وقفت الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر، وغير مباشر، ضد معركة مأرب التي يخوضها الجيش اليمني مع جماعة الحوثي، التي حاولت مرارا السيطرة عليها، طمعا بثرواتها، وتغيير المشهد السياسي.
لم تفلح محاولات الحوثي تلك بالسيطرة على مأرب، لكنها كشفت حجم رغبة الإمارات بوقوع الحكومة في كماشة الجماعة، لتظل هي في بعض المحافظات الجنوبية المتحكّمة بالوضع هناك.
ومؤخرا، كشف تقرير، صادر عن ‘مركز أبعاد للدراسات والبحوث’، تلقي جماعة الحوثي أسلحة إماراتية وأمريكية، في إحدى هجماتها الأخيرة على مأرب، متهما أبوظبي بتقويض سلطة الحكومة.
وبحسب المركز، فقد حصلوا على معلومات أمنية توضّح أن جماعة الحوثي استخدمت 30 مدرّعة أمريكية في هجومها على مأرب، بعضها مسجّلة باسم الجيش الإماراتي، وقعت في أيدي الحوثيين، الذين يقومون -لاحقا- بإدخالها ورش تصنيع لتكثيف تدريعها.
وبالتزامن مع معارك مأرب، غالبا ما يقوم كُتاب عرب وناشطون موالون للإمارات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل لافت، بمهاجمة الحكومة والموالين لها كحزب ‘التجمع اليمني للإصلاح’، وذلك لصالح جماعة الحوثي والانفصال، واعتبار ما يحدث هناك طوق نجاة لخلاص اليمن من أزمتها الراهنة.
مخطط إماراتي
تهدف الإمارات من الوقوف وراء مثل تلك الحملات، كما يرى المحلل السياسي محمد الغابري، إلى إبعاد الحوثيين عن المحافظات الجنوبية، ومضيق ‘باب المندب’.
في الوقت نفسه، أنشأت ما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، وجنَّدت له مليشيات، ليكون ممثلا لتلك المحافظات، وبالتالي العودة إلى الحالة الشطرية في البلاد، كما أفاد الغابري لـ”بلقيس”.
إضافة إلى ذلك، فإن مأرب -بحسب الغابري- تمثل معقلا للشرعية التي تريد أساسا الإمارات إنهاءها.
وعن أسباب ذلك، ذكر أنها ترغب بأن يكون الشمال للحوثي بدون مضيق ‘باب المندب’، و’المخا’، وربّما حتى نهاية الساحل الغربي، على اعتبار أنه يشكّل وجودا إيرانيا، وتهديدا للملاحة في البحر الأحمر.
بالمقابل، يكون الانتقالي -إن سقطت الشرعية- المنظمة التي يمكن أن تبدأ إجراءات انفصالية بحوار وتفاوض مع الحوثيين، أو حتى بدون، لأن سلطة الجمهورية اليمنية -في حالة سقوط الشرعية- لم تعد موجودة، وفق الغابري.
من الناحية العملية، يبدو للمحلل السياسي الغابري أن ذلك غير مُمكنٍ، فالانتقالي ليس لديه حدود دنيا من إمكانية إقامة دولة، فضلا عن كونه مرفوضا من الأغلبية في المحافظات الجنوبية.
إضافة إلى أنه -وفقا للقوانين الدولية- لا يعترف بسلطة مثل ‘الانتقالي’، كما أن سلطة الحوثي لن تكون ممثلة للجمهورية اليمنية، ولا يمكن أن تكون ممثلة لكيان غير موجود (“الجمهورية العربية اليمنية”، الدولة في شمال اليمن قبل الوحدة)، وبالمثل لا يمكن أن يكون ممثلا لكيان غير موجود ممثلا بـ “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” سابقا (الدولة في جنوب اليمن قبل عام 1990)، ومن ثم لا يمكن تمثيل معدوم -حسب إفادة الغابري.
إفراغ المعركة من مضمونها
وليس بعيدا عن ذلك، يؤكد المحلل السياسي ياسين التميمي أن الحملات تلك تأتي انعكاسا لتوجّه إماراتي، يدفع باتجاه استثمار الهجوم العنيف الذي ينفذه الحوثيون على مأرب من وقت إلى آخر.
لأن الأهداف المباشرة لهذا الهجوم تتناغم -بحسب تصريحات التميمي لـ”بلقيس”- مع الأهداف الإماراتية، التي ترى أهم معاقل السلطة الشرعية مجرد ملاذات آمنة لما تسميهم “الإخوان المسلمين”.
واستطرد “لهذا، هي تدفع باتجاه تصعيد حملة تشويش إعلامية بالتزامن مع المعارك في مأرب، تهدف إلى إفراغها من مضمونها الوطني، وبُعدها الجمهوري الوحدوي، وتداعياتها الإنسانية الخطيرة”.
لتبدو معركة مستحقة ضد مأرب، ومئات آلاف اليمنيين الذين يسكنون فيها، فهي حملة تخفي إصرارا إماراتيا لإعادة السيطرة على شبوة، وتقاسم النفوذ مع ملشيا الحوثي الانقلابية، على حد قول التميمي.
أطماع أبوظبي
منذ تدخل التحالف العربي في اليمن، عام 2015، وأنظار الإمارات متجهة نحو أهداف محددة، اتضحت أكثر مع مرور الوقت.
أحكمت الإمارات السيطرة على السواحل اليمنية عبر مليشياتها التي شكّلتها في محافظات الجنوب، وهي أيضا تحرص على التواجد في ‘بلحاف’ بشبوة الغنية بالغاز، وترفض الانسحاب منها، وفق تأكيد مسؤولين حكوميين.
وكشفت، مؤخرا، وكالة ‘أسوشيتد برس’ عن قِيام الإمارات بإنشاء قاعدة في جزيرة ‘ميون’. علماً بأنها حاليا تسيطر على جزيرة ‘سقطرى’، التي تقوم بتسيير رحلات جويّة إليها دون تنسيق مع الحكومة، فضلا عن حديث وسائل إعلام عن وجود تعاون استخباراتي بين أبوظبي و’إسرائيل’ في الأرخبيل.
يُذكر أن مأرب أصبحت واحدة من أكثر المحافظات التي يوجد بها نازحون، وهم يعانون كثيرا، بسبب تكرار هجمات الحوثي عليها، واضطرارهم إلى التنقّل من مكان لآخر، بحثاً عن الأمان.
*قناة بلقيس