بقلم - محمد دبوان المياحي
قال ياسين سعيد نعمان : “لا ينفع أن يتحول الاغتيال الذي يحدث هنا أو هناك إلى تكريس السير في هذا الطريق بخطاب أحمق يحرض ضد هذا الطرف أو ذاك”
لكأن المنظِّر الشائخ يطلب من أولياء دم الضحية ألا يبالغوا في البحث عن العدالة، ألا ينتظروا تضامنًا من أحد معهم، بل لكأن البحث عن تضامن تحريض ضد القتلة وضده هو وحزبه كطرف مطالَبٍ بإدانتهم.
هذا الخطاب ليس فيه تملص من إدانة الإغتيال فحسب؛ بل يتضمن ما هو أبعد من ذلك، هو خطاب يهوِّن من الجريمة ويدعو لتجاوزها، منطق يحتقر الضحية ويسخر من مطالب العدالة، ثم لا ينسى أن يحذر ويهدد من فتح هذا النوع من الملفات، كونها تمثل مستنقعًا من مستنقعات الحرب.
إحالة الجريمة نحو ملفات العدالة الإنتقالية، هو سلوك يشرعن للجريمة الحالية ويبررها تحت حجة الثأرات المتبادلة، هذا انحدار خطير في لغة السياسة. في حضرة القتل من المخجل أن يخرج السياسي لتفسير الجريمة ومنحها صبغة تبريرية، هذه مساهمة في استباحة الأخر، واستجرار الذاكرة لخفض شناعة الحادثة.
لا أدري ما الذي يُغضب ياسين سعيد نعمان، كيف يتحول من مفكر سياسي؛ لناشط يستشيط غضبًا أمام من يطالبه بإدانة القتل، ويتلوى للبحث عن تخريجات للجريمة. كأن يمكنك أن تدين القتل بلغة واضحة؛ بدلا من هذه الأحابيل المرهقة، منطق النزاهة مريح، وحدها التواطؤات تتطلب جهدًا لمواراتها.
أنت لن تحمي الإصلاح بموقفك المدين للجريمة يا نعمان، بل تحمي وجودك من الانكشاف القيمي، تحمي حقك بالحياة دون أن يعترضك أحد بالأذئ وتحمي مستقبل أطفالك من إرث العداوات بتعزيز حرمة دمهم كحرمة دم خصومك الآن وكل من يطالبونك بإدانة ما يتعرضون له.
يقول نعمان: الحل هو أن يغادر الجميع هذه الرذيلة_يقصد رزيلة القتل_حينها فقط سنرى في “الآخر المختلف” أشياء جميلة لا نستطيع أن نراها مع هذا الغث الذي تحجبه رذيلة التآمر.
هذا اتهام ضمني ومضحك للضحية بكونه مشارك بالقتل_حتى لو افترضنا أنه يشير بالتهمة نحو الماضي_ وهي تهم بلا دليل، بل هي تهمة تفضح من يحاول التنصل من مسؤوليته وتكشف دوافعه في الصمت.
كما أن في حديثه، اعتراف ضمني أخر بعدم استعداده للتضامن مع الإصلاح، واعتراف ثالث وصريح بقبح الصورة الحالية لحزبه، بل وتمسكه بها، لكأنه يقول لخصومه: لا يمكنكم أن تروننا جميليين، ما دمتم موجودين، قبحنا هو انعكاس لقبحكم في أذهاننا_لكنه ينسى أن اعتراف المرء يظل مقصورا ع نفسه_ما ترونه تآمر عليكم هو لأنكم تآمرتم علينا في الماضي. ونفترض أنكم ما تزالون متآمرين.
لا يمكنكم أن تحرجونا إذا، لن تستطيعوا أن تدفعونا للتضامن معكم، قبل أن تغادروا وتتخلوا عن طموحكم في السلطة، يتوجب أن تعودوا رعايا مستضعفين؛ كي نتعاطف معكم، أما أن تزاحموا ع السلطة وتطالبونا بالاعتراف بحقكم فيها وإدانة ما تتعرضوا له، فهذا ما لا يمكننا فعله.
يا لها من فضيحة وعار كبير، لا أدري ما مصلحة الاشتراكي، في توفير غطاء للقتلة في الجنوب، ما مصلحة حزب يساري عتيق، يقدس الإنسان ويتغنى بالشعارات المدنية، ثم ينتهي به الحال، كلسان يلعق دم الضحايا وقفازة يمسح بها القتلة الدماء ويجلسون لمواصلة الجريمة.
نخبة معجونة بالضغينة، أخجل من كوني مؤمن بالفكرة اليسارية، أخجل أن هذه صورة اليسار، غادروا أيها السفلة، كي نحمي وجودنا من تفاهتكم. جيلنا يدفع ثمن صراعات الماضي ونخبه الحاقدة. اغربوا عن وجوهنا، قوم بلا شرف.