تطابق المصالح الإماراتية في اليمن جعل مُواليّ الانتقالي وأنصار نظام صالح يظهرون كالسمن على العسل أمام الملأ، وإن كانوا في الحقيقة مثل الزيت والنار لا يجتمعون.
مرحلة الغزل العذري بين الطرفين بدأت بعد أحداث ديسمبر 2017 ومصرع علي عبدالله صالح على يد الحوثيين، بعد دعوته لتمرد شعبي لصالح التحالف، إلا أنه انتهى بانتهائه وفرار أقاربه وأنصاره إلى الجنوب، حيث كان في استقبالهم المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي، حليف أبوظبي الأول هناك.
مرت بعدها المحافظات الجنوبية بأحداث جسام ومعارك ضارية ظهر فيها طارق عفاش وهو يقاتل تحت راية الجنوب الانفصالية، تلك التي حشد عمه قبل عقدين ونيف الحجر والمدر للإطاحة بها وتشريد كل من راهن عليها.
وفي أحداث أغسطس 2019، ساند العفاشي عدو الأمس مجدداً في وجه قوات هادي، بعد أحداث دموية راح ضحيتها الآلاف من الشماليين بين قتيل ومشرد، وكان موقف إعلام عفاش متماهياً مع الشوفينية المتطرفة التي نفذتها عصابات جنوبية مدعومة من الإمارات.
نجح طارق عفاش وأنصاره بذلك في كسب تعاطف (الألتراس) المتشدد في الانتقالي، وظهر ذلك جلياً في تغريدات الجنوبي المتعصب حالياً، والسلفي العفاشي سابقاً، الشيخ هاني بن بريك.
وظل الأخير رمزاً للتقارب بين الطرفين؛ لما يتمتع به من دبلوماسية براغماتية، وملكة سريعة للتنقل بين الأدوار جعلته محل احترام طرفي التحالف في الرياض وأبوظبي.
إلا أن الحديث عن الماضي وعصابة 7/7 والرقم 94 لا يزال يشعل الجراح الغائرة بين حلفاء اليوم، وينذر في أي لحظة بانفجار وشيك على غرار ما حدث في صنعاء بين الحوثيين والعفافيش، بعد أن طغت المادية على ذلك التحالف الهش، وتعاظم طموح صالح وأنصاره بالعودة إلى السلطة على حساب الحوثيين.
أقرب نقاط الاشتعال قد تكون في ذكرى الوحدة القادمة، حيث سيمثل 22 مايو المقبل اختباراً حرجاً للطرفين، فالحديث أو عدم الحديث عنها له حسابات خاصة قد تعجل بانفصام ذلك التحالف سريعاً، أو تأذن باندماج أحدهما في الآخر على حساب ما يدعيه وما يرفعه من مبادئ.
وبحكم أن أنصار عفاش الحلقة الأضعف فهم الخاسر الأكبر في الحالتين، فاحتفالهم بذكرى الوحدة سيؤلب عليهم حلفاء اليوم وقد ينتهي بهروب آخر -ربما عبر البحر- من المحافظات الجنوبية، وخاصة من عدن.
أما في حال تجاهلوا المناسبة كما فعلوا في العامين الأخيرين، فإن ذلك سيمثل سقوطاً أخلاقياً جديداً لأنصار عفاش، وتنكراً للإنجاز اليتيم الذي ظل زعيمهم يردده بعد كل استعلامٍ داخلي وخارجي عن وطنيته، وحجم ما قدمه للشعب خلال عقود من الاستئثار بالسلطة.
أيام قلائل تفصلنا عن المناسبة، ومع اقتراب سيطرة قوات الشرعية على عدن فلن يكون أمام عفاش الجديد حرجٌ في الحديث عن المناسبة، والتذكير بأن شرعية اليوم بقيادة هادي ومحسن هي امتداد لنظام عفاش القديم، الذي ارتكب حماقة 94 وكان سبباً في تنفير الجنوبيين من الوحدة بعد أن أمضوا سنوات طوالا قبلها في المطالبة بتوحيد الشطرين.
وقد بدأت القافلة العفاشية في تغيير مسارها بالتدريج، وقد بدأ بعض ناشطيهم بكيل الشتائم للانتقالي والإمارات، في خطوة استباقية قد تقود لانتقال البقية إلى الضفة الأخرى من التحالف، حيث يتمركز حزب الإصلاح، المكون الرئيس في حكومة الشرعية.