ما يزال من القضايا الشائكة.. نفط الحدود: القاتل الصامت في العلاقات اليمنية – السعودية

محرر 224 أبريل 2022
ما يزال من القضايا الشائكة.. نفط الحدود: القاتل الصامت في العلاقات اليمنية – السعودية

ما يزال نفط الحدود من القضايا الشائكة في العلاقات اليمنية – السعودية، وما يزال ذلك الملف الغامض الموجِّه الرئيسي لطبيعة العلاقات بين البلدين الجارين، وهو ما يفسر قلق السعودية من الأزمات السياسية في اليمن، وتدخلها المستمر في شؤون البلاد، خصوصا في محطات التحول الكبيرة، ومبعث ذلك القلق ناجم من مخاوف ظهور نظام حكم جديد متحرر من وصاية المملكة على اليمن، ويتجه إلى استخراج ثروات البلاد وحمايتها من النهب الذي يتم بواسطة الحفر الأفقي في المناطق الحدودية بين البلدين، وبالتالي تحويل اليمن إلى بلد نفطي منافس للمملكة، ويتمتع بامتيازات إضافية بفضل الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبلاد.

بدأ الحديث عن نفط الحدود بين اليمن والسعودية، والثروات النفطية والمعدنية التي لم تكتشف ولم تستخرج في اليمن بعد، منذ العام 2010، ثم أثير ذلك الملف بقوة خلال العام 2011 والأعوام التالية. ونظرا لأن ذلك تزامن مع تصاعد الحراك الشعبي ضد نظام علي صالح خلال العام 2010، ثم اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 تزامنا مع ثورات الربيع العربي، فإن السعودية ألقت بكل ثقلها لكبح موجة التغيير في اليمن بشكل متسلسل ومدروس، حتى اندلاع عملية “عاصفة الحزم” في مارس 2015، وتوقفت المعارك ضد مليشيا الحوثيين والقوات الموالية لعلي صالح في تخوم المحافظات التي تتواجد فيها الثروات النفطية والغازية، ثم تعمدت السعودية والإمارات تجميد تصدير النفط والغاز، وحولتا بعض المنشآت النفطية والغازية إلى قواعد عسكرية.

 

– نفط الحدود.. مطامع لا نهاية لها

تُظهر الخرائط الجيولوجية منطقة الربع الخالي في وسط شبه الجزيرة العربية من أغنى المناطق في العالم من حيث احتياطي الثروات النفطية، وتشترك السعودية واليمن بخط حدودي يخترق مساحات محدودة من الأجزاء الجنوبية لصحراء الربع الخالي، غير أن مساحة اليمن تقلصت خلال مراحل مختلفة، حيث استولت السعودية على مساحات واسعة من الأراضي اليمنية، سواء من خلال الحروب، أو المناوشات المحدودة، أو التفاوض ودفع الرشى لكبار المسؤولين، أو اتفاقيات ترسيم الحدود، أو استغلال ضعف الدولة اليمنية لقضم مزيد من الأراضي، كما يحدث في الوقت الحالي، حيث سبق أن تطرقت مصادر إعلامية إلى التواجد المكثف للقوات السعودية في الخط الحدودي بمحافظة الجوف وغيرها والسيطرة على أراضٍ يمنية وبناء منشآت عسكرية فيها، بزعم مساندة السلطة اليمنية الشرعية في حربها على مليشيا الحوثيين.

بدأت السعودية بإنتاج وتصدير النفط رسميا من أراضيها في أربعينيات القرن الماضي، ثم توالت عمليات التنقيب عن حقول نفط جديدة بشكل متسارع في أراضي المملكة منذ ذلك الحين، فشهدت المملكة انتعاشا اقتصاديا كبيرا بفضل عائدات النفط، وعلى إثر ذلك ازدادت مطامعها بتلك الثروة، وركزت جهودها على تصفية مسألة نفط الحدود مع دول الخليج المجاورة لها، سواء من خلال الاستحواذ على حقول نفطية، مثل الاستيلاء على حقول الشيبة النفطية في الحدود مع دولة الإمارات، أو تقاسم الإنتاج والتصدير من الحقول الواقعة في بعض المناطق الحدودية، مثل الحقول الواقعة في حدود المملكة مع البحرين والكويت كلٍّ على حدة.

أطماع المملكة في نفط جيرانها داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، يعني أن أعينها كانت -وما زالت- على نفط اليمن في المناطق الحدودية بين البلدين، لكن يبدو أن ذلك الملف كان يُدار بسرية تامة، ولعل تأخر اليمن في إنتاج النفط وتصديره كان له دور في جعل مسألة نفط الحدود طي الكتمان، خصوصا أن بدء اليمن بالتنقيب عن النفط وتصديره تزامن مع تغلغل النفوذ السعودي في شمالي البلاد بسبب العلاقة القوية التي كانت تربط بين رئيس البلاد علي عبد الله صالح والعائلة الحاكمة في السعودية، والتي كان لها دور في وصول علي صالح إلى منصب الرئاسة.

وقبل بدء اليمن باستخراج وتصدير النفط من محافظة مأرب، كان النفوذ السعودي يتسلل إلى البلاد عبر ما تسمى “اللجنة الخاصة” التي تشكلت بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 لإدارة دعم المملكة للأئمة من آل حميد الدين في اليمن، وكان يرأسها الأمير سلطان بن عبد العزيز، الممسك بالملف اليمني، منذ تشكيلها وحتى وفاته في أكتوبر 2011، وظلت اللجنة تدفع مخصصات مالية سنوية أو شهرية لبعض بقايا النظام الإمامي المشاركين في النظام الجمهوري، وفق المصالحة الوطنية التي رعتها السعودية بين الطرفين عام 1970، بالإضافة إلى مخصصات مالية تُدفع لبعض كبار مسؤولي الدولة وبعض مشايخ القبائل لضمان ولائهم.

بيد أنه بعد البدء باستخراج وتصدير النفط من محافظة مأرب في ثمانينيات القرن الماضي، شهد النفوذ السعودي في اليمن تحولا كبيرا، فاللجنة الخاصة التي كانت تدفع مخصصات مالية لبعض كبار مسؤولي الدولة وبعض مشايخ القبائل في شمال الشمال، اتسع نشاطها لدرجة أن المشمولين بالرواتب والمخصصات المالية الشهرية والسنوية تجاوز عددهم 1500 شخص، وفق بعض الروايات.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل فقد وسعت السعودية تغلغلها الناعم على طول الشريط الحدودي بينها وبين اليمن، واختلفت أدوات ذلك التغلغل من محافظة إلى أخرى، ففي محافظة المهرة بدأت المملكة باستقطاب عدد من كبار مشايخ القبائل ومنحتهم الجنسية السعودية والإقامة في أراضيها، وفي محافظة حضرموت منحت التجار ومشايخ القبائل امتيازات خاصة تشمل التجنيس والاستثناء من قوانين ممارسة النشاط التجاري الواسع في أراضيها، واقتصر الأمر في محافظات شمال الشمال على توسيع المشمولين بالرواتب والمخصصات المالية الشهرية والسنوية المقدمة من “اللجنة الخاصة”، والتي تذهب لصالح كبار مشايخ القبائل وبعض كبار مسؤولي الدولة، وفي مقدمتهم الرئيس علي صالح، يضاف إلى ذلك فتح باب الاغتراب للعمالة اليمنية ومنحها تسهيلات كبيرة.

وبناء على ما سبق، ما الذي يعنيه هذا النشاط والتغلغل السعودي الناعم على امتداد الجغرافيا اليمنية، والذي بدأ بعد استخراج وتصدير النفط من محافظة مأرب، ثم توالي التنقيب والاستخراج والتصدير من محافظات أخرى؟ وهل يكشف ذلك أن للمملكة نوايا سيئة إزاء اليمن وثرواته وأنها تسعى لاستقطاع أراض يمنية جديدة والسيطرة عليها، تكرارا لسيناريو السيطرة على نجران وعسير وجيزان؟ وما الذي تعنيه المعطيات الحالية على الأرض، وتعمد المملكة إنهاك البلاد وإضعافها؟ وما موقف اليمنيين الذين يعانون من الفقر والجوع وهم يعيشون فوق آبار من الثروات وهناك من يتربص بهم لنهبها ليزداد ثراء إلى ثرائه ويزدادون فقرا إلى فقرهم؟

 

– نفط اليمن.. هل الصراع قادم؟

بعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، بدأت تنقشع الكثير من الأسرار حول حقائق النفط في اليمن، حيث تكررت تصريحات رسمية تتحدث عن امتلاك اليمن مخزونا كبيرا من النفط، وسط اتهامات للرئيس علي عبد الله صالح بالاستجابة لضغوط السعودية بإيقاف التنقيب عن النفط واستخراجه وتصديره، وأنه تم بالفعل إيقاف عمليات تنقيب كانت قد بدأت قبل عقود في محافظتي الحديدة والجوف، واتهام السعودية بنهب نفط اليمن من خلال الحفر الأفقي في المناطق الحدودية، خصوصا في محافظة الجوف، ومنح علي صالح وأقاربه مبالغ مالية كبيرة من عائدات نفط اليمن المنهوب.

وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1992 كشفت دراسة جيولوجية أمريكية بعنوان “الكنز المخفي في اليمن” عن وجود بحيرة نفطية هي الأكبر في الجزيرة العربية تقع ما بين محافظات مأرب، والجوف، وشبوة، وحضرموت، وأبين.

وذكرت الدراسة -التي أعدتها شركة مسح عالمية متخصصة في الاستكشافات النفطية- أن خطأً جيولوجيًا تسبب في تجمع البحيرة النفطية في المنطقة، موضحة أن البحيرة النفطية بدأت في التجمع قبل حوالي 150 مليون عام، عندما كانت قارة آسيا لا تزال مرتبطة بأفريقيا في قارة واحدة.

وأوضحت الدراسة أن تجمع البحيرة حدث قبل 100 مليون عام من تشكل خليج عدن وانفصال قارة أفريقيا عن آسيا، وأخذت أول علامة الخطأ الجيولوجي الذي نتج عنه ذلك المخزون شكل الحرف (Y) داخل الأجزاء الداخلية للقشرة الأرضية.

وفي عام 2010، قال وليام إنجدل، المحرر الرئيسي في موقع “جلوبال رسيرش” الأمريكي، إنه حصل على معلومات من مصدر أمريكي مطلع مفادها أن اليمن لديه من النفط ما يغطي احتياجات العالم لخمسين سنة مقبلة، وأعد دراسة ذكر فيها أن اليمن تعد واحدة من أهم احتياطيات النفط غير المستغلة في العالم، وذلك بسبب الاحتياطيات النفطية غير المستغلة في المناطق الحدودية بين السعودية واليمن، لافتا إلى أن حوضي المسيلة وشبوة من أهم الحقول الاستكشافية النفطية في العالم، وفق شركات النفط العالمية.

وفي يناير 2013، كشفت محطة “سكاي نيوز” البريطانية أن أكبر منبع نفط في العالم يصل إلى مخزون نفطي تحت الأرض يوجد في اليمن، ويمتد قسم منه إلى السعودية بجزء بسيط على عمق 1800 متر، لكن المخزون الكبير تحت أرض اليمن، ويعد الأول في العالم من الاحتياطي النفطي. وأوضحت “سكاي نيوز” أنه إذا كانت السعودية تمتلك 34% من مخزون النفط العالمي، فإن اكتشاف هذه الآبار من النفط يجعل اليمن يمتلك 34% من المخزون العالمي الإضافي.

وبينت المحطة البريطانية أن السعودية عرضت على الجمهورية اليمنية أن تدفع لها سنويا 10 مليارات دولار مقابل منحها امتياز استخراج النفط من اليمن لمدة خمسين عاما، لكن اليمن لم توافق، لافتة إلى أن الصراع على الطاقة في العشرين عاما المقبلة سيكون كبيرا بشأن الطاقة في اليمن، كما سينشب صراع بين موسكو وواشنطن على استثمار النفط في اليمن.

وفي العام 2013، ذكرت مصادر إعلامية أن وزارة وشركة النفط على معرفة مسبقة بجميع المعلومات المتعلقة بالنفط في اليمن، وأنه لديهما خرائط جيولوجية عن الحقل النفطي الممتد مع الحدود السعودية، وفي محافظات مأرب وشبوة والجوف وصحراء الربع الخالي، وأن نظام علي صالح أخفى تلك الخرائط وجمد الاستكشاف والتنقيب في تلك المناطق.

وفي العام نفسه، أفادت مصادر إعلامية بأن الاكتشافات النفطية في محافظة الجوف المحاذية للسعودية من شأنها جعل اليمن أحد أكبر مصدري النفط في المنطقة، حيث بمقدور اليمن تصدير ما يصل إلى مليوني برميل يوميا من نفس المحافظة، وذكرت المصادر أن الرئيس عبد ربه منصور هادي تسلم حينذاك تقريرا رسميا يؤكد أن محافظة الجوف تتضمن حقلا نفطيا كبيرا يمثل ثالث أكبر حقل نفطي في الجزيرة العربية، وسيكون إنتاجه بمعدل مليوني برميل يوميا.

 

– من منع التنقيب إلى منع التصدير

تحاول السعودية فرض وصايتها على نفط اليمن منذ عقود، بل فهناك من يتهمها بالحفر الأفقي وسرقة نفط اليمن في المناطق الحدودية، وتُتهم أيضا بمنع التنقيب عن النفط حتى في عمق الأراضي اليمنية. وفي مطلع أبريل الجاري، قال رئيس لجنة الاعتصام بمحافظة المهرة، الشيخ علي سالم الحريزي، إن السعودية منعت التنقيب عن النفط في محافظة المهرة وغيرها في ستينيات القرن الماضي.

وخلال الأزمة السياسية بين حزبي المؤتمر والاشتراكي، عام 1993، وجهت السعودية رسائل إلى عدد من الشركات النفطية الأجنبية العاملة في اليمن، وطلبت منها التوقف عن التنقيب بذريعة أن مناطق الثروات النفطية أراض متنازع عليها، كما أن السعودية ظلت تمنع شركات التنقيب عن النفط من الاقتراب من المناطق الحدودية، فضلا عما يشاع من أن الرئيس الأسبق علي صالح كان متواطئا معها مقابل الحصول على مخصصات مالية كبيرة تذهب لصالحه ولصالح أفراد عائلته.

وبعد تدخل السعودية والإمارات عسكريا في اليمن، منذ مارس 2015، وضعت الدولتان أيديهما مباشرة على حقول النفط في اليمن، ومنعتا تصدير النفط والغاز، وتحولان دون اقتراب مليشيا الحوثيين من حقول النفط، وتمنعان السلطة الشرعية من تصدير النفط والغاز إلا بكميات قليلة جدا، وحولتا بعض المنشآت النفطية إلى ثكنات عسكرية، ولعل الأسوأ لم يأتِ بعد بشأن نفط اليمن وغيره من الثروات الطبيعية في البلاد.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق