إن من أشد الممارسات قبحًا أن يمارس الإنسان نفس ما كان ينتقده بالأمس، أو أن ينتقد شيئًا عندما كان خارج السلطة فإذ كان في السلطة صار يتفنن في صناعة المبررات له.
إنه نهج وسلوك أصحاب حركات الإسلام السياسي بمختلف توجهاتها، وما نحن إلا نموذجًا من هذه النماذج، لقد صرنا نمارس بحق الشعب أضعاف ما كنا ننتقده، إلا أننا نحاول إقناع الشعب أنه الأصح وعين الصواب.
كنا ننتقد بعض الفساد في مؤسسات الدولة، فأتينا وعبثنا بمؤسسات الدولة بالكامل واستبدلناها بعمل شعبوي وكأننا في سوق عكاظ، وبكوادر غير مؤهلة.
كما كنا ننتقد التحصيلات والجبايات التي كان يقوم بها النظام السابق -وهي جدًا محدودة- فأتينا وأخذنا الجبايات على صاحب السكريم، ورخص على من يريد يبني له غرفة في مزرعته لحراستها، وضريبة على (روث الحيوانات)، وأنشأنا قطاع يتاجر بأموال الدولة وموارد الشعب، واشتركنا مع المواطنين حتى على مستوى البسطات والفنادق والمستوصفات والأسواق الشعبية وحتى عصارة الليمون لم تسلم من منافستنا، ومنعنا إنشاء المدارس الأهلية على بمنع إصدار التراخيص لغيرنا ، ولم نترك عملا تجاريًا إلا واشتركنا فيه بأموال الدولة؛ مما أدى إلى احتكار حركة الأسواق والقضاء على رأس المال الحر.
انتقدنا شركات ال الاحمر، فأتينا وأخذناها وعشرات الشركات مثلها، وأنشأنا أضعافها، انتقدنا بيوت مسؤولي النظام السابق –وقد يكون بعضها من أموالهم الخاصة- وصادرناها وسكنّا فيها.
عرضنا قطعا من الذهب قلنا من بيوت المسؤولين فأخذناهاًواضفنا قطعنا مرتبات الموظفين
انتقدنا النظام العائلي فأتينا بنظام للعائلة : الأب والابن وابن الابن والأخ لأب وأم والأخ لأب.. إلخ.
انتقدنا الجيش والأمن العائليين، فأنشأنا مؤسسة أمنية وعسكرية معايير القبول فيها الولاء للعائلة.
انتقدنا بعض المضايقات في حرية التعبير، فأتينا وألغينا حرية التعبير كاملة، وما (مدونة السلوك الوظيفي) إلا نموذجًا مما هو حاصل وسيحصل.
إن الغرض من (الهوية الإيمانية) القضاء على الدستور ومرجعيته، واستبداله بمرجعية أخرى.
ومن (مدونة السلوك الوظيفي) القضاء على قوانين السلطة المحلية ومعايير التوظيف السابقة؛ ليتسنى لنا توظيف من نريدهم،من اتباعنا وفصل من لا نريدهم.
كما أن هذه (المدونة) بمثابة إعلان الوداع وآخر مسمار في نعش النظام الجمهوري، وهو ما كنا منذ البداية نعمل على تحقيقه، فلم يبق من الجمهورية سوى (العلم والطير والنشيد الوطني)، وقريبًا سيتم تغييرها ، وهكذا طبيعة الحكم الفردي وسلطة المذهب؛ لأنه لا يمكن حكم فردي بآلية نظام جمهوري.
ولكني أنصح من يريد حكم اليمن الكبير عليه أن يكبر بحجمه وسلامتكم