كغراب نحس دخلت الإمارات اليمن عبر بوابة حرب التحالف العربي الداعم للشرعية في مارس 2015م، ومنذ ذلك الحين لم يعرف أفقر بلد عربي في الشرق الأوسط إلا الانتكاسات المتوالية، بينما يئن شعبه تحت رحى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
هذه الحرب التي كان من المتوقع لها أن تنتهي في غضون أشهر قليلة طالت واستعرت ووصل لهيبها كل منزل، وللمفارقة كانت الإمارات هي المتسببة بالنسبة الأعلى لكل المآسي في اليمن، وهي المجرم الأكبر بحق هذا الشعب وصاحبة الخطيئة الأعظم: هد مشروع الوحدة اليمنية وإرساء مشروع التشطير، وهو المشروع الذي ظلت تعمل له كهدف إستراتيجي يتصدر أجندتها هناك.
وبدا هذا الهدف واضحاً بعد أشهر قليلة فقط من انطلاق عملية عاصفة الحزم وتدخلها العسكري إلى جانب السعودية في اليمن وتصدرها ملف نفوذ التحالف في المحافظات الجنوبية للبلاد، إذ بدأ يتبين للشعب اليمني الأهداف الحقيقية للتدخل الإماراتي في اليمن، التي لم تكن لها أي علاقة بإعادة الحكومة الشرعية أو القضاء على الانقلاب الحوثي.
ومنذ الأشهر الأولى لتصدرها واجهة التحالف في عدن عملت الإمارات على إنشاء قوات الحزام الأمني من خليط من الانفصاليين والسلفيين، كما أسست أبوظبي على ذات المنوال قوات ما يعرف بـ”النخبة الحضرمية” و”النخبة الشبوانية” شرقاً، وجميعها تكوينات قامت على أسس مناطقية وجهوية لا تعترف بالوحدة اليمنية، بل كانت تمثل تهديداً حتى على مستوى وجود “جنوب” و”شمال”، إذ إن الواقع يقود إلى شرذمة اليمن إلى ما هو أكثر من ذلك، وهو السيناريو الذي يجري حاليا، من خلال هذه التشكيلات العسكرية التابعة لأبوظبي والخارجة عن سلطة الحكومة اليمنية.
وتواصل أبوظبي دعمها المكثف للانفصاليين عبر ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذراع السياسية للانفصال الذي يقدم نفسه على أنه السلطة البديلة لـ ”دولة الجنوب”، والتشكيلات العسكرية والأمنية المدعومة منها، التي أخذت تلتهم المحافظات الجنوبية واحدة تلو الأخرى، بما في ذلك العاصمة المؤقتة عدن.
لكن أطماع الإمارات ومخططاتها الشريرة تتجاوز حتى انفصال جنوب اليمن إلى تقسيم البلاد إلى دويلات، ومن بين ذلك احتلال سقطرى وتحويلها إلى جزء من دولة الإمارات، ومخطط إقامة دول على الساحل الغربي.
وتخضع العاصمة المؤقتة عدن لسيطرة الإمارات بعد تمكين حلفائها في المجلس الانتقالي من الهيمنة عليها، وتقويض جهود الشرعية في بسط نفوذها هناك، حيث باتت الدولة التي تسيطر عليها أدوات الإمارات تمتد من سقطرى وحتى الساحل الغربي، وهي تضم مضيق باب المندب أحد أهم المضائق الإستراتيجية في العالم.
تفتيت اليمن بوابة للهيمنة والنفوذ
تدرك الإمارات مدى التأثير الكبير لليمن ومدى أهمية موقعها الجغرافي، كما تدرك أن التطورات الاقتصادية الكبرى ودخول العملاق الصيني ساحة الشرق الأوسط عبر خط الحرير الجديد سيجعلها هامشية، ولهذا قفزت إلى اليمن لتتوضع فيه وتصبح هي المتحكم بأكبر ممر تجاري في العالم.
وكي تكون خطتها محكمة لابد لأبوظبي من أن تسيطر على سواحل اليمن الجنوبية والغربية المطلة على خط التجارة الدولي، ولهذا احتل النظام الإماراتي معظم الشريط الساحلي للبلد، وبات المتحكم في مياه اليمن الإقليمية.
ويوضح الصحفي مصطفى محمد، اقتصادي وسياسي، الهدف من تفتيت اليمن وتقسيمه، قائلًا “الإمارات لديها مطامع اقتصادية وأخرى تتعلق بشهوة الهيمنة على الدول العربية تنسجم مع مصالح إسرائيلية وأمريكية في المنطقة العربية”.
منذ بداية التدخل التحالف العربي سنة 2015، ركزت الإمارات على مناطق الجنوب، وتحديدًا المناطق القريبة من الموانئ الحساسة مثل ميناء عدن الإستراتيجي، وجاء اختيار أبو ظبي لهذه المناطق لأهميتها الإستراتجية وانحسار نفوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) في المناطق الجنوبية.
وشكلت سيطرة الإمارات على جزيرة سقطرى تتويجاً للمشروع الإماراتي وإكمالاً لفصول تفتيت اليمن.
تتبين المطامع الإماراتية من خلال سيطرتها على ميناء عدن الذي أُخرجت منه عام 2012، وسيطرتها أيضًا على الساحل الغربي وموانئه، وفي مقدمتها ميناء المخا وميناء باب المندب، وتسعى منذ فترة للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الأهم في اليمن.