كشفت دراسة يمنية جديدة ان المباحثات بين السعودية والحوثيين وقيام وفد سعودي بزيارة صنعاء كانت نتاج تخطيط مبكِّر من السعودية وأنَّ السعودية قد هندست الأحداث -منذ وقت مبكِّر- بما يؤدي إلى الوصول لهذه اللحظة الفارقة؛ باعتبارها المتحكِّم الرئيس في الصرِّاع.
ولفتت الدراسة الصادرة عن “مركز المخاء للدراسات الاستراتيجية” الى أن السعودية -في الوقت الذي كانت منشآتها الحيوية تتعرَّض لضربات مِن قبل جماعة الحوثي- قدَّمت السعودية في مارس 2022 م- مبادرة سياسية، تضمَّنت وقف إطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن لم يتجاوب الحوثيون معها، ورغم ذلك مضت قدمًا في هذا المضار.
وتابعت الدراسة : شهد شهر أبريل الحالي (2023م) تطوُّرًا دراماتيكيًّا في مسار الصراع الذي تشهده اليمن منذ عام 2015م، فقد قام وفد سعودي، يقوده سفير الرياض لدى الحكومة اليمنية، محمد آل جابر، بزيارة إلى صنعاء، بمعية وفد عُماني، وأجرى خلال الزيارة مباحثات مع قيادة جماعة الحوثي، استمرَّت ستة أيام (من 8 وحتى 13 أبريل). وعلى الأرجح فإنَّ الزيارة كانت تستهدف وضع اللَّمسات الأخيرة على تصوُّر لتسوية شاملة للحرب في اليمن، كان قد جرى التفاوض بشأنه بين الطرفين، في العاصمة العُمانية (مسقط). ويبدو أنَّه كان مِن المخطط أن يتم دعوة وفد مِن قيادات جماعة الحوثي لزيارة المملكة العربية السعودية، والتوقيع على مشروع التسوية، في الأيام الأخيرة لشهر رمضان الفائت، بمكة المكرمة، إلَّا أنَّه طرأت أمور أربكت المخطَّط السابق، واقتضت عقد جولة -وربَّما جولات جديدة- مِن المفاوضات، بعد عيد الفطر المبارك.
وأضافت: في حين يُعلِّق الكثير مِن المتابعين آمالهم على تلك المفاوضات في أن ترسم مسارًا لتسوية سياسية تنهي الحرب في اليمن، غير أنَّ فحص طبيعة المفاوضات والأطراف التي تشارك فيها، والتداعيات التي يمكن أن تنبني عليها، يُظهِر محدودية العوائد الإيجابية المتوقَّعة مِنها، وبخلاف ذلك فإنَّها إذا ما وصلت إلى منتهاها قد تسهم في إضافة المزيد مِن التعقيد للصراع في اليمن، بل قد تتسبَّب -إلى جانب عوامل أخرى بطبيعة الحال- في تجميده، وتطويله أيضًا.
وترى الدراسة أن التحوُّل الأكبر باتِّجاه مسار المفاوضات كان بالتغير الذي أشرفت عليه الرياض في بُنية السُّلطة الشرعية، مِن خلال إزاحة الرَّجلين الأكبر صلابة في مواجهة جماعة الحوثي في السُّلطة الشرعية، ونعني بها: رئيس الجمهورية “عبدربه منصور هادي “، ونائبه الفريق علي محسن الأحمر، واستبدالهما بمجلس قيادة رئاسي، مِن ثمانية أشخاص، بقيادة د. رشاد العليمي، وذلك في السَّابع مِن أبريل 2022.
وتشير الدراسة إلى أنه وخلال ذات الفترة، تواترت الأخبار عن مفاوضات سرِّية بن السعودية وجماعة الحوثي، بوساطة عُمانية وأنَّها قطعا شوطًا كبيرًا في التَّفاهات، حول الكثير مِن القضايا بالتزامن مع مفاوضات متقطِّعة أجرتها السعودية مع إيران، خلال عامي 2021 م و 2022 م، واستضافتها كلٌّ مِن جمهورية العراق وسلطنة عُمان؛ ومؤخَّرًا توجت بمباحثات غير معلنة جرت في العاصمة الصِّينية “بكِّن “، أفضت بالتوقيع على اتِّفاق لعودة العلاقات بن الدَّولتين، بتاريخ 10 مارس 2023 م، برعاية صينية.
مكافئة غير مستحقة
وتعتقد الدراسة ان زيارة الوفد السعودي لصنعاء مثّل مكافأة غر مستحقَّة وكرمًا زائدًا لنهج الحوثين المتصلِّب في المفاوضات، وهي في المجمل ستصوِّرهم على أنَّهم انتصروا في الحرب، وهذا وضع قد يدفعهم إلى التَّمسُّك بمتلازمة العمل العسكري ورفع سقف المطالب، وهو أمر سيقود إلى جولات جديدة مِن العنف، وليس السلام وهو ما حذَّر منه تقرير صدر عن مجموعة الأزمات الدُّولية، بتاريخ 29 ديسمبر2022 م، حيث “أشار إلى أنَّ “اتِّفاقًا سعوديًّا حوثيًا.. إذا صيغ بشكل سيِّء، أي إذا كان أكثر كرمًا مماَّ ينبغي مع الحوثين..، فإنَّ مِن شأنه أن يزيد مِن جرأة الحوثين على التَّهرُّب مِن المفاوضات، ودفع الأطراف الأخرى إلى تعطيله، أو يؤدِّي إلى مرحلة أكبر فوضوية مِن القتال”.
اقتسام مكاسب التفاوض
ورجحت الدراسة ان المفاوضات ونتائجها تركزت “حول مصالح واحتياجات الطَّرفين المشاركين فيها (السعوديين والحوثين)، فالرياض تسعى لتحييد تأثير الصراع في اليمن على منشآتها الحيوية، وحدودها، ومناخ الاستثمار لديها، وتحقيق ما تتطلَّبه رؤية 2030 م، والنفوذ الاقتصادي المتصاعد لها في المنطقة والعالم؛ فيما يركز الحوثيين على تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، مِن خلال تقاسم موارد النَّفط والغاز مع مجلس القيادة، وحلِّ المعضلة التي تؤرِّقهم (ونعني بها دفع مرتَّبات الموظَّفين الحكوميين)، وفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، والأهم مِن ذلك منحهم الشرعية والقبول الدُّولي، وفي المقابل زيادة تهميش وعزل خصومهم السياسيين والعسكريين؛ في حين أنَّ المفاوضات لا تُعطي شيئًا ذا بال لمجلس القيادة الرئاسي والأطراف التي تقف خلفه، وبالتالي لا توفِّر لهم حوافز للانخراط في عملية التسوية، أو الاستمرار فيها.
وخلصت الدراسة إلى أن استمرار المفاوضات القائمة بين السعودية وجماعة الحوثي على ما هي عليه ستنتج تسوية تُلبِّي احتياجات السعودية والحوثين بدرجة أساسية، وفي المقابل فإنَّها لن تلبِّي مطالب ومخاوف السلطة الشرعية وقطاع واسع مِن الشعب اليمني؛ كما أنَّها ستمثِّل محفِّزًا عاليًا للحوثين للتمسُّك بنهجهم في رفع سقف مطالبهم، وهو ما سينقل اليمن إلى مرحلة هشَّة، تكون فرص التسوية معها في حدِّها الأدنى، فيما تكون فرص الجمود أو تجدُّد الاقتتال أكبر.