تسعى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لوضع يدها على التشكيلات الأمنية والعسكرية، التي لا تخضع لسيطرتها في المدن المحررة، وإعادة تأسيسها على أساس وطني، هذا ما صرح به رئيسها أحمد بن دغر، قبل أيام، وأثار جدلا واسعا في جنوب البلاد.
ابن دغر، كان واضحا في حديثه عن الوحدات التي تشكلت على أساس مناطقي وفي ظروف معينة، حسب قوله. مؤكدا أن بقاء تلك التشكيلات (يقصد بها القوات التي شكلتها الإمارات) في المناطق المحررة بشكلها الحالي، يمثل خطرا على الأمن.
وطرح هذا الإعلان تساؤلات عديدة حول قدرة السلطات الشرعية تنفيذ هذه الخطة، التي أفصح عنها رئيس الوزراء من مقر إقامته في مدينة عدن (جنوبا)، مساء الخميس الماضي، وسط من يشكك بذلك، نظرا للدعم الذي تحظى به تلك التشكيلات من قبل دولة الإمارات، العضو في التحالف العربي، والمهيمنة على ملفات عدة في مدن جنوب البلاد.
وبحسب مراقبين، فإن تصريحات بن دغر تشير إلى تلك الفصائل المسلحة المدعومة من “أبوظبي”، التي لطالما لعبت دورا مناهضا لتحركات حكومته على مدى عامين، والمتمثلة بما تسمى “الحزام الأمني” في مدينة عدن (جنوبا) و”النخبة الحضرمية” في المكلا (شرقا) و”النخبة الشبوانية” (جنوب شرق).
فيما يعتبرها النظام الرسمي اليمني “مليشيات” خارج سيطرته، بل تتلقى توجيهات مباشرة من الإمارات، الذين أشرفوا على تشكيلها وتدريبها وتسلحيها وتمويلها. وفقا لمحليين يمنيين.
ناقوس خطر
ولم تتوان قيادات جنوبية بارزة مناوئة للشرعية في دق ناقوس الخطر إزاء خطة بن دغر، والتلويح بخيارات قاسية، منها ما أطلقها وزير الدولة المقال والمحال للتحقيق، هاني بن بريك، قائد ما يسمى “الحزام الأمني”، حيث حذر من مقر إقامته في العاصمة الإماراتية من هذا الإجراء.
وغردت الشخصية السلفية المثيرة للجدل، عبر حسابها بموقع “تويتر”، بلغة تحمل التهديد والوعيد، معلقا على تصريحات رئيس الحكومة قائلا: يريدوننا أن نسلك طريق ردة الفعل المعاكسة لأقوالهم المستفزة؛ ليخرجونا عن التزامنا للتحالف بما التزمنا به في هذه الفترة؛ ولهذا لا بد من ضبط النفس”.
وأضاف في تغريدة أخرى، وبلهجة تحمل أبعادا مناطقية، أن “كلام بن دغر في إعادة قوات شمالية للجنوب تهديد مباشر للجنوب وأهله”، مطلقا تحذيراته من مغبة هذا التصريح المستفز، وطالب التحالف بتدارك الأمر.
خطر على الجنوب
من جهته، اعتبر رئيس مركز مسارات للاستراتيجيات والإعلام، باسم الشعبي، أن إعادة ترتيب وضع الجيش والأمن “مسألة مهمة جدا”.
وأضاف في حديث خاص لـ”عربي21” أن ما قاله ابن دغر اعتبره البعض “استفزازا للجنوب”، معللا ذلك بأن الشرعية لم تقدم أي تطمينات للجنوبيين فيما يتعلق بمستقبل العلاقة في اليمن الاتحادي الجديد. في إشارة منه إلى مشروع نظام الفيدرالية من ستة أقاليم، الذي أقره مؤتمر الحوار الوطني المنتهي مطلع عام 2014.
وأشار الشعبي إلى أن مخرجات الحوار نصت على تناصف الجيش بين الشمال والجنوب، وفيما يتعلق بشكل المؤسسة الأمنية، فإنه تحصيل حاصل.
وقال: “كما يبدو أن هناك مخاوف وعدم ثقة بين الشرعية والحراك الجنوبي، وهذا سبب الخلاف الأخير الذي رافق تصريحات رئيس الحكومة”.
وأوضح رئيس مركز مسارات أن بقاء التكوينات الأمنية والعسكرية في مدن جنوب البلاد، بهذه الصورة، يمثل خطرا على الجنوب نفسه؛ ولذلك فإن إعادة ترتيبها على أساس وطني أمر مهم.
استفزاز للجنوب
في المقابل، قال الناطق الرسمي باسم ما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم إماراتيا، سالم العولقي، إن المجلس لن يسمح بعودة الوحدات العسكرية المنحدرة من شمال اليمن، في أحدث رد على تصريحات رئيس الحكومة الشرعية بشأن دمج التكوينات الأمنية والعسكرية المشكلة على أساس مناطقي في المحافظات المحررة، والواقعة في الجنوب.
وأضاف العولقي، في تعليق نشره على حسابه بموقع “فيسبوك”، أن تصريحات ابن دغر لا تعدّ استفزازا للجنوب فحسب، بل دعوة إلى تفجير الاحتقان هناك، مع أن المعركة الحقيقية ليست في عدن، بل في مناطق الشمال وفي صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.
وبحسب ناطق مجلس الجنوب الذي شكله محافظ عدن المقال، عيدروس الزبيدي، قبل أشهر، بدعم من أبوظبي، فإن قوات النخبة والحزام حققت نجاحا لم تحققه محاور عسكرية وأجهزة أمنية وقوات خاصة تابعة للشرعية، وعجزت عن أن تضبط مطلوبا، أو تثبت الأمن في شارع.
وأشار إلى أنه لن يسمح بعودة قوى عسكرية وصفها بالمعادية للتخندق تحت عنوان الشرعية في أي منطقة جنوبية؛ كون ذلك يعني “تسليم الجنوب، وإخضاعه للقوى التي تخلّص من هيمنتها العسكرية”.
وشهدت مدينة عدن، في أيلول/ سبتمبر الجاري، اشتباكات بين قوات من “الحزام الأمني” وأخرى تابعة للرئيس عبدربه منصور هادي شرق المدينة، تدخل فيها أيضا الطيران الحربي الإماراتي، وقصف قوات هادي، وهذه ليست المرة التي يتدخل فيها، بل حدث ذلك في شباط/ فبراير مطلع العام الجاري.
*عربي21