قد تكون الاقتصادات الناشئة، التي كانت تتوقع تحقيق نسب نمو عالية هذا العام، أولى ضحايا فيروس كورونا المستجد، إذ تمثّل الصين إحدى أسواقها الرئيسية.
وتقول رئيسة قسم الاقتصاد لمنطقة آسيا في مصرف «ناتيكسيس» آليسيا غارسيا لوكالة الصحافة الفرنسية، إن هناك «دولاً ناشئة تزايد اعتمادها على صادراتها للصين، وستتحمل تكلفة فيروس كورونا المستجد».
ويتبنى تشارلز دي كوينسوناس، الخبير في شركة الاستثمار البريطانية «إم أند جي»، هذا الرأي، ويقول: «في حال أنهى الفيروس أي أفق نمو لثاني اقتصاد عالمي، سيكون لذلك أثر مباشر على (الدول) الناشئة».
منذ أكثر من عقدين، تستفيد عدة دول مصدرة للمواد الأولية والسلع الزراعية من النمو المتزايد لاقتصاد الصين التي تزودت من الخارج بشكل كبير للحفاظ على نمو اقتصادها.
ويقول كبير الاقتصاديين في شركة كوفاس للضمان البنكي جوليان مارسيلي لوكالة الصحافة الفرنسية إن «جميع الدول المنتجة للنفط ستتأثر»، مذكّراً بأن الصين تستهلك أكثر من 10 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط وأن الأسعار ستتراجع بالضرورة في حال انخفض الطلب. وبالفعل، تأثرت أسعار النفط بالصدمة التي أنتجها فيروس كورونا المستجد، إذ تراجعت بأكثر من 15 في المائة منذ بداية العام.
لكن ذلك ليس كل شيء، فقد تراجعت أيضاً أسعار المعادن، على غرار النحاس الذي فقد 7 في المائة من قيمته.
ويرى دي كوينسوناس أن «هذه التراجعات تعود إلى المخاوف من تباطؤ النمو في الصين وتراجع الطلب على هذه المواد الأولية»، لكنه يتوقع حدوث «سيناريو مثالي» هذا العام للاقتصادات الناشئة.
ويضيف في هذا الصدد «باستثناء الفيروس، هناك بيئة تكاد تكون مثالية للاقتصادات الناشئة مع انتعاش متوقع للنمو ولنسب الفائدة التي يجب ألا ترتفع في الولايات المتحدة ولا في أوروبا» حتى تعطي هامشاً للمصارف المركزية في الدول الناشئة لخفض نسب الفائدة الخاصة بها.
يمكن أن يفسد فيروس كورونا المستجد كل شيء؛ أن تجد الدول الصاعدة نفسها دون القاطرة التي دفعت صادراتها في العقدين الأخيرين، في وقت يعاني النمو العالمي من هشاشة نتيجة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين في الأعوام الأخيرة.
ويشدد مارسيلي على أن «الصين تمثل اليوم نحو 50 في المائة من الطلب العالمي على الفولاذ، ويمكن أن تتضرر دول مصدرة مثل روسيا وكوريا الجنوبية أو حتى تركيا في حال تواصل تراجع الأسعار».
وتقدر غارسيا أن الدول الآسيوية التي توفر المواد الأولية لجارتها الكبرى ستكون أول المتضررين. لكنها تشير في الآن ذاته إلى أميركا اللاتينية التي ستكون بين المتضررين من تراجع أحد أبرز شركائها التجاريين.
وترى غارسيا أن دولاً على غرار تشيلي التي تصدّر النحاس، والبرازيل التي تعد أكبر منتج عالمي للصويا، ستكون بين أشد المتضررين.
يضاف ذلك إلى التهديد المحيط بالدول الناشئة نتيجة الاتفاق التجاري الموقع في يناير (كانون الثاني) بين الولايات المتحدة والصين، إذ التزمت الأخيرة شراء سلع أميركية بقيمة 200 مليار دولار، يمكن أن تعوض الواردات الصينية من تلك الدول، مثل الصويا البرازيلية أو الأرجنتينية.
ويقول مارسيلي إن «فيروس كورونا المستجد ليس خبراً جيداً للبرازيل (…) ففي حال صدّرت الولايات المتحدة أكثر للصين، ستكون البرازيل أكثر من يعاني».
وتضيف غارسيا تهديدا آخر يمكن أن يؤثر سلباً على الدول المصدرة للعملاق الآسيوي، إذ ترى أنه «من الممكن أن يتجه المستهلك الصيني للمنتجات المحلية لإنعاش الاقتصاد».