بقلم - أبو زين
لعل أهل سيئون وحدهم ومعهم المهجرون قسراً من المحافظات اليمنية خلال السنوات الماضية واختاروا الاستقرار في الطويلة يدركون التغير الملحوظ في الأداء الأمني والعسكري للأجهزة المكلفة بتأمين المدينة “النائية” عن حرب أحرقت كل المدن سواها.
هذا فضلاً عن التحركات الواسعة والتي لا تخطئها العين لمسئولي السلطة المحلية ومختلف المؤسسات التابعة للدولة والموالية بطبيعة الحال للحكومة الشرعية اليمنية والرئيس عبدربه منصور هادي. كل ذلك كان يلحظه أبناء سيئون خلال الأسابيع والأشهر الفائتة، والشكوك تساور الجميع دون استثناء: هل بدأت الشرعية نقل سلطتها المعتدى عليها و”عفشها” المنهوب من العاصمة المؤقتة باتجاه سيئون، أو بالأحرى: هل تكون سيئون العاصمة المؤقتة الثانية لليمن بعد أن سقطت عدن.
همهمات الناس هنا تحولت إلى أحاديث والأحاديث باتت أخباراً نطالعها عبر تسريبات تنقلها مصادر إعلامية عن تحركات جدية يقودها وزير الداخلية، اللواء إبراهيم حيدان، والذي كان أول وأبرز رجال الشرعية الواصلين إلى عاصمة وادي حضرموت، وذلك لتهيئة الأرض (سياسياً وأمنياً وعسكرياً) لتوافد أعضاء الحكومة الشرعية في الفترة القادمة.
وصل حيدان في أواخر إبريل الماضي بعد أن ضيق الإنفصاليون عليه وعلى وزراء الشرعية الأرض والسماء في عدن، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تتوقف اجتماعات حيدان بمختلف المكونات الاجتماعية والسياسية والقبلية في سيئون، بالإضافة إلى زياراته المتكررة لمطار المدينة وتكثيف التواجد الأمني فيه، وهو ما يفتح تساؤلاً مثيراً: هل يفعلها الرئيس هادي ويصعق الجميع وينقل عاصمة سلطته من عدن؟ هل يستطيع أصلاً اتخاذ مثل هكذا قرار سيكون له ما بعده؟!
وبالنظر إلى سيئون فقد تكون بالفعل المدينة الأكثر ملائمة للرئيس هادي لإعادة إحياء سلطة الحكومة الشرعية التي دخلت مرحلة موت سريري منذ انقلاب عدن المشئوم في 2019م. وتتجمع جملة من الأسباب الجيوسياسية والاستراتيجية والجغرافية لتضع سيئون في المرتبة الأولى بين المدن المحررة التي يمكن أن تكون صالحة لإقامة عاصمة جديدة (مؤقتة) لليمن، فهي المدينة النائية تماماً عن حرب اليمن منذ انطلاقها في مارس 2015م، ولعل السبب في ذلك هو بعدها الجغرافي الشاسع عن مناطق الصراع. كما أن المدينة تعد في الأصل مركز ثقل عسكري قوي للحكومة الشرعية وتتمركز بها حالياً أقوى منظومة عسكرية في الجيش الوطني (المنطقة العسكرية الأولى)، والتي تحتفظ بكافة تشكيلاتها ووحداتها العسكرية وتجهيزاتها وأسلحتها، وتفرض سيطرتها المطلقة على منطقة الوادي والصحراء.
وسياسياً يرى يمنيون إن سيئون ملائمة أكثر من غيرها باعتبار إخلاص قيادتها المحلية للدولة الشرعية ومدنية مجتمعها، هذا فضلاً عن كون سيئون صاحبة الفضل الأكبر على الشرعية باستضافتها أول جلسة لمجلس النواب اليمني بعد الإنقلاب، ورد الجميل لهذه المدينة سيكون بإعلانها عاصمة مؤقتة بدلاً عن عدن.
ومن الناحية الجيوسياسية فنظراً لبعد سيئون عن خطوط التماس ومناطق المليشيات فهي بمنأى عن صواريخ الحوثيين الباليستية وطائراتهم المسيرة، ولا يتطلب الأمر أكثر من تدعيم تحصينات المدينة بمنظومة دفاع باتريوت.
كما أن سيئون وصلة ربط حيوية بين الشرق (المهرة وعمان) والغرب (مارب والجوف) والشمال (السعودية) والجنوب (المكلا)، وتعيش في الأصل فترة ازدهار اقتصادي.
كل هذه الأسباب تدفع اليمنيين إلى الاصطفاف خلف الأصوات المنادية بأحقية سيئون قبل غيرها في أن تكون عاصمة جديدة لليمن، ومع ما تعيشه الشرعية من ضغوط دولية غير مسبوقة بسبب تقزم سيطرتها على الأرض فإن سيئون تمثل طوق النجاة لسلطة توشك أن تغرق، فهل يفعلها الرئيس؟