رغم تراجع أسعار النفط، والذي بررت فيه الدولة رفع فرض الضرائب ورفع الأسعار للكثير من السلع والخدمات الأساسية، إلا أن الإنفاق العسكري لا يزال يشكل أولوية واضحة لديها. وقد حلت الإمارات في المرتبة السابعة عالميا في شراء السلاح للعام 2017، وهو ما يدفع للتساؤل عن دوافع هذا الإنفاق ووجهة هذا السلاح، الذي يدفع ثمنه في النهاية المواطن على حساب تنميته ورفاهيته.
أولى الاتهامات للسياسة الدفاعية والعسكرية التي تتبناها الدولة، تتمثل بأن هذا التسلح يندرج في شراء النفوذ لدى عدد من الدول المؤثرة، أو ضمن ما يصفه مراقبون بالابتزاز السياسي مقابل شراء المواقف السياسية، وما يصفه مسؤولون إماراتيون “الديلوماسية الاقتصادية”.
وكانت كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية في نوفمبر 2016 أن أبوظبي هددت بتجميد عدد من صفقات السلاح مع لندن إذا لم يجر رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون تحقيقا حول نشاط الإخوان في بريطانيا.
وفي مشهد إضافي، يأتي تزايد الإنفاق العسكري مع تخلص أبوظبي من عدد من استثماراتها الدولية الكبرى، بعد خسائر فادحة لحقت بها خلال الشهور القليلة الماضية، تمثلت في تعثر “طيران الاتحاد” والتخلي عن “برلين إير” الألمانية. أي أن الظروف الاقتصادية المتعثرة لا تسمح بالتوسع في شراء السلاح، ومع ذلك تستمر أبوظبي بهذا النهج، بصورة دفعت وزير الدفاع الأمريكي الحالي ماتيس إلى وصف الإمارات بـ”إسبرطة الصغيرة”، في إشارة إلى الدور الأقليمي الذي تسعى الإمارات إلى لعبه مقارنة مع معطياتها الاستراتيجية التي تفتقر للعديد من عناصر التفوق بها، وتسعى لتعويضها بمضاعفة كميات السلاح، بحسب مراقبين.
صفقات التسلح
وفي استعراض لأبرز الصفقات العسكرية، تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى من حيث الدول التي عقدت الدولة معها صفقات سلاح لهذا العام، إذ أعلنت البنتاغون في يوليو الماضي عن تفاصيل صفقة سلاح ضخمة باعتها للإمارات، ضمت 160 صاروخ باتريوت بقيمة إجمالية تناهز ملياري دولار.
إلى جانب صفقة تسليح تمت في بداية 2015، اشترت فيها الإمارات بقيمة270 مليون دولار مدافع ميدان وأنظمة ملاحية ومعدات عسكرية، وهي جزء من صفقة أكبر تستمر مراحلها، وتقتضي حصول الإمارات على 4569 مركبة مجدّدة مقاومة للألغام، مقابل 2.5 ملياردولار، تلتها صفقة أخرى تتضمن أنظمة صاروخية بعيدة ومتوسطة المدى بقيمة 900 مليون دولار.
وعلى صعيد العلاقات مع روسيا كانت وكالة سبوتينك الروسية، أشارت في أغسطس الماضي إلى أن الإمارات تبدي اهتماماً بمنظومة مركبات “أوران-9” الروبوتية الحديثة، التي لم تدخل بعد الخدمة لدى أي جيش في العالم، فيما كانت الناطقة باسم الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري – التقني، ماريافوروبيوفا، أعلنت نهاية أغسطس أيضا أن توقيع عقد لتوريد مقاتلات “سو-35″إلى الإمارات ممكن قبل نهاية عام 2017.
كما كشف موقع صحيفة “نيكي” اليابانية مؤخرا، أن حكومة الإمارات تتفاوض مع نظيرتها اليابانية، على شراء طائرات جوية من طراز سي-2 مشيرةً إلى أنه يبلغ سعر الطائرة الواحدة 19 مليار ين (173 مليون دولار). في حين قال تلفزيون دويتشه فيله في أبريل الماضي إن ألمانيا وافقت على تمرير صفقات أسلحة كبيرة اشترتها الإمارات بما فيها ذخيرة من العيار الثقيل وبيع عدد(203448 ) من صواعق لقذائف 40 ملم، فضلا عن 126 مليون يورو(134 مليون $) قيمة الدروع والطلاء للمركبات العسكرية.
أما ذروة هذا الإنفاق العسكري للعام2017 فكانت خلال المعرض الدولي “آيدكس”، و معرض الدفاع البحري (نافدكس2017)، في شباط الماضي حيث أعلنت القوات المسلحة أن اجمالي قيمة الصفقات التي أبرمتها في المعرض بلغت 19 ملياراً و177 مليون و443 الف و973 درهم، أي ما يعادل 5 ملياراً و256 مليون و590 ألف و826 دولار أميركي، مشيرة إلى أنها أبرمت خلال المعرض 90 صفقة على مدى 5 أيام شملت صواريخ روسية مضادة للدروع وذخائر ومعدات أميركية.
وكان معهد شؤون الخليج في واشنطن كشف عن شراء الإمارات صواريخ ومدافع رشاشة وبنادق بقيمة 100 مليون دولار من كوريا الشمالية أيضا، رغم الحظر الدولي المفروض على التعامل مع بيونغ يانغ.
أين تذهب هذه الأسلحة
وحول استخدام هذه الأسلحة التي تشتريها الدولة، زعم تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا الصادر في مايو الماضي، عن قيام أبوظبي بتصدير الأسلحة إلى مناطق الصراع في اليمن وليبيا بما يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولية، لا سيما حظر تصدير الأسلحة إلى أطراف الصراع في ليبيا، وعدم التزام الإمارات وحلفاؤها بشرط رخص الأسلحة، مما يتسبب بإذكاء الصراعات المسلحة.
وسبق أن أعلن اللواء المنشق خليفة حفتر الذي يقود الحرب الأهلية في ليبيا أن أبوظبي تقدم الدعم المالي والإسناد العسكري له ولقواته. فيماكان تقرير لخبراء من الأمم المتحدة كشف في يونيو عن عملية تسليم شحنات مروحيات قتالية من طراز (مي-24 ب) مصنوعة في بيلاروسيا، اشترتها الإمارات عام 2014، ليتبين وصول هذه الشحنة في أبريل 2015 إلى قاعدة الخادم الجوية في شرق ليبيا، معقل قوات حفتر.
وفي اليمن تُتهم أبوظبي بأنها تبني ميليشيات يمنية تخضع لنفوذها منذ أن قلَّصت وجود قواتها على الخطوط الأمامية، حيث تنشط ميليشيات الحزام الأمني وغيرها من الميليشيات التي تشرف عليها الإمارات وتمدها بالمال والسلاح في عدد من المحافظات اليمنية.
وكان موقع «ميدل إيست آي» زعم أيضا أن الإمارات استغلت سوق السلاح الصربية لتوزيع الأسلحة على حلفائها في الشرق الأوسط، ومن هذه الصفقات، اتفاق تتجاوز قيمته 200 مليون دولار بين شركة الأسلحة الصربية Yugoimport SDPRوبين الشركة الإماراتية القابضة للبحوث المتقدمة والتكنولوجيا في معرض الدفاع الدولي في أبوظبي عام 2013.
ويتساءل مراقبون، عن الجدوى التي تجنيها أبوظبي من وراء هذا الصفقات العسكرية التي تؤدي إلى إذكاء الصراعات في عدد من الدول بحثا عن نفوذ بثمن استقرار وسلام شعوب المنطقة، خاصة مع استمرار حث إيران التي تحتل جزرنا المحتلة على التفاوض، دون أي تلويح باستخدام هذه القوة لديها.
ولكن في المقابل، يقول أنصار السياسة الدفاعية في الدولة، إن تهديدات الحوثي الأخيرة بضرب العاصمة أبوظبي بالصواريخ يمثل أفضل تبرير لصفقات السلاح هذه. معارضون لهذه السياسة الدفاعية، أكدوا أن تهديدات الحوثي غير حقيقية، ولا تستدعي كل هذا الإنفاق، الذي بدأ قبل التهديدات بكثير، على حد تعبيرهم.
*الامارات71