كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن إنشاء دولة الإمارات “إمبراطورية صغيرة” على الساحل اليمني الجنوبي بمحافظة “شبوة”، مؤكدة أن أبوظبي تتجاهل الحكومة اليمنية بعد أن أمنت ولاء القبائل.
وقالت الصحيفة في تقرير لها أعده الباحث لويس أمبرت، إن محافظ شبوة الغنية بالنفط والغاز محمد صالح بن عديو، يخوض حربا شخصية ضد الإمارات التي اتخذت منشأة بلحاف ثكنة عسكرية لقواتها منذ خمسة أعوام.
وأشار التقرير إلى أن معركة تدور في محافظة شبوة حول موقع للغاز كانت تديره العملاقة الفرنسية “توتال” قبل الحرب، والذي تحول إلى سجن إماراتي ومركز لمكافحة الإرهاب، والذي تطمح الدولة اليمنية أن تنهض به، وفق ترجمة الموقع بوست.
جمع الباحث الفرنسي في بعض أطراف التقرير الذي انطلق فيه من قصة هذا المحافظ الذي يقول إنه يجعل محدثه يتساءل عما إذا كان يريد أن يموت، حيث يقول إنه توقف عن إحصاء عدد المرات التي حاول فيها الإماراتيون اغتياله.
ويقول بن عديو الذي لا يغادر قصره إلا تحت حراسة مشددة: “في صيف 2019 أرسلوا لي قناصين ثم طائرات مسيرة، وفي الأسبوع الماضي (أوائل نوفمبر/تشرين الثاني) زرعوا قنبلة بجوار منزلي”، وذكر أن الإمارات عندما فرضت نفسها في حرب اليمن عام 2016، نفذت حملة اغتيالات مستهدفة شخصيات سياسية وعسكرية مناوئة لها.
ومطلع التقرير يقول كاتبه متحدثا عن محافظ شبوة” يجعلك محمد صالح بن عديو، محافظ شبوة جنوبي اليمن، تتساءل عما إذا كان يريد أن يموت. فهو يخوض حرباً شخصية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يقول إنها تتصرف كقوة استعمارية في بلاده. “لم أعد أحصي عدد المرات التي حاول فيها الإماراتيون اغتيالي”.
بحسب التقرير، يؤكد هذا المعلّم السابق”بن عديو” البالغ من العمر 44 عاماً. وهو رجل شاب ضعيف صحياً، “في صيف عام 2019، أرسلوا إلي قناصين، ثم طائرات مسيرة. وفي الأسبوع الماضي [أوائل نوفمبر] زرعوا قنبلة بجوار منزلي”.
” لا يغادر المحافظ بن عديو مقر إقامته في عتق عاصمة المحافظة إلا بحراسة مشددة” يؤكد التقرير.
عندما فرضت الإمارات نفسها في حرب اليمن الجنوبي عام 2016، نفذت حملة اغتيالات مستهدفة ضد شخصيات من حزب الإصلاح، الفرع اليمني للإخوان المسلمين الدولي، والذي تشن الإمارات ضده حملة شرسة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
يشير التقرير الى ان بن عديو يتورط في معركة ضخمة، حيث مصالح التحالف السعودي والإماراتي المتعثر منذ عام 2015 في تدخله العسكري ضد تمرد الحوثيين في اليمن. وتلك الخاصة بشركة الطاقة الفرنسية متعددة الجنسيات “توتال” التي تدير محطة للغاز الطبيعي المسال على الساحل في بلحاف منذ عام 2009، وتلك المتعلقة بالدولة اليمنية التي تعتمد على غاز “توتال” لتنهض بعد أن استهلكتها خمس سنوات من الحرب الأهلية.
يقول بن عديو: “أرسلت الإمارات إلي مبعوثاً في أكتوبر. وعرضت عليّ كل ما أريده: المال، المساعدة لمنطقتى.. بشرط أن أتوقف عن الحديث عن شركة توتال”. ولكن ليس في ذهنه سوى هذه الكلمة. ويحلم بإخراج الجيش الإماراتي من القاعدة التي أنشأتها عام 2017 في مباني المنشأة، الأمر الذي أثار استياء المالك الفرنسي.
قدم موقع الغاز هذا ما يصل إلى 45% من عائدات الضرائب اليمنية قبل الحرب. ولكنه متوقف منذ عام 2015. “أريد إعادة فتح بلحاف!” يصر السيد بن عديو. “أريد تصدير الغاز الخاص بنا، ويكفي أن تغادر الإمارات المنشأة لاستئناف عمليات التصدير”.
“ولتفكيك كل هذه العقد، كان لا بد من الذهاب لرؤية موقع بلحاف” يقول كاتب التقرير.
يقع مصنع توتال على حافة طريق مغطاة بالرمال والشجيرات الشائكة، والتي تمتد على طول الساحل الجنوبي الشرقي لليمن، تحت تلة من الصخور البركانية السوداء، مما يخفيه عن أعين الصيادين في ميناء بير علي الصغير المجاور. ولبناء هذا الهرم من الألمنيوم والصلب، وهو نقطة وصول الغاز المنتج في حقل مأرب (شمال اليمن) من قبل الشركة الوطنية اليمنية صافر، تولت “توتال” قيادة تحالف كوري أمريكي يمني. حيث يمتلك الفرنسيون 39.6% من الأسهم لمدة عشرين عاماً. وقد كلفت أعمال الإنشاء 4.8 مليارات دولار (4 مليارات يورو) في عام 2009، لكنه الآن ليس إلا مولداً كماليا، فهو ينتج القليل من الكهرباء للقرى المجاورة، وهي وسيلة لشراء الحماية من القبائل المحلية.
مرتزقة
يتمركز الجيش الإماراتي عند المدخل الرئيسي لبلحاف. حيث استولت على هذا الجزء من الموقع في منتصف عام 2017، بشكل قانوني، عبر طلب رسمي من الحكومة اليمنية التي تعرضت لضغوط شديدة. وقامت بتحصين السياج بكتل صلبة من التراب ملفوفة في لباد وشبكة سلكية. ويجلس رجال المليشيات القبلية اليمنية والمرتزقة السودانيون على أبراج الحراسة وهم يشاهدون الصقور تدور. أما الجيش اليمني فقد وضع حواجز على الطريق الساحلي. وعلى تلك الأكشاك، تتحول صور الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى اللون الأبيض بسبب الشمس، يقول التقرير.
ويضيف “هناك خيط رفيع يحافظ على السلام بين هاتين القوتين المعاديتين لبعضهما، الإمارات واليمن. في منتصف نوفمبر انفجرت سيارة مفخخة في منطقة بلحاف أثناء مرور قافلة إماراتية دون وقوع إصابات. كان ذلك في اليوم التالي لوصول مجموعة من الصحفيين الأجانب بمرافقه الجيش، بمن فيهم مبعوث صحيفة لوموند، بقيادة مركز صنعاء، وهو مركز أبحاث يمني مستقل. وكانت القوات الإماراتية قد رفضت فتح باب الموقع، مما أثار حفيظة المحطات التلفزيونية التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
وتزعم الإمارات أن محافظ شبوة أوقعها ولم يبلغها بهذه الزيارة. ولم تتبن المنظمة الجهادية “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، أو أي جهة أخرى، المسؤولية عن الهجوم”.
وأضاف التقرير” يبدو أن الحكومة اليمنية مقتنعة بأنه يكفيها أن تدّعي السيطرة على المنشأة، لتضع يدها على غنيمة توتال. عندما يعاود المصنع النشاط مرة أخرى “ستدفعون أنتم [فرنسيو توتال] لمن يمتلك الأرض. سواء أكانوا متمردو الحوثي أم داعش أم الحكومة” يقول بن عديو”.
وتابع التقرير” منذ عام 2016، عاش سكان المحافظة تحت حماية مليشيا جهزتها ومولتها الإمارات العربية المتحدة، وهي “قوات النخبة الشبوانية”، وتتألف من حوالي 7000 رجل من القبائل المحلية.
بينما كانت قائدة التحالف، المملكة العربية السعودية، تتصرف بقسوة في شمال البلاد، مع فشلها في صد المتمردين الحوثيين، قامت الإمارات من جانبها، بتشكيل إمبراطورية صغيرة على الساحل، وطردت جهاديي القاعدة” .
وقال “إنهم بشكل واضح يتجاهلون الحكومة اليمنية التي يرونها عديمة الفائدة وأفسدتها جماعة الإخوان المسلمين. “لقد أعادتنا الإمارات إلى أيام المستعمرة البريطانية [1937-1967]. لقد تصرفوا تماماً مثل الإنجليز، وذلك عبر تأمين ولاء القبائل، وتجاهل الهياكل السياسية المحلية والوطن”، يلخص العميد الركن عزيز العتيقي، أحد قادة القوات المسلحة في شبوة”.
عندما نزلت الإمارات في عدن عام 2015 لطرد المتمردين الحوثيين، اعتمدوا على الأنداد القدامى لقبائل شبوة: مقاتلون متسلحون بعشرين عاماً من العمل السري في جبال الضالع (جنوباً)، والذين سيطروا على الميناء الهام ثم على رئاسة حركة استقلال الجنوب، المجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك للخوف الشديد من جيرانهم.
أحدث انقلاب إماراتي
وتابع التقرير “قد تدعي العائلة المالكة في أبو ظبي أن لديها أصول يمنية بعيدة، فهي ملتزمة لأبعد الحدود في هذا البلد الذي ليس لها معه حدود مشتركة. لقد سعت إلى مصادر النفوذ هناك، وأنشأت مليشيات، وطردت رجالًا أقوياء، وراهنت على آخرين لم يكونوا شيئاً أو لم يكن لهم ثقل كبير قبل الحرب. واعتمدت هنا على السلفي الشاب هاني بن بريك الذي جاء من مدرسة دينية في السعودية وجعلته الجهة الرئيسية لتسليم السلاح. وهناك توافقت مع رجل أعمال قوي مكروه في الجنوب، وهو أحمد العيسي. وبعيداً عن كسب القلوب والعقول، راكمت الاستياء ضدها، مثل عملاق يهز لعبة البولينج”.
وقال” في صيف عام 2019، سئمت الإمارات من هذا التدخل المكلف، فحاولت القيام بانقلاب نهائي. في 7 أغسطس، سمحت لحلفائها المؤيدين للاستقلال من المجلس الانتقالي الجنوبي بطرد آخر القوات الحكومية من عدن، والسيطرة على الميناء بالكامل. ليتبقى للمجلس الانتقالي فقط أن يغزو حقول النفط والغاز في الشرق، لتحقيق حلمه وإعلان الاستقلال”.
في 22 أغسطس، كما يسرد التقرير، تجمعت المليشيات الموالية للإمارات من قوات النخبة الشبوانية حول عتق ودخلت المدينة، والتي كانت في السابق منطقة محايدة. فحاصروا 300 جندي من الجيش اليمني في شارعين كانا لم يزالا تحت سيطرتهم. “تفاوضنا معهم، فأرادوا فرض استسلام مذل علينا: طلبوا منا التراجع إلى الجبهة الأخيرة حيث واجهنا الحوثيين في شمال المحافظة، تاركين وراءنا أسلحتنا. وطلبوا بأن نتخلى حتى عن المسدسات التي نضعها على أحزمتنا..”. تختنق كلمات العميد عبد ربه لعكب الشريف. بالكاد يبلغ الثلاثين من العمر، كان لعكب أحد الضباط الذين صمدوا عام 2015، في مواجهة تقدم الحوثيين. وفقد اثنين من إخوته في القتال ضد المتمردين، كما فقد جزءاً من ساقه اليسرى ويده اليمنى.
وفي مساء يوم 22 أغسطس، قام بتنظيم المقاومة مع أحد معاونيه المعروف باسم “الضفدع”. بالكاد يبلغ طوله 1.60 متراً، ذو بشرة صفراء وعين مهدِّدة، فإن “غرينويل” كان أول من قفز في أحد طقمي الجيش واللذين لم تدمرهما قوات النخبة، وانطلق نحو المدينة.
ويتابع “أثناء هذه المعارك في الشوارع، كان بن عديو في مقر إقامته يصرخ في الهاتف على رجال الرئيس هادي. كان كل منهم يرى حتمية وقوع الأزمة، لكنهم لم يرسلوا أموالاً ولا تعزيزات.
في اليوم الثالث، اقترض المحافظ أموالًا من رجل أعمال محلي لشراء أسلحة. من جهته، أرسل الجيش أخيراً تعزيزات لمواجهة رتل انفصالي انطلق من عدن”.
“عندما أدركت “النخبة” أننا مصممون على القتال، غادروا. فالمال لا يدوم بعد الموت” يقول العميد الشريف.
“لم تتح لهؤلاء الجنود فرصة القتال. لقد حسمت معركة عتق. كنا نقاتل من منطلق حب الوطن. أما رجال “النخبة” فقد تم تجنيدهم من أجل المال. وعندما أدركوا أننا مصممون على القتال، غادروا. فالمال لا يدوم بعد الموت” قال العميد الشريف.
تركت “النخبة” مواقعها في عتق واحداً تلو الآخر، ثم على الطريق الجنوبي، تاركين المعدات الثقيلة والأسلحة. وقال البطل ذو الساق الواحدة ضاحكاً “تلقيت مكالمات من بعض ضباطهم من قبيلتي والذين عرضوا الاستسلام أو حتى القتال إلى جانبنا”.
عند وصوله إلى بوابات موقع بلحاف للغاز، دخل الجيش لفترة وجيزة، قبل الانسحاب وفق الأوامر: فليس من الممكن قتال الإماراتيين الذين لم يشاركوا في المعركة. ولا يمكن مخالفة الأمر القاضي حينها بالسماح للإمارات بالسيطرة على الموقع، وهو الأمر الذي لا زالت تضمنه الحكومة حتى الآن. “لكن سنأخذ هذا الباب متى ما أردنا، نحن فقط في انتظار الأوامر. لا يمكنك تخيل كم أريد أن أدخل بلحاف”، يضيف العميد الشريف.
سأضعها في متحف
من جهته، يفخر المحافظ بن عديو، وفق التقرير، بتسع عربات إماراتية مصفحة من طراز كايمان أميركية الصنع استولى عليها رجاله خلال الاشتباكات. وقد رفض إعادتها رغم طلبات أبو ظبي والسفير الأمريكي، على حد قوله. “ذات يوم، سأضعها في متحف!” يقول المحافظ. خلفت معركة شبوة وراءها عدداً قليلاً من القتلى. يقدر ضباط الجيش الخسائر بأقل من 10 رجال، في كلا المعسكرين مجتمعين. ومع ذلك، فإن أهمية تلك المعركة لا يستهان بها، فهي تمثل نقطة توقف حادة للمغامرة الإماراتية في جنوب اليمن.
“لقد كان خطأ الإمارات. حيث جندوا رجالهم في شبوة حسب انتمائهم العشائري” قال عمار العولقي، نائب وزير البيئة اليمني، وهو من عائلة محلية مرموقة، “عندما أصبحت الأمور جادة، رفضت القبائل ببساطة القتال فيما بينها “.
سلام مسلح
منذ ذلك الحين، ساد سلام مسلح المحافظة. في نوفمبر 2019، أسفر اتفاق الرياض، بقيادة السعودية، عن وقف إطلاق النار بين الانفصاليين والحكومة. وتدخل عدد من المراقبين السعوديين شرقي شبوة حيث تتكرر قذائف الهاون.
تخلى زعيم الانفصاليين، عيدروس الزبيدي، في عدن عن قوله “أن من واجبه تحرير حقول النفط” في شبوة. وبدون هذه الثروة، يتأجل حلمه في الاستقلال. ومع ذلك، لا يزال الرجل قوياً.
على الساحل، يتتابع نفوذ الإمارات، التي نصبت نفسها كحارس لحركة مرور النفط في المحيط الهندي والبحر الأحمر. وهو ما بوأهم دوراً في مفاوضات السلام في اليمن.. عندما يريد الأطراف الجلوس حول طاولة المفاوضات. ومع ذلك، يبدو أن استعادة المجلس الانتقالي الجنوبي لكامل الجنوب مستحيلة بدون الدعم العسكري من أبو ظبي، التي سحبت قواتها، واحتفظت بقاعدتين في شبوة، وأخرى في مطار المكلا، عاصمة محافظة حضرموت الشرقية البعيدة.
منذ صيف عام 2019، هرب قادة “النخبة” والمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظة شبوة. وتم نسيان صغار المدراء، بعيداً عن عتق، هرباً من الانتقام. ولا أحد يمتعض من حقيقة أن الإمارات ما زالت تدفع رواتب “النخبة” السابقة، العاطلة عن العمل الآن.
إجمالاً، عرفت القبائل الريفية كيف تنظم انتقال السلطة بسلاسة: فهي تنفي الأشخاص أكثر مما تعاقبهم. لكن الحكم الإماراتي ترك جروحاً. بالقرب من مدخل قاعدتهم العسكرية في العلم، يخيم حوالي 100 متظاهر منذ منتصف أكتوبر ويطالبون بالعدالة بعد اقتحام المليشيات الموالية للإمارات قريتهم، الهجر، في 4 يناير 2019، حيث انتشر رتل دباباتهم بين المنازل في منتصف الليل. ثم أطلقوا النار دون أي تبرير، على حد قول القرويين الذين قاوموهم. بعد صلاة الفجر، أسقطت طائرة مسيرة إماراتية قنبلة محملة بشظايا، مما أسفر عن مقتل تسعة رجال تحت شجرة، على حد قولهم، بينهم طفل صغير كان يقدم الشاي للمقاتلين على الإفطار.
السجون داخل موقع توتال
لم يفقد حكام المحافظة القدامى كل نفوذهم. فلا يزال بلحاف، مركز الإمارات لمكافحة الإرهاب، يثير الخوف. في نوفمبر 2019، اعترف مسؤول في التحالف السعودي الإماراتي، في مقابلة مع صحيفة لوموند، أن هذه القاعدة تضم “زنزانة احتجاز مؤقت”، يمر من خلالها المشتبه بهم، قبل إرسالهم إلى القاعدة الإماراتية في المكلا على الساحل.
كانت بلحاف من معاقل شبكة السجون الإماراتية، التي ظلت سرية وبعيدة عن متناول الحكومة اليمنية، والتي وثقتها منظمات حقوقية، ونددت بحالات الاخفاء والتعذيب المتعددة. ويسبب وجود هذه السجون في نطاق ذلك الموقع الصناعي إحراجاً بالغاً لشركة توتال، والتي لا تنفي ذلك ولا تؤكده. بل تريد ضمان الفصل التام بين القاعدة العسكرية ومنشآت الغاز مع عدم نشر أي معلومات.
لا يزال سجناء بلحاف السابقون يرفضون الحديث عن اعتقالهم، يؤكد التقرير، ويوضح “رفضت ثلاث عائلات، زعمت أن أحد أفرادها احتُجز بشكل تعسفي، مقابلتنا في عتق. إنهم خائفون. على كل حال، وافقت عائلة أحد الضحايا المعتقلين أن تدلي لنا بشهادتها. إنها أسرة ناشط في حركة قومية جنوبية يدعى سالم الربيزي، 24 عاماً، والذي اختفى في 10 يونيو 2019”.
علمت هذه الأسرة بعد أشهر أنه قد تم اعتقاله من قبل أفراد من ميليشيا “النخبة الشبوانية” قبل حبسه في بلحاف. وكان الشاب قد نشر على فيسبوك رسائل تندد بـ “استعمار” الإمارات لبلاده. كما أنه قد قام بزيارة لزعيم حركته حسن باعوم المنفي في عمان والمدعوم من إيران. ثم نُقل سالم صيف 2019 إلى أحد سجون الدولة اليمنية، حيث ينتظر المحاكمة.
على أيدي سجانيه، كان سالم قد تعرض لصدمات كهربائية، حسب قول والده، عوض أحمد حسين الربيزي، وهو ضابط شرطة في عتق. في مستشفى المدينة، استقبل مدير مستشفى المدينة علي ناصر سعيد، مطلع 2020، خمسة رجال زعموا أنهم كانوا محتجزين في سجن بلحاف.
وبعد الإفراج عنهم ظهرت عليهم علامات التعذيب: الضرب والخنق والنزيف الداخلي وكسور في الأضلاع. بينما توفي رجل سادس، احتجزه رجال ميليشيا النخبة في موقع مجهول، متأثراً بجراحه بعد نقله إلى مستشفى المكلا، بحسب الدكتور سعيد.
قصة مماثلة يرويها عدي (اسم مستعار)، لصحيفة لوموند، وهو في العشرينيات من عمره، اعتقل من قبل ميليشيات “النخبة” في سوق عتق عام 2016، في الخامس عشر من شهر رمضان. وتم حبسه في بلحاف لأكثر من شهرين، دون توجيه أية اتهامات ودون أن يتمكن من إبلاغ أسرته، يقول عدي إنه تم استجوابه لمدة 28 يوماً وأنه تعرض للتعذيب على يد جنود إماراتيين.
وزعم أنه تعرض للضرب والتعليق على جدار الزنزانة، وتعرض للشمس لفترة طويلة أثناء صيامه في الشهر الكريم، وتم وضعه في مكيف هواء بارد، وحُرم من الوصول إلى المرحاض، وتعرض للإيذاء الجسدي. إضافة إلى قضائه ليال بلا نوم، تحت إضاءة شديدة مع موسيقى عالية. وكان الشاب يشتبه في أنه حول أموالاً إلى تنظيم القاعدة.
ينفي عدي أي ارتباط له بالجماعة الجهادية، لكنه يعترف بأنه مرر بسرية مبلغ 2.2 مليون يورو، دفعها “أمير سعودي”، لمقاتلي جبهة رئيسية مناهضة للحوثيين في شمال المحافظة.
تشغيل توتال
يلخص أحد الخبراء المهتمين بهذا الملف. “قبل إرسال العمال إلى الموقع لإعادة التشغيل، سيكون من الضروري التأكد من أن بلحاف لن تكون هدفاً، وأن الصواريخ لن تُطلق باتجاه المنشأة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة التشغيل هي استثمار يزيد عن 200 مليون دولار” كما نفهم من الموقع الالكتروني لشركة توتال.
المساهمون في المنشأة، بما في ذلك المجموعة الفرنسية، ليسوا في عجلة من أمرهم: في عام 2019 أرجأوا سداد قروضهم في بلحاف حتى عام 2022. وقد منع هذه البنوك من مطالبة فرنسا وكوريا واليابان بدفع ضمانات التصدير التي قدموها. يمكن لتوتال أن تقوم بتعليق مستقبل المنشأة على وقف وطني محتمل لإطلاق النار، أو على أساس اتفاقية سياسية تتعلق على الأقل بالحفاظ على الثروة الهيدروكربونية. ولا يحمل اتفاق الرياض المتواضع، الذي أبرم في مايو، هذا الطموح، كما يقول التقرير.