نشرت مؤسسة ”ايماسك“ البحثية الاماراتية تقريرا لها تحت عنوان ”انسحاب الإمارات من اليمن.. فشل تحقيق الأهداف بتمويل ضخم“.
وبحث التقرير في خفايا إعلان الامارات الانسحاب من اليمن، الذي جاء في وقت تعاني فيه الامارات من مشكلات اقتصادية عديدة بفعل انخفاض أسعار النفط.
وقال التقرير ان الإمارات قدمت مع بدء عملياتها العسكرية ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية التزاماً بالأهداف المعلنة ل”عملية عاصفة الحزم” وبعد تحولها إلى مسمى “إعادة الأمل” وتتضمن تلك الأهداف: إنهاء تمرد الحوثيين المدعومين من إيران وتدمير الترسانة الصاروخية، إعادة الحكومة الشرعية إلى السلطة، محاربة الإرهاب.
واضاف: ”بعد خمس سنوات من الحرب وإعلان الانسحاب فمن الواضح أن أياً من الأهداف لم يتم تنفيذها.. فالميليشيا الحوثية تمتلك طائرات وصواريخ بالستية بإمكانها استهداف منشآت حيوية في أبوظبي ودبي، وعادة ما يهدد الحوثيون باستهدافها في كل تصعيد جديد يتم الإعلان عنه“.
نص التقرير:
أعلنت الإمارات سحب قواتها من الجمهورية اليمنية، بعد خمس سنوات من الحرب المدمرة دون معرفة مدى تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها أو حجم الخسائر المالية التي انفقتها في الحرب في وقت تعاني الدولة من مشكلات اقتصادية عديدة بفعل انخفاض أسعار النفط.
في مارس/أذار2015 أعلنت الإمارات عن مشاركتها ضمن عمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن لمواجهة “مليشيا الحوثي” المدعومة من إيران ودعماً للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
بعد خمس سنوات أعلنت الدولة -عبر كشف الفريق الركن عيسى سيف بن عبلان المزروعي نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية- أنها كانت تحارب “الحوثيين، وجماعة الإخوان المسلمين وطابورهم الخامس (حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يقاتل الحوثيين) والإرهاب ممثل بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية”.
وهي المرة الأولى التي تكشف فيها الدولة علناً عن حربها ضد حزب الإصلاح الذي يعتبر حليفها والمملكة في الحرب ضد الحوثيين.
اختلاف الأهداف:
قدمت الإمارات مع بدء عملياتها العسكرية ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية التزاماً بالأهداف المعلنة ل”عملية عاصفة الحزم” وبعد تحولها إلى مسمى “إعادة الأمل” وتتضمن تلك الأهداف: إنهاء تمرد الحوثيين المدعومين من إيران وتدمير الترسانة الصاروخية، إعادة الحكومة الشرعية إلى السلطة، محاربة الإرهاب.
بعد خمس سنوات من الحرب وإعلان الانسحاب لم يُشر المزروعي إلى الأهداف وتنفيذها على أرض العمليات.. فمن الواضح أن أياً من الأهداف لم يتم تنفيذها.. فالميليشيا الحوثية تمتلك طائرات وصواريخ بالستية بإمكانها استهداف منشآت حيوية في أبوظبي ودبي، وعادة ما يهدد الحوثيون باستهدافها في كل تصعيد جديد يتم الإعلان عنه.
خلال سنوات الحرب، تُتهم الإمارات بعرقلة الحكومة الشرعية، وتوجه للدولة اتهامات بالضلوع في إبقاء الرئيس اليمني قيد الإقامة الجبرية في الرياض.
كما قامت الدولة بتأسيس مؤسسات موازية للحكومة في جنوب البلاد تطالب الانفصال عن الشمال وإنهاء الوحدة اليمنية.
وفي أغسطس/آب2019 قصفت الطائرات الإماراتية قوات الجيش اليمني على مداخل مدينة عدن واتهمته ب”الإرهاب” ما أثار غضب الحكومة اليمنية.
وحسب تقرير للأمم المتحدة فإن ما تقوم به الإمارات أدى إلى تآكل الحكومة الشرعية وجعلها غير مسيطرة على المناطق المحررة من الحوثيين.. أثر التآكل على الحكومة الشرعية في أي موقف تفاوضي مع المسلحين الحوثيين.. وأصبح معظم اليمنيين يوجهون اتهامات للإمارات بكونها دولة احتلال.
أما في مكافحة الإرهاب، فإن تقارير دولية تُفيد أن أسلحة أمريكية بيعت للإمارات وصلت إلى تنظيم القاعدة الذي يتواجد في عدة مناطق جنوب البلاد.. وأن “الإمارات اتفقت مع قيادة التنظيم للانسحاب من مدينة المكلا في 2016 وحصل التنظيم على أسلحة وأموال من الدولة مقابل الانسحاب”.
لذلك فإن معظم الأهداف التي ذهبت الدولة للِقتال من أجلها في اليمن تبخرت أو تلاشت، فالحوثيون يزدادون قوة، والحكومة ما زالت في الرياض وأدت تصرفات الدولة إلى تلاشي معظم شرعيتها.. والمنظمات الإرهابية ما زالت نشطة وتهدد اليمن وباقي دول شبه الجزيرة العربية.
على العكس من ذلك أكد القائد العسكري الإماراتي أن الدولة كانت تحارب حزب التجمع اليمني للإصلاح حليف التحالف القوي الذي يواجه الحوثيين على الأرض منذ ما قبل دخول التحالف العربي مسرح العمليات في اليمن.
وحزب “تجمع الإصلاح” أبرز الداعمين والموالين للحكومة الشرعية وأبرز الأحزاب اليمنية القوية التي تمتلك قاعدة شعبية كبيرة في كل محافظات البلاد.. ويملك علاقة خاصة مع المملكة العربية السعودية عبر شيوخ القبائل التابعين للحزب ويعيش معظم قادة الحزب في الرياض.
في يناير/كانون الثاني2018 ظهر ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد علناً في لقاء مع قيادات حزب الإصلاح برفقة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان. وبعد ذلك بأسابيع ظهر القياديان في الحزب ضمن لقاءات مع الشيخ محمد بن زايد في أبوظبي. ما يثير الكثير من الأسئلة حول مصير من تتحالف معهم الدولة في دول عربية أخرى ويثير الشكوك حول سياسة الدولة الخارجية.
دائماً، ما وُجِهت اتهامات للإمارات باغتيال نشطاء الحزب في المحافظات المحررة جنوب البلاد واستهداف مقراته الحزبية، بما في ذلك تجنيد فرقة مرتزقة أمريكيين لاغتيال قيادات الحزب وأئمة مساجد الذين بلغ عدد قتلاهم بالعشرات. كما قامت الإمارات باختطاف المئات من أعضاء الحزب ووضعهم في سجون سرية داخل اليمن وسجن أخر في “ميناء عصب” بأرتيريا كما تقول منظمات حقوقية دولية وتقارير للجنة الخبراء سلمت للأمم المتحدة.
الانفاق المهول:
عوضاً عن استشهاد أكثر من (108) جنود إماراتيين من جنود الدولة البواسل، الذي لا يمكن تعويضهم بسهوله. فالألم لاستشهادهم في أرض خارجية دخل كل بيت إماراتي وليس (108) عائلة فقط. إلا أن الدولة الإماراتية بطبيعة الحال دولة اقتصادية والنظر إلى التكاليف مهم إذ أنه مؤثر على مسارها، فالمال المدفوع هو من المال العام، مال كل الإماراتيين.
وقال المرزوعي في كلمته الطويلة إن عدد الطلعات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة بجميع أنواع طائراتها بلغ أكثر من 130 ألف طلعة جوية، وأكثر من 500 ألف ساعة طيران على أرض العمليات. كما تم تنفيذ أكثر من 1000 رحلة بحرية جرى خلالها نقل ملايين الأطنان من الأسلحة والذخائر والمعدات وغيرها.
تكلف الطلعة الجوية قرابة (90 ألف دولار) في المتوسط حسب تقرير مؤسسة “جاينز” للأبحاث المتخصصة بالشؤون العسكرية- ما يعني (11.7 مليار دولار) نفقات الطلعات الجوية. وهو رقم مقارب إذا ما حسبنا عدد الساعات مع فرضية أن تكلفة ساعة الطيران الحربي في المتوسط تصل إلى (23ألف دولار) أي (11.5 مليار دولار). ولم تحسب معها عدد القذائف إذ تكلف القنبلة الواحدة أكثر من 45 ألف دولار.
ولم تقدم الدولة نوع الآليات والأسلحة والذخيرة وحجم التي وصلت إلى اليمن خلال خمس سنوات. وتلك التي انتهت خلال الحرب وتدمرت على أيدي الحوثيين أو الجماعات الإرهابية الأخرى. وتُظهر مقاطع فيديو عشرات الآليات العسكرية التي بيعت للإمارات تعرضت لدمار كامل على يد الحوثيين في الساحل الغربي لليمن. وتكلف تلك الآليات والدبابات والمعدات مليارات الدولارات علاوة على الأسلحة.
وذكر المزروعي أن “القوات المسلحة البرية وحرس الرئاسة والعمليات الخاصة بجميع وحداتها، شاركت بأكثر من 15 ألف جندي في 15 قوة واجب في مختلف مدن ومحافظات اليمن”. مضيفاً أن القوات البحرية شاركت وحدها “في ثلاث قوات واجب بحرية بأكثر من 50 قطعة بحرية مختلفة وأكثر من 3000 بحَّار مقاتل”.
لم يُشر المزروعي إلى فِرق المرتزقة الأخرى التي شاركت في حرب اليمن ضمن القوات الإماراتية وتحت نفقتها وتتضمن (1800 من أمريكا اللاتينية) و(5000 مقاتل سوداني على الأقل) و(400 مقاتل من أرتيريا)، وعشرات المرتزقة المسؤولين عن الاغتيالات حسب ما أفادت تحقيقات أمريكية.
والرقم عن الجنود الإماراتيين (18ألف جندي) شاركوا في حرب اليمن كبير إذ يعني أن ثلث القوة العسكرية الإماراتية شاركت في حرب اليمن بمعدل 1/3 شاركوا في الحرب (يبلغ عدد جنود الدولة 64 ألفاً حسب “غلوبال فير بور”). وهو ما يضع علامة استفهام حول هذه المجازفة بإرسال ثلث الجنود إلى الحرب وترك الدولة دون حماية في ظل المخاوف الإقليمية المستمرة.
وإذا فرضنا أنه جرى تبديل الجنود كل نصف عام فإن حجم القوة التي تبقى متمركزة 5000 جندي. ويتقاضى هؤلاء الجنود بالإضافة إلى القوة الأخرى من المرتزقة (12200جندي ومقاتل) عشرة آلاف دولار شهرياً (يشمل ذلك الرواتب -بين 700-3000$- ومصاريف أسبوعية -بين 1000-2000$- وتغذية ونفقات تشغيلية) ما يعني (1.5مليار دولار سنوياً) ما يعني (7.32مليار دولار). أما مع مرتزقة الاغتيالات فتتقاضى الشركات (1.5 مليون دولار شهرياً) عدا المصاريف التشغيلية والمكافآت، ما يعني (18 مليون دولار في العام).
وكشف أنه تم خلال هذه الفترة “تجنيد وتدريب وتجهيز أكثر من 200 ألف جندي يمني في المناطقِ المحررة”. وقال إنه بعد خمس سنوات من انطلاق الحرب، تم التحول من استراتيجية “الاقتراب المباشر” إلى “استراتيجية الاقتراب غير المباشر” التي قال إن المليشيات الموالية للإمارات في اليمن تقوم بها اليوم بنفسها بعدما تم “تشكيلها وتدريبها وتجهيزها”.
وهذه الميليشيات التي جرى تدريبها منذ 2015م وحتى اليوم تنفق عليها الدولة كل ما يلزم المقاتل من البدلة التي يلبسها مروراً بالسلاح الشخصي وحتى الدبابة والآلية العسكرية كلها من أبوظبي وبيعت للإمارات.
وعلى عكس جنود الدولة والمرتزقة الذين تنخفض تكاليفهم كثيراً بعد عودتهم إلى أراضي الدولة فإن الميليشيات اليمنية ستبقى في بلادها دعماً لخطط الدولة. وإذا كان الرقم صحيحاً كما تقول السلطات فإن الانفاق كبير جداً، إذ أنه مع فرضية أن كل مستلزمات المقاتل اليمني تكلف (1500 دولار شهرياً، يشمل بذلك الراتب (400-3000$) والنفقات التشغيلية التي تشمل الغذاء والملابس والوقود..الخ) فإن الدولة تنفق (300 مليون دولار شهرياً) أي (3.6مليار دولار سنوياً) ما يعني أن الدولة انفقت أكثر من (18 مليار دولار) على تلك المليشيا خلال خمس سنوات، ومن المؤكد أن العدد لم يكن موجوداً بالكامل منذ 2015م لكن مع تكاليف التدريب والنقل والتجنيد والذخيرة (عدا الآليات) فإن الرقم يقارب هذه النسبة.
وتنفق الدولة على وسائل الإعلام والدعاية الخاصة باليمن، عشرات الملايين من الدولارات لدعم عشرات المواقع الإخبارية وعدد من القنوات الداعمة لرؤيتها وميليشياتها في اليمن. ومبلغ 5.59 مليار دولار، حجم المساعدات الإماراتية المقدمة لليمن بين 2015-ومطلع 2019 يقول اليمنيون إن الإمارات استخدمتها لكسب مؤيدين وغطاء للحصول على المعلومات.. ما يعني أن الدولة أنفقت حتى الآن (37 مليار دولار) على الأقل في اليمن وحدها، كان بإمكانها إخراج الدولة من أزمات اقتصادية ضخمة.
لماذا الانسحاب؟!
بما أن الدولة لم تحقق أهدافها كاملة في اليمن، فإن السؤال لماذا تقوم الإمارات بالانسحاب من اليمن في ظل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة حيث تتجدد مخاوف من احتراب دولي في مياه الخليج، ومخاوف من سيطرة إيرانية على اليمن؟!
لم تقدم الدولة إجابات على هذا التساؤل لكن من الواضح أن أبوظبي لم تنسحب من اليمن تماماً، بل بدأت مرحلة جديدة من التحكم بأدوات داخلية للبقاء في سياسة البلاد إلى جانب قواعد عسكرية يوجد فيها مئات الجنود والضباط الإماراتيين. لكن الإعلان بذاته يثير الكثير من الجدل ويغضب الرياض حليف أبوظبي الرئيس. إذ أن الإعلان عن عدد الطلعات الجوية وعودة القوات يترك السعودية وحيدة في اليمن مع تقليص السودان لقواتها وخروج بقية الدول العربية ضمن التحالف مثل الأردن والمغرب وإخراج قطر.
لكن الإعلان عن عودة القوات يشير إلى أن الغضب الشعبي المتصاعد من بقاء القوات الإماراتية خارج البلاد قد وصل إلى حكام الإمارات الست الأخرى وهو ما ضغط على أبوظبي كما تشير مجلة “اكنوميست البريطانية” في يوليو/تموز الماضي.
إضافة إلى مخاوف من حالة حرب في مياه الخليج فيما القوات الإماراتية موجودة خارج البلاد. مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران والذي بلغ مستويات قياسية في يناير/كانون الثاني عندما اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق قدس قاسم سليماني.
المخاوف من توقف إمداد الدولة بالسلاح خصوصاً مع الضغوط في الكونجرس الأمريكيّ والتهديد بوقف بيع السلاح للإمارات بعد وصول أسلحة بِيعَت لأبوظبي ووصلت إلى تنظيمات ميليشياوية في اليمن وإلى قوات خليفة حفتر في ليبيا. كما أن المحكمة العليا في بريطانيا أقرت وقف بيع السلاح للإمارات والسعودية.
محاولة الخروج من مأزق تبعات حرب اليمن، وإخراج الدولة من المأزق الأخلاقي والمحاكمات الدولية إن حدثت. اعتقاد الدولة أن مصالحها في جنوب اليمن أهم من مواجهة الحوثيين في الشمال.