قلق دولي ويمني، مصحوب بتحذيرات متجددة ليست الأولى، وعلى ما يبدو أنها لن تكون الأخيرة في ظل الصلف الحوثي، والمداهنة الدولية له، تجاه خطر محدق يهدد بيئة البحر الأحمر، تقف وراءه ناقلة النفط “صافر” العائمة في البحر الأحمر، قبالة ميناء رأس عيسى، في محافظة الحديدة، دونما صيانة للعام الخامس على التوالي، فيما تحذيرات خبراء اقتصاديين تتعالى حيناً عن مخطط يستهدف “الاقتصاد والإنسان اليمني”، وآخر بتحميل “البرلمان اليمني ورئاسته” مسؤولية الشعب الذي يمثله.
وفي آخر المستجدات التي رصدتها وكالة “خبر”، حذرت الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، أمس الأحد، من كارثة بيئية وصفتها بـ”غير مسبوقة” في حالة حدوث تسرب نفطي من ناقلة النفط “صافر” القابعة بميناء الحديدة، غربي اليمن.
وبحسب مصادر إعلامية، عن أمين الهيئة الدكتور زياد بن حمزة أبو غرارة، حذرت الهيئة في بيان لها، من كارثة بيئية قد تحدث نتيجة تسرب نفطي من الخزان العائم في الناقلة، الموجود أمام منصة رأس عيسى إلى الشمال من ميناء الحديدة.
وأوضح غرارة بأن تآكلا يلتهم هيكل خزان الناقلة “صافر” التي تبلغ حمولتها نحو نحو 1.5 مليون ونصف برميل من النفط الخام (ما يقارب 150.000 ألف طن)، جراء “منع مليشيا الحوثي الإرهابية الجهات المختصة وفرق الأمم المتحدة من معاينة وصيانة أنظمة تشغيلة”.
وأضاف، “تعنت مليشيا الحوثي المستمر أدخل أزمة الخزان في وضع شديد التعقيد، حيث يصعب توقع ما قد يحدث مستقبلا”، محملا الميليشيا كامل المسؤولية عن أي أضرار قد تتعرض له البيئة البحرية.
إسقاط واجب
الحكومة اليمنية الشرعية، وفي وقت سابق، وجهت مذكرة إلى الأمم المتحدة، وفقا لمصادر مطلعة، محذرة من خطورة غرق خزان النفط في رأس عيسى، وذلك بعد حدوث ثقب في أحد الأنابيب وتسرب مياه البحر إلى غرفة المحركات.
ودعت الحكومة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحمل مسئوليتهم القانونية والأخلاقية والضغط على الحوثيين للسماح على الفور ودون تأخير أو شروط مسبقة بوصول الفريق الفني من الأمم المتحدة لإجراء عملية التقييم والصيانة اللازمة وتفريغ كميات النفط المخزنة قبل حدوث واحدة من أكبر الكوارث البيئية والاقتصادية في الإقليم والعالم، إلا أن تلك الدعوات الحكومية وان ظهرت حينا، تغيب أحايين كثيرة، وكأن دعواتها “إسقاط واجب لا أكثر”، بحسب تعليق أصوات محلية.
كلفة بيئية واقتصادية
وكانت قد رصدت “خبر”، خلال الأيام الماضية، تقريراً أصدرته مبادرة “حلم أخضر” المتخصصة في القضايا البيئية، كشف عن حجم الكلفة البيئية والاقتصادية في حال انفجار الناقلة، أو وقوع التسرب النفطي.
وأوضح التقرير بأن اليمن سيحتاج إلى فترة قد تزيد عن 30 عاماً قادماة لمعالجة أضراره.
وأكد التقرير أن أبرز الأضرار البيئية سوف تضرب نحو 115 جزيرة يمنية في البحر، ما سيفقدها تنوعها البيولوجي وقيمتها الطبيعية، وأن هناك قرابة 850 ألف طن من المخزون السمكي الموجود في المياه اليمنية سيتعرض لتهديد النفوق داخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، بينما 969 نوعا من الأسماك (الأسماك الساحلية وأسماك الأعماق) الموجودة في المياه اليمنية ستتعرض للقتل بسبب الزيت.
وذكر التقرير بأن 300 نوع من أنواع الشعاب المرجانية ستختفي من المياه اليمنية جراء تسرب النفط الخام وعدم وصول الأكسجين والشمس إليها. أضافة إلى أن هناك 139 نوعاً من العوالق الحيوانية التي تعيش في المياه اليمنية ستختنق ببقع الزيت الخام.
وعن تبعات ذلك التسرّب أو الانفجار على القطاع البشري، كشف التقرير بان 126 ألف صياد يمني سيفقدون مصادر دخلهم بمناطق الصيد اليدوي، فضلا عن فقدان 67.800 صياد في محافظة الحديدة لمصادر دخلهم الوحيدة، وتوقف 148 جمعية سمكية تعاونية للصيادين اليمنيين عن العمل.
مخطط إفقار
متخصصون في المجال البيئي أكدوا لـ”خبر”، أن هناك مخططاً يستهدف البيئة البحرية اليمنية لشهرتها عالميا بندرة مخزونها البحري، حيث تمتلك مخزونا سمكيا هائلا ونادرا، وتنوعا في الشعاب المرجانية وارتفاعا في اعداد الجزر التي تمثل هي الأخرى بعدا استراتيجيا واقتصاديا تشكِّل حلقة واحدة بمعية ذلك التنوع.
وبقدر ما سوف يشكل دفعة اقتصادية كبيرة للبلاد، وفقا لخبراء اقتصاديين تحدثوا لـ”خبر”، هو ضامن اساسي لتوفير فرص العمل لآلاف الشباب العاملين في ذات القطاع، في مقدمتهم ابناء المناطق الساحلية، مستثمرين وصيادين وباعة وغيرهم، وهو ما أكد أكذوبة الامم المتحدة واعرابها المستمر عن قلقها تجاه الوضع الانساني اليمني الذي زاد من تباكيها خلال تقدم القوات المشتركة اليمنية المرابطة في الساحل الغربي اليمني بتحرير ميناء الحديدة التي كانت على بعد مرمى حجر، لتدفع بكامل ثقلها نحو إيقاف التقدم وابقائه تحت سيطرة المليشيا الحوثي وسعيها لإنقاذ المليشيا عبر اتفاق السويد الذي مضى على توقيعه عام ونصف دونما تنفيذ ولو جزئية واحدة من بنوده فيما يخص الحديدة وتسليم موانئها وإيرادها وصرف مرتبات الموظفين التي توقفت المليشيا من صرفها لقرابة خمسة اعوام متتالية.
ويجزم الخبراء، بان الامم المتحدة والمجتمع الدولي من جهة، وايران واذرعها في اليمن ممثلة بمليشيا الحوثي من جهة أخرى، اصبحت الحرب في اليمن ووضعها الانساني المأساوي تشكل ورقة رابحة بايدهم للتلاعب بها على طاولة اية مفاوضات والتلويح بها بوجه جميع القوات الساعية إلى استعادة الدولة والبلاد من تحت قبضة الاخيرة، حد اصبح المواطن اليمني القابع في مناطق سيطرتها غير قادر على رفع يده في وجه تلك العصابة الإجرامية جراء ست سنوات من الجوع والتشرّد ومئات المعتقلات المستحدثة للمناوئين.
كل ذلك وغيره كان سببه تغييب المليشيا الحوثية لنظام الدولة اليمنية التي رست على العدل والمساواة، وهو ما يتعارض مع مشروع المليشيا السلالية التي تعتبر نفسها صاحبة أحقية بالسلطة والحكم والثروة دون بقية ابناء الشعب، وهو ما زاد من عتو ونفور المليشيا الحوثية الإجرامية ليبلغ بها الإجرام العنصري حد تشريعها لائحة خصصت بموجبها (خُمس) الثروة لها وقياداتها، فيما بقيتها -أي الثروة- شرعنت على تقاسمها بطريقة التوائية بين من أسمتهم (فقراء ومساكين وعاملو بني هاشم)، وهو ما يضمن بقاء الظلم وتصدر الجريمة العنصرية ببقاء تلك الجماعة منفردة في الحكم وصاحبة القرار الوحيد، فضلا عن أنها المحاسب والرقيب الوحيد على نفسها في كيفية انفاقها، بصورة لم تشهدها أسود حقب الانظمة الديكتاتورية العالمية- حد وصف الخبراء.
مواقف متناقضة
ويرى الخبراء أن مداهنة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومجلس الأمن، من خلال المفارقة العجيبية في مواقفهم وتناقضاتهم الكبيرة بين موقفين حساسين: الاول الضغط بكل قوة دولية على ايقاف “تحرير ميناء الحديدة واستكمال تحرير المحافظة”، والثاني الصمت المطبق وعدم التحرك ولو بنسبة 10 بالمئة تجاه “مخاطر ناقلة النفط صافر العائمة قبالة راس عيسى”، خصوصا وأن هذا الميناء وباقي موانئ محافظة الحديدة قد نصت بنود اتفاقية السويد الناجعة عن ايقاف تحرير ميناء الحديدة وبقية المحافظة -آنذاك- إلى تسليمها إلى إدارة مستقلة وتوريد العائدات الضريبية للموانئ لغرض صرف مرتبات الموظفين وغيرها، وذلك ما لم يحدث منذ توقيع الاتفاق الذي مضى عليه عام ونصف.
ليس هذا فقط، بل إن الحساب الذي تم فتحه في فرع البنك المركزي اليمني بالحديدة والناتج عن لقاءات الأردن بين اللجنة المكلفة من الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي وبإشراف المبعوث الأممي إلى اليمن “مارتن غريفيث” قضى بتوريد إيرادات رسوم استيراد المشتقات النفطية إلى حساب البنك، ليتم صرف مرتبات موظفي الدول، تعرض لنهب المليشيا وسحب مبلغ 35 مليار ريال، في مخالفة صريحة للاتفاق الذي قد كان حدد من تخوّل لهم صلاحية السحب وما هي الجهات الوحيدة التي يجب أن تستفد منه، بحسب ما كشف عنه وكيل أول محافظة الحديدة لدى الحكومة الشرعية وليد القديمي، في أواخر مايو/ أيار الماضي.
وحمَّل خبراء الاقتصاد، مجلس النواب اليمني ورئاسة المجلس، كاملة المسؤولية في محاسبة الجهات المتسببة بتجويع الشعب الذي يمثله، وإعادة صرف مرتبات الموظفين، والضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتهما بالسماح للفرق الفنية والهندسية الوصول إلى ناقلة النفط “صافر” التي ترفض المليشيا السماح بالوصول إليها طيلة خمس سنوات دونما صيانة.
وبين المواقف المتناقضة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل الأصوات التي ترتفع حيناً لتمرير مشروع يخدمها وتخفت حينا آخر لرغبتها بجموح المعاناة الإنسانية في اليمن، يبقى هناك 30 مليون نسمة يحتضرون من تبعات الحرب العبثية التي فجرتها المليشيا الحوثية المدعومة إيرانيا في سبتمبر/ أيلول 2014م، وما زالت فوهات مدافعها تدوي حتى اللحظة.