بقلم - علي العمراني *
كان أولى من ثورات الربيع العربي، الإصلاح المتدرج، غير أن الرؤساء العرب ،سامحهم الله، أغلقوا أبوابه وسدوا نوافذه بل مضوا في سبل شتى معاكسة، وتفاقم التدهور، وتصلب عود الفساد، فكان انفجار الغضب.
بعض الرؤساء العرب، الذين ثار عليهم الربيع، أمضى في الحكم أكثر من ثلاثين عاما، وهناك من أمضى أكثر من أربعين عاما ، وكلهم يريد توريث الدولة لأبنائه وعشيرته، وشلته حسب الحالة، في ظل فساد مهول وفشل ذريع في مجالات عدة.
قامت الجمهوريات العربية نتيجة للإطاحة بأنظمة ملكية، بعضها ملكيات دستورية لديها حكومات وأحزاب وبرلمانات منتخبة، وتتمتع بشرعية معقولة يفترض أنها قابلة للتطوير مع الزمن، مصر والعراق وليبيا أمثلة.
وهناك من يرى بأنه لو ترك الحال للتطور الطبيعي والإصلاح المتدرج في كثير من البلدان التي تعرضت لثورات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، دون انقلابات أو ثورات، لكانت حالة العرب أفضل الآن، أو على الأقل، أقل سوءا عما هي عليه الحال.
وصحيح فإن الكثير من الجنرالات الذين قادوا ثورات الستينات والخمسينات، وأبرزهم جمال عبد الناصر، كانوا على مستوى كبير من نظافة اليد وتبنوا طموحات كبيرة، غير أنه جرى تجاهل وضع المسارات والأسس المتينة للحكم الرشيد، ومن ذلك غياب الحريات العامة والمساءلة والمؤسسية، وتجاهل الديمقراطية والتعددية السياسية ومقتضياتها.
ومنذ الثمانينات انحدرت تلك الأنظمة الجمهورية نحو الفساد الكبير والاستخفاف المروع بتضحيات الشعوب وكرامتها وتطلعاتها، وتفاقم الأمر في التسعينات وفي العشرية الأولى من القرن الحالي، واتجهت تلك الأنظمة نحو التوريث دون منطق مستقيم أو مشروعية تبررها طبيعة النظام ، كحال الملكيات مثلا.
عندما استفحل الفساد، وتفاقم الإحباط اتجه الشباب العربي إلى الساحات والميادين مطالبين سلميًا بالتغيير والإصلاح، فتعرضوا للقمع والقتل والتنكيل والإرهاب، وبدلا عن تحقيق مطالب الإصلاح أُقحمت بلدانهم في اضطرابات وحروب أهلية طاحنة.
أكثر الشعوب الثائرة لا تعيش الآن في عهد الربيع كما كان مفترضا ومستحقا ، ولم يترك لها قطف ثماره كما كان متوخى ، وبدلاً عن ذلك نعيش في بلداننا المنكوبة في جحيم الثورة المضادة والحرب الأهلية، ولكن هل الثورة المضادة السائدة الآن نهاية التاريخ ..؟
إذا تأملنا في التاريخ، أوروبا مثلا، بعد الثورة الفرنسية، وما واجهها من ثورة مضادة وما تمخض عنها في النهاية، فالإجابة : كلا..غير أن التكلفة في فرنسا وأوروبا، نتيجة الثورة المضادة كانت باهظة، ويبدو أن أوضاع بلداننا تمر بظروف وتبعات مشابهة، وإن كان الفارق قرنين من الزمان.
كان الربيع العربي، المتهم المظلوم، ردة فعل طبيعية لفساد عظيم واختلالات كبرى، وبقدر ما عبر الربيع عن حقوق وتطلعات مشروعة للمواطنين العرب في أكثر من بلد عربي، فهو لم يكن السبب فيما يجري من مآسٍ اليوم، كما يروج البعض.
إن السبب في الحقيقة فيما يجري هي الثورة المضادة وتداعياتها.. ولو تم تفهم دوافع الربيع واستجيب لمطالبه المشروعة وتُرك يمضي ويرشَّد، لربما كان قد حل الكثير من المعضلات وأهمها مسألة الشرعية والديمقراطية في أنظمة كانت تزعم صلتها بمقتضيات العصر شكلا، وترفع الشعارات الرنانة خداعا، وهي بعيدة عن حقيقتها وجوهرها وتطبيقها وممارستها.
* سفير اليمن في الأردن