مثلما الحال مع جميع الفيروسات الأخرى، فإن الفيروس الذي يسبب «كورونا المستجد» (سارس كوفيد-2) له تغييرات عشوائية في شفرته الجينية بين الحين والآخر التي تسمى «الطفرات»، وهي عبارة عن أخطاء في عملية النسخ، التي عادة ما تحدث أثناء تكرار تضاعف الفيروس، حيث يؤدي كل خطأ في النسخ إلى تخليق نوع جديد من الفيروس.
إلا أن معظم هذه الأخطاء ليست مهمة، فهي لا تغير من تركيب الفيروس أو أنها تغيره قليلاً لدرجة أنها لا تؤثر على شدة الإصابة بالمرض أو مدى انتشاره. ولحسن الحظ، غالباً ما تحدث هذه الأخطاء في كثير من الأحيان لفيروسات كورونا، بشكل أقل مما يحدث لبعض الفيروسات الأخرى مثل تلك التي تسبب الإنفلونزا.
تحور الفيروس
• طفرات متعددة. ومع ذلك هناك العديد من المتغيرات في فيروسات كورونا المنتشرة في جميع أنحاء العالم مع وجود متغيرات مختلفة أكثر شيوعاً في أماكن مختلفة، وقد لاحظت مجموعة العلماء التي تسمى «هيئة التركية الجينية لـ(كوفيد – 19) في المملكة المتحدة» COVID-19 Genomics UK (COG-UK) Consortium، أن الشكل الجديد للفيروس أصبح أكثر شيوعاً في لندن وجنوب شرقي إنجلترا، كونه يحتوي على بعض الطفرات في بروتين الأشواك لفيروس كورونا، ما يغير قليلاً في تركيبه.
وقد تمت تسميته بشكل سريع VUI-202012/01 ويتم تعريفه من خلال مجموعة من 17 تغييراً أو طفرة. وإحدى أهم هذه الطفرات، طفرة N501 Y في بروتين الأشواك الذي يستخدمه الفيروس لربط مستقبل ACE2 البشري، إذ قد تحدث تغيرات في هذا الجزء من بروتين الأشواك من الناحية النظرية. كما أوضح السير باتريك فالانس كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية أن السلالة الجديدة أظهرت 23 تغييراً مختلفاً على فيروس «كوفيد – 19» الأصلي والعديد منها مرتبط على وجه التحديد بالبروتينات. وأضاف: «هذا عدد كبير بشكل غير عادي من المتغيرات، كما أنه يحتوي على متغيرات في مناطق الفيروس المعروفة بأنها مرتبطة بكيفية ارتباط الفيروس بالخلايا ودخوله إلى الخلايا».
لذلك هناك بعض التغييرات التي تثير القلق من حيث شكل الفيروس. أما السؤال الذي يواجه العلماء الآن بشكل مباشر: هل السلالة الجديدة تقع ضمن هذه الفئة الأخيرة؟ وهل تمثل مخاطر صحية متزايدة؟ أم هل حدث انتشارها السريع مؤخراً عبر جنوب إنجلترا لأنها نشأت في الأشخاص الذين يصيبون كثيراً من الأشخاص الآخرين ربما لأنهم يتجاهلون قيود «كوفيد – 19»؟
انتشار وخطورة
• هل السلالة الجديدة أكثر انتشاراً؟ التغيير في بروتين الأشواك في السلالة الجديدة هو جزء من البروتين الذي يساعد الفيروس في الوصول إلى الخلايا في أجسامنا، وهو ما يحتاج إلى القيام به للتكاثر والانتشار. ومن الممكن أن يسهِّل التغيير على السلالة الجديدة الوصول إلى خلايانا، وفي هذه الحالة قد يكون قادراً على الانتشار بسهولة أكبر، ولكن لا يوجد دليل على ذلك حتى الآن. وقد وجدت هيئة COG UK أن لندن وجنوب شرقي إنجلترا شهدتا أعداداً متزايدة من الأشخاص المصابين بالسلالة الجديدة، وفي الوقت نفسه هناك أعداد متزايدة من المصابين بفيروس كورونا في المنطقة بشكل عام. وقد أشارت اختبارات الفحص إلى أن 43 بالمائة من الفيروس في الجنوب الشرقي أصبح الآن السلالة الجديدة، وفي شرق إنجلترا 59 بالمائة وفي لندن 62 بالمائة. وقال رئيس المكتب الطبي البروفسور كريست ويتي في مؤتمر صحافي في داونينغ ستريت: «لقد ارتفع عدد الإصابات بسرعة كبيرة جداً خلال الأسابيع القليلة الماضية».
• هل السلالة الجديدة أكثر خطورة؟ لا يوجد ما يشير إلى أن السلالة الجديدة من الفيروس أكثر خطورة من فيروسات كورونا الأخرى. وسوف تظهر صورة أكثر اكتمالاً عما إذا كان الفيروس المتحور مرتبطاً بالاختلافات في الأعراض أو مدة المرض أو شدته عندما يجمع العلماء بيانات إضافية فقد اكتشف الباحثون في COG-UK السلالة الجديدة، وسيراقبون حركتها، كما أنهم يحللون الشفرة الجينية لنحو 10 في المائة من حالات الإصابة بفيروس كورونا ويشاركون التسلسل على الفور.
فاعلية اللقاحات
• هل تعمل اللقاحات ضد السلالة الجديدة؟ المشكلة الكبيرة الأخرى هي ما إذا كان الفيروس المتحور الجديد سيكون قادراً على تجاوز الحماية التي توفرها لقاحات «كوفيد – 19» التي تُدار الآن في جميع أنحاء بريطانيا، أم لا. وقال إيوان بيرني نائب المدير العام للمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية والمدير المشترك لمعهد المعلومات الحيوية الأوروبي في كمبردج إن اللقاحات تم اختبارها مع العديد من أنواع الفيروس المنتشرة، «لذلك هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن اللقاحات ستظل تعمل ضد هذه السلالة الجديدة على الرغم من أنه من الواضح أنه يجب اختبارها بدقة». من جهته، قال السير باتريك فالانس إنه بناءً على ما هو معروف الآن لا يبدو أن السلالة الجديدة تغير استجابة اللقاح بالشكل الذي جعله أقل فاعلية. وأضاف أن هناك «أسباباً نظرية» تشير إلى أنه قد يغير الاستجابة المناعية على الرغم من عدم وجود دليل على ذلك.
• هل هذا شيء يدعو للقلق؟ من السابق لأوانه تقديم أي ادعاءات حول التأثيرات المحتملة لطفرة الفيروس، ولكن إذا انتشر الفيروس بشكل أسرع فسيكون من الصعب السيطرة عليه. ومع ذلك فقد ظهرت بالفعل سلالات مختلفة من «كوفيد – 19» ليس لها أي تأثير حقيقي، ومن المحتمل أن يكون الأمر خطيراً لكن ليس معروفاً بدرجة كافية. قال رافي جوبتا أستاذ علم الأحياء الدقيقة السريري في معهد كمبردج للمناعة العلاجية والأمراض المعدية بجامعة كمبردج البريطانية: «نعتقد أن هناك آلية ليبدأ الفيروس في الهروب». «نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضده، ونحن لا نعرف ما الذي سيفعله على المدى الطويل ولكن لا يمكننا المجازفة في ذلك. فمن غير المحتمل أن يجعل الناس أكثر مرضاً، لكنه قد يجعل من الصعب السيطرة عليه».
• ماذا يفعل العلماء الآن؟ سيقوم العلماء بتنمية السلالة الجديدة في المختبر لمعرفة كيفية استجابتها عن طريق النظر فيما إذا كانت تنتج نفس استجابة الجسم المضاد وكيف تتفاعل مع اللقاح، ونمذجة السلالة الجديدة، وقد يستغرق الأمر ما يصل إلى أسبوعين حتى تكتمل هذه العملية، حيث تقوم COG-UK بتنفيذ تسلسل عشوائي للعينات الإيجابية في جميع أنحاء المملكة المتحدة لتجميع تقرير تغطية التسلسل الذي يتم إرساله إلى كل من وكالات الصحة العامة الأربع كل أسبوع. ويعد أخذ العينات العشوائية مهماً بهدف التغطية الإقليمية.