الطيران الإسرائيلي بقصف عدة أهداف سورية منها القاعدة الإيرانية التي يتم بناؤها في منطقة الكسوة قرب العاصمة دمشق – بعد إبلاغ روسيا -، وبالرغم من أن إسرائيل صرحت أنها لا تريد تصعيدًا عسكريًا، إلا أن قائد سلاح الجو الإسرائيلي أعلن أن قواته تتدرب الآن استعدادًا للمواجهات المقبلة التي سيكون وضع بلاده فيها أكثر قوة بعد الوسائل الدفاعية الجديدة التي حصل عليها. تُرى، هل تستعد إسرائيل للحرب أم تتجنبها؟
3- القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا
في أواخر العام الماضي، أعلن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، عن نية بلاده إنشاء قواعد عسكرية في كل من اليمن وسوريا. يعكس هذا التصريح تفوقًا عسكريًّا مهمًّا لطهران لم تفلح معه حتى الآن تهديدات إسرائيل ولا تحركات السعودية التي تلقت خسارة فادحة حين تنازلت في النهاية عن رحيل الأسد في سوريا، كما أنها تورطت في حرب اليمن على مدار السنوات الثلاث الأخيرة. وفي الوقت الذي تعرضت فيه القوات السعودية لجمود عسكري في اليمن، كانت قوات الحرس الثوري الإيراني تنتصر في معاركها وتستقر في قواعدها الجديدة.
تحدثت تسريبات إعلامية واستخباراتية عن قيام الرئيس السوري بشار الأسد بالموافقة على منح إيران الموافقة على بناء قاعدة عسكرية بحرية بجوار القاعدة الجوية الروسية بحميميم غرب سوريا، ورغم أن تلك التصريحات ظلت غير مؤكدة، إلّا أن صحيفة الديلي ميل البريطانية ذكرت وجود قاعدة البيت الزجاجي القريبة من مطار دمشق والتي تعتبر حاليًا مركز القيادة للحرس الثوري الإيراني. نشر أيضًا موقع «بي بي سي» البريطاني تحقيقًا صحافيًا بالتعاون مع مؤسسة «DigitalGlobe» الذي التقط صورًا عبر الأقمار الصناعية، في الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) وحتى أكتوبر (تشرين الأول) من العام الجاري، قالت إنها قاعدة عسكرية خارج منطقة الكسوة على بعد حوالي 50 كيلومترًا من مرتفعات الجولان القريبة من الحدود الإسرائيليلة، وتظهر الصور إضافة مبان عسكرية منخفضة تستخدم لإيواء الجنود وتخزين المركبات، ويُطلق عليها قاعدة القنيطرة.
إسرائيل التي قصفت مواقع عسكريّة إيرانية في سوريا مطلع الشهر الجاري، صرحت على لسان وزير استخباراتها بأن الرئيس السوري بشار الأسد مستعد لتوقيع اتفاقية تمنح إيران إنشاء قواعد عسكرية في سوريا تشمل قاعدة بحرية وقواعد لسلاح الجو والقوات البرية الإيرانية، إضافة لاستقطاب عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة. كما أشار الوزير الإسرئيلي إلى أنّ الاتفاق المبرم بين سوريا وروسيا حول استغلال قاعدة حميميم الجوية الروسية 50 عامًا يعدّ تهديدًا آخر لإسرائيل، وقد توعد مسؤولون إسرائيليون بعدم السماح بإنشاء تلك القواعد وهو ما من شأنه أن يغير مسار السياسة والحرب في تلك المنطقة مطلع العام الجديد.
4- روسيا في سوريا.. قواعد الحرب والسيطرة
أحد أبرز المشاهد الأيقونية التي التقطتها الكاميرات العام الحالي كانت لحظة منع ضابط روسي للرئيس السوري بشار الأسد من التقدم للحاق الرئيس الروسي أثناء زيارته لقاعدة حميميم الروسية، ورغم أنّ الرئيس الروسي أعلن أن قواته ستنسحب من سوريا تدريجيًا، إلا أنّ الدول الكبرى تُشكك في النوايا الروسية خاصة أنّ روسيا لم تكتفِ بقاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية، بل إنها شرعت في بناء قاعدة جديدة في البادية السورية منتصف العام الحالي.
ويرى خبراء أنّ بناء الروس للقاعدة الحربية الجديدة يتنافى مع التصريحات الروسية بالانسحاب، ففي الوقت الذي قامت فيه إيران بتحويل مطار دمشق لقاعدة البيت الزجاجي، بعد أيام من تعزيز الجيش الأمريكي قواته في معسكر «التنف» – كما هو موضح بالخريطة – أعلنت روسيا عن تأسيس قاعدة بمدينة خربة رأس الوعر، وتبعد نحو 50 كيلومترًا عن .العاصمة دمشق، و85 كيلو مترًا عن هضبة الجولان، و110 كيلومترات عن جنوب الهضبة
ولا يقتصر الوجود الروسي على قاعدة طرطوس البحرية واللاذقية ومطار حماة والقاعدة الجديدة، فحسب ما أعلنهمسؤول أمريكي في وزارة الدفاع، فإن المقاتلات الروسية تُقلع من أكثر من قاعدة، كما أن عددًا من أطقم تشغيل منصات إطلاق الصواريخ وبطاريات المدفعية طويلة المدى منتشرة خارج القواعد، إضافة إلى عدد الأفراد الحقيقي الذي لم تُعلن روسيا عنه حتى الآن.
5- القواعد التركية في البلاد العربية
عقب أزمة الخليج الأخيرة التي تدخل شهرها الثامن، قام البرلمان التركي بالموافقة على نشر مزيد من القوات التركية على الأراضي القطرية، وبالرغم من أن وجود القاعدة التي تُسمى قاعدة الريان التي يرجع تاريخ إنشائها لعام 2014؛ إلا أنها كانت ضمن أحد مطالب التحالف بإغلاقها لتجاوز أزمة الخليج، فيما قوبل الطلب بالرفض من الجانب القطري، بل إن تركيا عمدت إلى إرسال مزيد من الجنود، ليس هذا فقط، فقد تقدمت ضمن حملتها التوسعية بإنشاء قاعدة عسكرية لها في السعودية، إلا أنّ المملكة نقلت على لسان أحد مسئوليها رسالة مفادها: «لا يمكن أبدًا أن نسمح بذلك». صحيح أن الرياض رفضت القاعدة العسكرية التركية على أراضيها، لكن هذا لم يمنع تركيا من البحث عن بلدان عربيّة أخرى في العام الحاليّ، وقد نجحت في ذلك.
بتكلفة بلغت 50 مليون دولار، أنشأت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في العالم بالصومال، والهدف المُعلن لهذه القاعدة هو «إعادة تأهيل الجيش الوطني». وتبلغ عدد القوات التي تتدرب من الجيش الصومالي أكثر من 10 آلاف ضابط وجندي قامت تركيا بتزويدهم بـ200 مُدرب، إضافة إلى عدد من الآليات العسكرية الحديثة.
والنفوذ التركي في إفريقيا لا يقتصر على الصومال فقط، فقبل أيام كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارة للسودان، وحصل من الرئيس عمر البشير على صفقة تقضي بتخصيص جزيرة سواكن، الواقعة في البحر الأحمر، شرق السودان، لتركيا لكي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها، وتشير الاتفاقات العسكرية والأمنية الموقّعة بين البلدين إلى احتمالية أن تكون سواكن هي القاعدة العسكرية الدائمة.
الأرض العربية التي طالما حرصت تركيا على إنشاء قاعدة عسكرية لها كانت سوريا، ففي منتصف مايو (أيار) الماضي، أعلنتتركيا أنها تسعى لإنشاء قاعدة عسكرية لها في سوريا من أجل حماية الحدود المشتركة، وأرادت تركيا أن يكون موقع القاعدة فوق تلّة مدينة الباب المعروفة باسم «جبل الشيخ عقيل»، لكن في نهاية العام كانت أنقرة تعتزم بناء ثماني قواعد، لم ينتهِ منها حتى الآن سوى القاعدة التي أشرنا إليها.
6- القواعد الأمريكية على حدود روسيا
شهدت أوروبا والولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة أخرى توتّرًا في العلاقات منذ بداية العام لعدة أسبباب أبرزها؛ تجديد فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، إضافة إلى اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية. وبعد أن أحسّت أوروبا أن الخطر الروسي اقترب من أراضيها؛ قررت أن تقوم هي بخطوة استباقيّة من خلال التوجه إلى حديقة روسيا الخلفية للضغط على بوتين؛ وكانت البداية بعدما طلبت بولندا والجمهوريات السوفيتية السابقة بمنطقة البلطيق نشر قوات أمريكية وقوات من حلف شمال الأطلسي، بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم خشية أن يقوم بالأمر نفسه ضدهم.
لذا دعا المجلس البرلماني لحلف شمال الأطلسي الدول الأعضاء في الحلف العسكري إلى الاستعداد للرد على التهديد الروسي المحتمل، المتمثل في هجوم ضد دول البلطيق العضوِ في الحلف. وكانت واشنطن قد استغلّت هذا التوتّر كي تقترب من الحدود الروسية، فأعلنت دفع كتيبة عسكرية وآليات حرب ثقيلة ما زالت مرابطة إلى الآن في بولندا، ومع أنّ بوتين اعتبر هذا التحرك العسكري تجاه بلاده عملًا عدائيًا وتهديدًا صريحًا، إلا أن واشنطن لم تكتفِ بالتحذير، فقامت بالخروج منفردة من اتفاقية «الحدّ من منظومات الدفاع الصاروخي»، ثم قامت بنشر القواعد العسكرية في كلٍ من رومانيا وبولندا؛ وهو ما يمثل خطرًا على أمن روسيا التي يُخشى ألا يستطيع اقتصادها الانسياق إلى سباق التسليح.