بقلم - عبد الوهاب بدرخان
منسية أو شبه منسية، لا تبدو حرب اليمن في مرحلتها الراهنة، منذ عام ونيّف، متجهة نحو أي حل أو أفق، عسكرياً كان أم سياسياً. صحيح أن ليس هناك جمودٌ كلّي، فالجبهات تتحرّك والسجال القتالي مستمرّ في مختلف المناطق، لكن السائد أن أي طرف لا يملك إمكانية الحسم. في المقابل يزداد الوضع الاجتماعي تدهوراً، وإذ تضافر نقص الغذاء والدواء، وتوقّف رواتب الموظفين والعمال، وتعثّر وصول المساعدات الخارجية، لتفاقم صعوبات العيش، فإن وباء الكوليرا وأوبئة أخرى جاءت لتكمل هذا الجحيم الواقعي. وبعدما جرّب مسؤولو الإغاثة الدوليون كل ما في وسعهم، فإنهم لم يعودوا يجدون كلمات وأوصافاً أو حتى أرقاماً يمكنها حثّ المجتمع الدولي على التحرّك، إذ إن الحقيقة على الأرض تتجاوز بمأساويتها كل حدود، وعندما يقال إن تسعة عشر مليون إنسان هم بحاجة إلى مساعدة، فهذا يشمل عملياً مجمل اليمنيين، الذين يراوحون الآن بين الفقر وما تحت الفقر.
وفيما يفقد الوضع الإنساني ما تبقّى من إنسانيته لا يبدي الانقلابيون، من حوثيين وحلفاء لهم، أي اهتمام بوضع كهذا بات شاهداً على فشلهم، وإن كانت لوثة التسلّط تحول دون أن يروا هذا الفشل. ومع أن رقعة سلطتهم تقلّصت، ولم يعودوا في موقع يمكّنهم من فرض شروطهم في أي حلّ، إلا أن يتصرّفوا بمناطق سيطرتهم، كما لو أنها تحوّلت معازل يحتمون فيها باحتجاز مواطنيهم كرهائن. وطالما أنهم قادرون على فرض استراتيجية إطالة القتال وإدامته، فسيواصلون رفض أية تسوية، إلا إذا انتزعوا فيها مكافأة على ما فعلوه بالبلد. وقد نجحت هذه الاستراتيجية في تعطيل أية مفاوضات، ومن ثمّ في إفشال أية وساطات أو مساعٍ أممية. ورغم تراجعهم ميدانياً في الداخل، وخسارتهم ورقة السيطرة على باب المندب، استطاعوا فرز مقاتلين والاستعانة بعسكريين من أتباع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لجعل الشريط الحدودي مع السعودية جبهة متوترة وحتى ساخنة على نحو شبه يومي. بل يستخدمون صواريخ باليستية، والتقارير لا تزال تفيد بأنهم يتسلمون أسلحة نوعية من إيران، كما كشفت «رويترز» أخيراً.
لعل الطرف الآخر، ممثلاً بالحكومة الشرعية و»التحالف العربي»، كانت لديه توقّعات ورغبة في إنهاء الحرب في أسرع وقت، رغم السوابق التاريخية التي تشير إلى استحالة ذلك في اليمن. وبعدما أنجز ما استطاع، بكلفة عالية بشرياً ومادياً، يبدي الآن اقتناعاً بضرورة التكيّف مع حرب مديدة، لكن من دون استراتيجية واضحة. لذلك يحصل تصادم بين الأجندات، سواء بتفلّت الانفصاليين الجنوبيين، أو بمزيد من التهميش للحكومة الشرعية، أو بعدم التجانس والانسجام بين جبهات القتال. وكان التخبّط في الأهداف مسؤولاً عن تمكين الحوثيين و»الصالحيين» من إحداث دمار كبير في أهم مدن اليمن، تعز، وإلحاقها بحلب والموصل وغيرهما من المدن السنّية الكبرى بما يتماشى مع استراتيجية إيرانية لم تعد خافية.
كان بين وعود كثيرة أغدقتها الولايات المتحدة، أخيراً، أنها ستدفع باتجاه إنهاء الحرب في اليمن، إما بمساهمة عسكرية أو بضغوط سياسية، وليس من أثر حتى الآن لأي جديد أميركي في هذا الملف بالغ الإلحاح والسخونة. لم تكن مهادنة إدارة باراك أوباما لإيران مفيدة في بلورة حل سياسي، وليس مؤكّداً أن مناخ المواجهة بين إدارة دونالد ترمب سيكون فاعلاً في تمكين الحكومة الشرعية من دخول صنعاء. فالدول الكبرى لا توقف الحروب لأنها تستفيد منها.;