تخوّف دولي من تحول لبنان إلى منصة لإغراق العالم العربي ودول أخرى بالمخدرات

محرر 25 مايو 2021
تخوّف دولي من تحول لبنان إلى منصة لإغراق العالم العربي ودول أخرى بالمخدرات

كشف تهريب شحنات مخدرات من لبنان إلى دول عربية وأوروبية، عن الحاجة إلى تفعيل الإجراءات الأمنية اللبنانية وإقفال المعابر غير الشرعية التي يستخدمها المهربون، الذين حوّلوا البلاد إلى ممر ومصدّر للمواد المخدرة شرقاً وغرباً. وتشير معلومات أمنية إلى أنه طيلة الأعوام الماضية، تم توقيف أكثر من 15 ألف متورط بملف المخدرات، وإحباط عشرات محاولات التهريب، إلا أن ارتباط تلك العصابات بسياسيين نافذين كان سبباً لتقويض الجهود الأمنية.

ووفق معلومات أمنية، فإن حملة واسعة النطاق بدأت لمحاصرة التهريب بين لبنان وسوريا، كما بات واضحاً التشدد العسكري والأمني اللبناني المستجد على طول خطوط التهريب من منطقة راشيا في البقاع، وبين أكروم ووادي خالد وعكار (شمال لبنان). وأسفر ذلك عن إحباط محاولات تهريب عدة واعتقال عشرات المهربين، إضافة إلى إقفال عدد من المعابر غير الشرعية.
وتؤكد المعلومات أن جهوداً دولية كبيرة تبذل لدعم الجيش في ضبط الحدود، وأن تنسيقاً أمنياً يتم بين أجهزة الأمن اللبنانية وأخرى دولية لضمان نجاح وقف التهريب، لا سيما أن الاستخبارات الغربية بدأت تتوجس من تحوّل لبنان إلى منصة لإغراق العالم العربي ودول غربية بالمخدرات. وتشير تقارير أمنية إلى أن عدداً من مصانع الأدوية في البقاع (شرق لبنان) تحوّل إلى إنتاج حبوب الكبتاغون المخدّرة وأن زراعة القنّب الهندي تنتشر بشكل خطير في المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية.

التنسيق مع السعودية

في السياق، قال وزير الداخلية والبلديات اللبناني في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، إن جولته الميدانية الأخيرة على نقاط العبور الحدودية الممتدة من الشمال إلى البقاع، ومعاينته بعض النقاط التي تستخدم للتهريب، تأتي “للتأكيد على جهود الدولة وأجهزتها الأمنية لمنع التهريب”، مشدداً على أهمية “تعاون الجيش مع الأجهزة الأمنية لضبط الحدود، وإعادة بث ثقافة أضرار التهريب”، وموضحاً أنه تقع “على عاتق الدولة مسؤولية تنشيط الاقتصاد لتطويق هذه المشكلة المزمنة في المناطق الحدودية”.
وأقرّ وزير الداخلية في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “مشكلة التهريب تفاقمت بشكل كبير في الآونة الأخيرة نتيجة الانهيار الاقتصادي الحاصل في البلاد وتلاشي منظومة الأمن الاجتماعي”، إلا أنه أكد “البدء بمتابعة الموضوع وتفعيل ضبط الحدود، لا سيما أن الأوامر التي أعطيت من ​المجلس الأعلى للدفاع​ تصب بهذا الاتجاه، وستتم محاسبة أي مسؤول عن أي فساد أو تهريب”. وقال فهمي “سنكثف إجراءات التفتيش اليدوي على المرفأ بهدف مكافحة التهريب”.
“شحنة الرمان”
أما بشأن شحنة المخدرات الأخيرة التي ضبطتها السعودية في صناديق تحتوي على ثمار الرمان، فأكد فهمي أن “التنسيق مستمر مع الجانب السعودي بهدف مكافحة التهريب، والتحقيقات متواصلة ويتم إطلاع الرياض على التفاصيل”.
ولفت إلى أن الدولة اللبنانية تمكّنت من تحديد هوية المتورطين في شحنة المخدرات، كاشفاً عن أن “الشحنة الأولى لا يزال صاحبها متوارياً عن الأنظار، وعُرفت تفاصيلها واتُّخذت كل الإجراءات اللازمة لضمان توقيفه، في حين أن المتورطين في الشحنة الثانية هم أربعة أشقاء من عائلة واحدة، أحدهم هرب إلى سوريا وآخر إلى تركيا، بينما أوقف اثنان منهما، اعترفا بتزوير شهادة المنشأ وتوضيب المخدرات”.

روسيا على الحدود

بدوره أكد مصدر حكومي لبناني (رفض الكشف عن اسمه) أن الجيش اللبناني بدأ في الآونة الأخيرة ببذل جهود جبارة لضبط الحدود ورصد المعابر غير الشرعية، كاشفاً عن تنسيق أمني مع الشرطة الروسية التي تمارس بدورها ضغطاً على قوات النظام السوري لضبط الحدود من ناحيتها.
ولفت المصدر إلى أن قوات الشرطة الروسية أبلغت دمشق، أنها ترصد نشاط “حزب الله” في إدخال الوقود إلى سوريا بالتنسيق مع الفرقة الرابعة في الجيش السوري، وأن جزءًا منها مخصص للمركبات والآليات العسكرية السورية، وجزءاً آخر تتسلّمه عصابات مشتركة بين البلدين وتبيعه في السوق السوداء، علماً أن هذه العصابات يشترك فيها مسؤولون في الجيش السوري.

ووفق المصدر نفسه، “أُبلغ ماهر الأسد (قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري) بضرورة وقف التهريب من الناحية السورية، لا سيما أن هناك ضغوطاً دولية في هذا الاتجاه”، موضحاً أن “هناك توافقاً بين روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا على ضرورة إقفال المعابر غير الشرعية بين الدولتين”، ومضيفاً أن النظام السوري تلقّى تلويحاً حازماً بإمكانية نشر قوات دولية على الحدود الشرقية للبنان في حال استمر الفلتان الحدودي.

مطبخ إسرائيلي

في المقابل، استنكر الإعلامي فادي أبو دية المقرب من “حزب الله”، الحملات الإعلامية التي تحمّل الحزب مسؤولية التهريب، معتبراً أن “هناك مطبخاً إعلامياً يُدار من جانب إسرائيل، هدفه تشويه صورة المقاومة وتأليب الرأي العام اللبناني والعربي ضد الحزب”. وشدد على أن “حزب الله ليس حرس حدود، ومسؤولية ضبط المعابر وتجار المخدرات تقع على الدولة”، موضحاً أن “هناك مَن يريد تبرئة الدولة من فشلها عبر تحميل الفشل للحزب”.
وأكد أبو دية أن “للحزب معابر خاصة لإمداد عناصره في سوريا وتأمين تنقّلهم”، نافياً أن يكون لتلك المعابر أي علاقة بالتهريب، ولافتاً إلى أن “التنسيق الأمني قائم مع الجيش اللبناني لمنع أي تسرب إرهابي باتجاه الحدود اللبنانية”.

المعابر الشرعية

وتشير المعلومات إلى أنه في وقت تتركّز الأنظار على المعابر غير الشرعية، فإن التهريب عبر المعابر الرسمية أشد خطورة، إذ إن كثيراً من عمليات التهريب يتم بشكل “شرعي” أي عبر تزوير الأوراق الرسمية أو بتواطؤ بين عصابات التهريب وجهات نافذة، الأمر الذي يقوّض الجهود الأمنية لمكافحة التهريب.
ووفق الباحث الاقتصادي يونس كريم، فإن “مرفأ بيروت يستخدم بشكل أساسي لاستيراد النفط ومشتقاته سواء إلى لبنان أو سوريا. ويؤكد ذلك حجم الواردات النفطية التي تفوق حاجة لبنان، حيث يذهب ما يتبقّى منها إلى سوريا إما عبر المطار، أو عبر المعابر الشرعية، أو غير الشرعية المنتشرة على طول الحدود معها”، موضحاً أن “جزءًا من عائدات هذه المحروقات تُستخدم لتمويل الآلة العسكرية لحزب الله”.
وبحسب ما نشر موقع الجيش اللبناني في ديسمبر (كانون الأول) 2017، فإن السلطات البريطانية موّلت إنشاء مجموعة من أبراج المراقبة على كامل الحدود اللبنانية – السورية في السلسلة الشرقية من جبال لبنان، لمصلحة أفواج الحدود البرّية في الجيش اللبناني. إلا أن مصدراً أمنياً أفاد بأن تلك الأبراج لا تغطي سوى 30 كيلومتراً على الحدود الشرقية للبنان.

التهريب باتجاهين

في سياق متصل، رأى الباحث السياسي حارث سليمان أن “مقارنة الأرقام تبيّن نسبة الاستهلاك والاستيراد بين عامي 2017 و2019، مع أرقام عام 2020، إذ تتّضح القفزة الكبيرة في كمية الاستيراد”، مشيراً إلى أن “لبنان هذا العام استورد 3.8 أضعاف الفيول الذي كان يستورده في الأعوام السابقة”.
وأشار إلى أن “التهريب إلى سوريا يتمّ نتيجة شح الدولار هناك، بالتالي عدم قدرة دمشق على الاستيراد، إضافة إلى العقوبات”، لافتاً إلى أنه “في فترات سابقة كانت إيران هي مَن تزوّد سوريا قبل تبدّل الأوضاع في العراق”.
وبحسب سليمان، “ثمة شركات لبنانية تملك تصاريح من وزارة الطاقة والجمارك للتصدير إلى سوريا”، وأن “هذا يؤدي إلى تآكل احتياطيات الدولار لدى المصرف المركزي الذي يدعم هذه المواد، وبدلاً من استنزافها بالاستهلاك في السوق اللبنانية تستنزف باستهلاك السوق السورية”. ولفت إلى أن “عمليات التهريب تتم بالاتجاهين، إذ يصار إلى تهريب مواد استهلاكية وغذائية إلى الداخل اللبناني من تركيا، مروراً بسوريا عبر القصير من دون دفع ضرائب، وهذه السكة مفتوحة من قبل حزب الله الذي يمتلك سلسلة استهلاكية”، مشدداً على أن “كل استنزاف للدولار من الأسواق اللبنانية هو لصالح أعمال الحرس الثوري الإيراني، انطلاقاً من إفراغ موجودات البنك المركزي لشراء المازوت والطحين وتهريب تلك المواد إلى سوريا”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق