إتفاق الرياض.. أكثر من شهر على التوقيع والإلتزام من طرف واحد

محرر 312 ديسمبر 2019
إتفاق الرياض.. أكثر من شهر على التوقيع والإلتزام من طرف واحد

في يوم الثلاثاء الخامس من نوفمبر الماضي تم توقيع اتفاق بعد جهود حثيثة بذلت من أجل ذلك، وبحسب الأهداف المعلنة في الاتفاق فإن الغاية من التوقيع عليه تكمن في توحيد كافة الجهود والإمكانيات لمتاحة لتوحيد الصف وحشد الموارد اللازمة لمواجهة مليشيا الحوثي وتطبيع الأوضاع في المناطق المحررة من خلال تمكين الحكومة من ممارسة مهامها ومسؤولياتها بعيدا عن العراقيل التي تسبب بها المجلس الانتقالي للحيلولة دون تواجد الحكومة على أرض الواقع.

حتى الآن مر على اتفاق الرياض أكثر من شهر ولم تتحقق بنوده المزمنة نتيجة العراقيل والخروقات والأزمات التي يختلقها المجلس الانتقالي هادفا إلى تقويضه وتفريغ مضامينه واللعب على عامل الوقت لتغيير مساراته الواضحة.

وفي مقابل ذلك سعت الحكومة الشرعية إلى تطبيق البنود والإجراءات التي تخصها كعودة الحكومة لمزاولة أعمالها من عدن وصرف مرتبات موظفي الدولة وتهدئة التصعيد الإعلامي في خطوات ملموسة أثبتت حسن النوايا لدى الحكومة في تنفيذ الاتفاق أملا في توحيد الجهود وتخفيف معاناة الناس وتطبيع الوضع والاتجاه بالبوصلة نحو المعركة الوطنية الكبرى المتمثلة في دحر مليشيا الحوثي واستعادة أراضي الدولة ومؤسساتها.

لكن يبدو بحسب المعطيات الميدانية أن المجلس الانتقالي وداعميه لم تتوفر لديهم النوايا الصادقة في تطبيق ما يخصهم من بنود اتفاق الرياض، وتسهيل تطبيق البنود الأخرى، فاتخذوا خيارات التصعيد والعرقلة وتقويض العمل بمحددات وموجهات الاتفاق مسبقا وهذا ما انعكس على واقع تطبيق اتفاق الرياض الذي تتهدده الكثير من العراقيل والاختلالات المعترضة لقابليته للتحقق.

تصعيد إعلامي:

نص البند الخامس من اتفاق الرياض على إيقاف الحملات الإعلامية المسيئة بكافة أنواعها بين الأطراف، لكن نشطاء المجلس الانتقالي والوسائل الإعلامية التابعة له بما في ذلك الموقع الإلكتروني الخاص بالمجلس خرقوا هذا البند ولم يستجيبوا لذلك حتى في اليوم الذي وقع فيه الاتفاق، واستمرت حملات التصعيد والهجوم على الشرعية وقياداتها ورموزها ومرجعياتها، ومن خلال رصد قامت به “26سبتمبر” لقياس مدى التزام المجلس الانتقالي وناشطيه ووسائله الإعلامية أبرزت النتائج الجوانب التالية:

منذ اليوم الثاني لاتفاق الرياض الذي صادف الأربعاء بتاريخ 6 نوفمبر الماضي ظهرت صحيفة 14 أكتوبر التي استحوذ عليها المجلس الانتقالي بقوة السلاح وهي متمسكة بوصف عيدروس الزبيدي بالرئيس كما تضمنت التقارير والمقالات في صفحاتها الكثير من التحريض ضد الحكومة الشرعية وقياداتها بمن فيهم رئيس الوزراء وإشارات توحي بأنهم سيعملون على عرقلة الحكومة من تأدية مهامها فضلا عن دعوات الانفصال والتحدي وتأجيج المناطقية والتحريض على أبناء الشمال المتواجدين في عدن وهو خرق آخر للبند الرابع من اتفاق الرياض الذي ينص على ضرورة الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لكافة أبناء الشعب اليمني ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي ونبذ الفرقة والانقسام، ولاتزال الصحيفة تنتهج التصعيد ذاته وتمارس الخروقات المستمرة حتى اليوم.

في يوم الاتفاق الذي صادف الخامس من نوفمبر وبعد ساعة فقط من إنهاء مراسيم الاتفاق ظهر منصور صالح في قناة الحدث –وهو المسؤول في التوجيه المعنوي التابع للانتقالي- ليقول: (لن نسمح للحكومة بالنزول، ولن نسمح بتذويب القوات الجنوبية بالداخلية والدفاع).

وفي إقصاء واضح لمكونات الحراك الجنوبي الأخرى يقول متهكما بها في نفس اللقاء بأنها مكونات موجودة في مجموعات الواتس آب فقط، وهو تصريح خطير كشف الكثير من العراقيل التي ظهرت لاحقا، ولم يتوقف الأمر عند منصور صالح فغالبية من تحدثوا في القنوات عن اتفاقية الرياض يهاجمون غالبية بنوده ويظهرون تمسكهم بفكرة الانفصال ويقومون بالتحريض ضد الحكومة.

كافة المواقع والصحف الموالية للمجلس الانتقالي والتابعة له وكذلك منشورات قيادات كبيرة في الانتقالي وناشطين موالين له في مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي ظلت منذ اتفاق الرياض ولاتزال حتى اللحظة تحرض على العنف والكراهية والتمرد، وتلصق تهمة الإرهاب على الجيش الرسمي وتصفه بالمحتل والغازي، وتوجه حملات تحريضية منظمة ضد المواطنين في عدن المنتمين إلى محافظات شمالية، وحملات أخرى استهدفت تواجد الحكومة في عدن ودعت إلى عرقلة جهودها في تطبيع الوضع وإعادة تفعيل الخدمات ومؤسسات الدولة.

شن نشطاء المجلس الانتقالي والمواقع والصحف الموالية له وقيادات المجلس الانتقالي حملة تحريض منظمة وواسعة استهدفت العميد أمجد خالد قائد لواء النقل التابع للجيش الوطني فور عودته إلى عدن، تضمنت هذه الحملة التحريض على قتله واستهدافه.

والمتأمل في حالة التصعيد الإعلامي الذي مارسه المجلس الانتقالي خلال هذه الفترة يصل إلى يقين تام بأن الانتقالي لم يثبت حسن النوايا في أقل الأحوال والتي تعد مؤشرا أوليا على الرغبة الحقيقية في تنفيذ وتسهيل تنفيذ مخرجات الاتفاق من عدمها، خصوصا وأن حملات التصعيد الإعلامي رافقتها الأفعال والخروقات على أرض الواقع.

محاولات التفاف:

بعض الخروقات التي مارسها الانتقالي بحق اتفاق الرياض تمثلت في محاولات الاحتيال والالتفاف على بنود الاتفاق الواضحة والتي لا تقبل التأويل والنقاش، وأول وقائع محاولات الالتفاف تمت على بنود الملحق الأمني، ففي البند الأول من الملحق الأمني المتعلق بحماية محافظة عدن، نص البند على أن قوات النجدة والشرطة في محافظة عدن تتوليان مسؤولية تأمين المحافظة، وبناء عليه استجابت قوات النجدة لترتيب تنفيذ هذا البند وبدأت باستدعاء أفرادها وتجميعهم في أبين تمهيدا لنقلهم إلى محافظة عدن لاستلام مهامهم والقيام بدورهم، لكن لواء حماية المنشآت التابع للمجلس الانتقالي قام بتوزيع وحداته على المنشآت الحكومية في عدن ليعلن بأن هذه الخطوة تنفيذا لاتفاق الرياض، وقد صرح قائد اللواء لوسائل الإعلام بأن اللواء سيستلم مقر الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومبنى المالية وشركة مصافي عدن ومطار عدن الدولي وميناء عدن والحاويات والمعلا، وتزامنت هذه الخطوات مع منع المجلس الانتقالي لقوات النجدة من دخول عدن على الرغم من أنها قوات متفق على دخولها بحسب الاتفاق.

وإلى جانب كون هذه الخطوة محاولة التفاف وخرق واضح فإنها أيضا عرقلت تنفيذ بند من أهم البنود التي ستؤسس لتطبيع الأوضاع، خصوصا وأن هذا البند الذي تم الالتفاف عليه قد نص بأن قوات النجدة والشرطة هي من تتولى مسؤولية التأمين وأثناء توليها ذلك يتم العمل في إعادة القوات التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي وفق الاحتياج وخطة التأمين واختيارها عناصرها حسب الكفاءة والمهنية والعمل على تدريبها، ليتجاوز هذا اللواء التابع للانتقالي كل تلك الخطوات في مخالفة واضحة لما تم الاتفاق عليه.

تصعيد عسكري:

رصدت الكثير من الخروقات والمخالفات في هذا الإطار بما في ذلك التنصل عن الالتزامات المحددة في الملحق العسكري للاتفاق، وأبرز هذه الخروقات المرصودة:

رفض تسليم السلاح الثقيل والمتوسط لقوات التحالف العربي المتواجدة في عدن، وفقا لما نص عليه الملحق العسكري للاتفاق، ولازال الرفض مستمرا حتى اللحظة فقد ظهر أحمد سعيد بن بريك في لقاء مع قناة الغد المشرق ليؤكد فيه رفضهم لتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة معللا ذلك بأنه لن يسلم رقاب الجنوبيين للإرهاب.

الامتناع عن سحب قواتهم من المعسكرات والمرافق التابعة للحكومة الشرعية وهو بند رئيسي في الملحق العسكري والأمن.

استمرار عمليات النهب للأسلحة التابعة لمعسكرات الشرعية ونقلها إلى الضالع ووفقا لمصادر ميدانية فإن عمليات النهب شملت عربات إطلاق صواريخ (كاتيوشا) وصواريخ كاتيوشا ودبابات وأسلحة ثقيلة.

إعادة تجميع ما كانت تسمى بقوات النخبة الشبوانية إلى معسكر الصولبان بعدن وتدريبهم وشحنهم لممارسة أعمال إرهابية في محافظة شبوة، ومن المتفق عليه في البنود الرئيسية وفي بنود الملحق العسكري بأن كافة التشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي سيتم إعادة ترقيمها وتشكيلها ضمن وزارتي الدفاع والداخلية.

يوم الأحد الماضي بتاريخ 8 ديسمبر قام عيدروس الزبيدي باستدعاء أكرم الحنشي قائد ما يسمى باللواء 11 صاعقة، وفضل الحنشي قائد ما يسمى باللواء الثاني تدخل سريع وهي تشكيلات عسكرية تابعة للمجلس تتمركز في محافظة أبين، وخلال اللقاء معهم قام بتحريضهم لاعتراض أي قوات تتقدم من أبين باتجاه مدينة عدن حتى القوات المتفق على دخولها، ووصف الجيش الوطني بالإرهابي في مخالفة واضحة وتحد غير مسبوق لاتفاق الرياض.

وفي الرابع من ديسمبر الحالي التقى البوحر القميشي مع عيدروس الزبيدي واتفقا على التحضير لاستئناف العمليات العسكرية في محافظة شبوة.

استمرار تلقي الدعم العسكري والأسلحة الثقيلة من دولة الإمارات تم إحباط شحنة منها في محافظة شبوة احتوت هذه الشحنة على أسلحة ثقيلة ومتطورة.

هذه الخروقات ليست إلا أمثلة منتقاة من مئات الخروقات المتعلقة بالتصعيد العسكري المخالف لبنود الاتفاق وملحقاته الواضحة خصوصا ملحقاته الأمنية والعسكرية التي تعد جوهر الاتفاق.

تحد واضح:

قامت قوات تابعة للمجلس الانتقالي في محافظة أبين باعتراض سرية تابعة للواء الأول حماية رئاسية وإطلاق النار عليها والاشتباك معها، وهي قوات نص الاتفاق على عودتها بالكامل مع عدتها وعتادها وأسلحتها، وتم تنسيق تحركها مع قيادة التحالف العربي، لكن المجلس الانتقالي أوعز لقواته باعتراضها وأصدر بيانا مؤيدا لقواته التي اعترضتها، في سياسة مفضوحة ومزدوجة تنم عن رغبة الانتقالي في تفجير الوضع وإفشال الاتفاق، وعقب هذه الحادثة فورا قام المجلس الانتقالي بتحشيد عسكري واسع من خلال نقل بعض قواته من عدن ولحج والضالع إلى محافظة أبين بكامل أسلحتها الثقيلة لعرقلة دخول القوات المتفق عليها.

وهي ممارسات تصيب اتفاق الرياض في مقتل وتقوضه كليا كونها تعمل على عرقلة أهم بنوده.

استمرار الانتهاكات والجرائم:

لم تتوقف وقائع الانتهاكات والجرائم التي تمارسها مكونات الانتقالي المختلفة والتي أكدت مجمل بنود الاتفاق على إيقافها تمهيدا لإعادة تطبيع الأوضاع ومن أبرز الخروقات المتصلة بهذا الإطار:

اقتحام مديرية دار سعد واختطاف عشرات المواطنين.

استحداث نقاط تفتيش واختطاف مواطنين من محافظات شمالية.

استهداف سيارة شرطة العريش بالشيخ عثمان وإحراقها.

اختطاف مواطن في أبين بسبب رفع العلم الوطني.

منع المسافرين من العبور بحجة انتمائهم لمحافظات شمالية.

احتجاز أركان حرب محور تعز العميد عبدالعزيز المجيدي في نقطة الحديد بعدن.

التحريض الواسع ضد رئيس فرع نقابة الصحفيين اليمنيين بمحافظة عدن.

وأبرز الجرائم المرتكبة بعد اتفاق الرياض اغتيال مدير أمن مديرية الروضة الملازم مجاهد سالم صبيح الذي تعرض لكمين مسلح أثناء مروره ومرافقيه على متن سيارة أمنية في جولة الحراج بمركز المديرية ليستشهد على إثر استهدافه على الفور مع أحد مرافقيه فيما لاذ المسلحون بالفرار، وقد أثبت تسجيل صوتي تورط محمد البوحر القميشي قائد ما كانت تسمى بالنخبة الشبوانية بعملية الاغتيال لتضمن التسجيل الصوتي تهديدا صريحا وجهه البوحر لسالم صبيح.

عرقلة الحكومة:

أكد اتفاق الرياض في أول مادة وردت فيه على ضرورة تفعيل كافة سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية حسب الترتيبات السياسية حسب ملحق الترتيبات السياسية والاقتصادية التي تضمنت عودة الحكومة ورئيس الدولة لممارسة مهامهم من العاصمة المؤقتة عدن، لكن الانتقالي وقف حائلا دون تطبيق هذا البند بمنع وزراء في الحكومة من العودة إلى عدن منهم وزير التربية والتعليم ووزير الشباب والرياضة ووزير الخارجية، ورفع التصعيد ضد رئيس الوزراء وتعمد تعطيل المؤسسات العامة والمرافق الخدمية وتأزيم الوضع ومنع أعضاء الحكومة من ممارسة المهام والعمال، والخروقات في هذا المجال كثيرة ومتعددة وأبرزها تمثلت في:

عرقلة صرف رواتب موظفي الدولة ومنتسبي وزارة الدفاع والدفاع.

عرقلة صرف مخصص المشتقات النفطية الخاص بمحافظة شبوة.

منع الموظفين في وزارة الإعلام من الدخول إلى مكاتبهم.

نهب أثاث وتجهيزات ديوان وزارة الإعلام.

رفض تسليم منشأة جحيف النفطية.

صناعة الإرهاب:

يحاول المجلس الانتقالي وداعميه خلق العديد من المشكلات والاختلالات وتدبير العمليات الإرهابية في محاولة يائسة لتسويق أنفسهم كطرف وحيد يسعى إلى مكافحة الإرهاب ومتابعة أوكاره بهدف التهرب من بنود الاتفاق التي نصت على وجوب تسليمهم للأسلحة الثقيلة والانسحاب من المعسكرات في محافظة عدن ومن اللافت في هذه المسرحيات الهزلية الاستخباراتية لا يجيدون تأديتها بشكل متقن، من ذلك البيانات المنسوبة لتنظيمي القاعدة و داعش التي يتبنون فيها عمليات إرهابية داخل مدينة عدن ففي صياغة البيانات تم استخدام تركيب (مدينة عدن) وهو تركيب لا يوجد في قواميس القاعدة أو داعش على الإطلاق في كل بياناتهم وأدبياتهم وتسجيلاتهم المصورة، فهم يستخدمون تركيب (إمارة عدن) وهكذا في جميع المناطق ولم يسبق لهم استخدام كلمة مدينة، ومن الواضح أن هذه البيانات الصادرة خلال الأيام الماضية تمت صياغتها بطريقة مستعجلة، وهو مؤشر واضح على أن المجلس الانتقالي لايزال مرتبطا كل الارتباط بأجندة وأطماع داعميه ومشغليه، وبذلك قد لا يستطيع أن يجنح للأجندة الوطنية ولمصلحة الشعب العليا، وهو مؤشر مؤسف ينبغي تداركه.

وبما أن الحكومة الشرعية أثبتت حسن النوايا وبادرت لتنفيذ ما يخصها من بنود فإن الضامن الحقيقي لتطبيق الاتفاق إثبات النوايا الصادقة وتوفر الرغبة الحقيقية لدى الانتقالي في تنفيذ ما يخصه وتسهيل تطبيق كافة البنود دون عرقلة واصطناع للمشكلات والاختلالات حرصا على المصالح العليا للبلاد، وإلا فإن الأمور ستتخذ منحى آخر لا ينبغي أن يكون.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق