في أغسطس/آب 2015، افتتحت شركة “تويتر” مكتبا إقليميا لها في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة؛ للعمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف المستخدمون العرب عن انتقاد منصة التغريدات القصيرة فضلا عن اتهامها بالتواطؤ مع الإمارات.
قرار الافتتاح جاء بعد تزايد استخدام تويتر في المنطقة، إذ وصل مستخدمو تويتر النشطين فيها آنذاك إلى 5.8 مليون. في حين تصدرت السعودية دول المنطقة من حيث عدد المستخدمين، حيث وصلت حينها إلى 2.4 مليون مستخدم، وبلغت تغريدات الشرق الأوسط يوميا 17.1 مليون، في تلك الفترة.
ويواجه تويتر اتهامات بالتواطؤ مع أنظمة عربية في ملاحقة الناشطين والتضييق عليهم، بدءا من التلاعب بقائمة الأكثر تداولا وإخفاء وسوم معارضة، وحذف حسابات ناشطين، وصولا إلى تسريب بيانات مغردين معارضين، اعتقلوا لاحقا وتعرض بعضهم للتعذيب.
سياسة الحذف
في الآونة الأخيرة تكررت ظاهرة اختفاء الهاشتاجات من قوائم الترند في بعض البلدان العربية، خصوصا مع اشتعال حروب الوسوم، التي تزامنت مع الحراك الذي شهدته دول عربية من ضمنها مصر.
ما يجمع هذه الهاشتاجات هو معارضتها للسلطات السعودية أو الإماراتية أو المصرية التي تواجه اتهامات بسجن الناشطين وملاحقتهم.
في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ظهر الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي السابق، في مجلس عزاء الحارس الشخصي للملك سلمان اللواء عبد العزيز الفغم الذي قالت السلطات السعودية إنه قتل نتيجة مشاجرة.
ظهور ابن نايف المفاجئ حوله إلى أكثر الهاشتاجات تفاعلا في المملكة، وبدا التعاطف من قبل المغردين السعوديين جليا مع الرجل الذي عزل من منصبه لصالح الأمير محمد بن سلمان.
ورغم التفاعل الكبير مع الهاشتاج إلا أنه اختفى فجأة وظهر بدلا عنه هاشتاج “محمد بن ناصر”. ولا أحد يعرف من هذا الشخص، ولماذا ظهر اسمه.
هذا الأمر ليس الأول من نوعه، فقد حدث سابقا مع عدة هاشتاجات كانت تدعو للتظاهر ضد نظام عبدالفتاح السيسي في مصر، والتي اختفت بشكل مفاجئ رغم أن بعضها تجاوز حاجز المليون تغريدة.
وظهرت بدلا عنها هاشتاجات مشوِّهة وأخرى مؤيدة للسيسي، رغم ضعف التفاعل معها، مثل هاشتاج “كفاية بقى يا سيسي” الذي اختفى من قائمة الأكثر تداولا، واحتل مكانه هاشتاج “احنا معاك يا سيسي”.
النشاط المريب لمكتب تويتر في دبي لم يتوقف عند هذا الحد، فقد حُذفت حسابات ناشطين معارضين في مصر ودول أخرى دون سابق إنذار.
وأكد أصحاب هذه الحسابات أنهم لم يخالفوا تعليمات الشركة، ولم ينتهكوا أيا من قوانينها.
الأمس تعرضت العديد من الحسابات المصريه المعارضة للسيسي للإغلاق من مكتب تويتر بالشرق الأوسط في دبي.
المرجح بنسبه عاليه إن هذا الهجوم الممنهج كان أيضاً مسيس.
لو تم إغلاق حسابك الأمس فقط الأسباب تعتقدها سياسيه اعطني إسم الحساب القديم. سيتم التواصل مع إدارة تويتر#نازلين_الساعه_تلاته— Amr Khalifa (@Cairo67Unedited) October 1, 2019
وبعد حملة انتقادات لاذعة طالت تويتر اتهمتها بالخضوع لسلطات أبوظبي وحلفائها، اعتذرت الشركة عن حذف الحسابات، زاعمة أن الأمر حدث عن طريق الخطأ.
جاسوس في تويتر
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، هزت شركة تويتر فضيحة مدوية بعد الكشف عن تجنيد الحكومة السعودية جاسوسا لمراقبة حسابات الأشخاص المعارضين للسلطة، في موقع تويتر، وتقديم بيانات شخصية عنهم.
“الجاسوس” يدعى علي آل زبارة، انضم إلى تويتر في عام 2013، وشغل لاحقا منصب مسؤول تقني؛ ما مكنه من الوصول إلى بيانات حسابات بعض المعارضين ونشاطهم على تويتر، أبرزها أرقام الهواتف الخاصة وعناوين “آي بي”، ومعرّفات فريدة للأجهزة المتصلة بالإنترنت.
ولم تكتشف الشركة الأمر حتى نهاية 2015 بعد تلقيها رسالة من مسؤولين أمنيين غربيين تفيد بأن السعوديين، جندوا أحد موظفيهم، للتجسس على المعارضين في المملكة.
وبناء على المعلومات الاستخباراتية، استجوب المسؤولون التنفيذيون في تويتر، علي آل زبارة، وأجروا تحليلا جنائيا؛ في محاولة لتحديد المعلومات التي وصل إليها.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2015، طردته الشركة من وظيفته، فتوجه إلى السعودية وأصبح مديرا تنفيذيا في مؤسسة “مسك” التي يشرف عليها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصيا.
وفي خطوة وقائية، أرسلت تويتر في نفس الشهر، تحذيرات إلى مالكي عشرات الحسابات التي وصل إليها الجاسوس السعودي. وشهدت تلك الفترة حصول اختراقات لحسابات عدد من المعارضين، من بينهم المغرد السعودي الشهير “مجتهد”.
انتقادات حقوقية
مؤسسة “سكاي لاين” الحقوقية التي تتخذ من ستوكهولم مقرا لها، طالبت شركة تويتر بتحمل مسؤولية اعتقال السعودية مدونين معارضين إثر اختراق حساباتهم.
واعتبرت المنظمة أن هذه الإختراقات تمثل وصمة عار في تاريخ تويتر، مؤكدة أنه يتوجب على الشركة ممارسة كافة الضغوط على السلطات السعودية للإفراج عنهم.
فيما قالت منظمة “إمباكت” الدولية لسياسات حقوق الإنسان: إن شركتي تويتر وفيسبوك، تُضطران للالتزام بسياسات تفرضها حكومات في الشرق الأوسط عليها مقابل السماح لهما بتقديم خدماتهما داخل حدود بلدانها، الأمر الذي يهدد أمن وسلامة مستخدميهما بشكل خطير.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أطلق عشرات الآلاف من المغردين العرب حملة على تويتر، للمطالبة بنقل مكتب الشركة من الإمارات.
وانتشرت العديد من الوسوم، من بينها، “تغيير مكتب تويتر بدبي”، و”Change Twitter Dubai”، و”StopTwitterMENAOffice”.
وأعرب المغردون عن استغرابهم من وجود مكتب لـ”تويتر” في بلد لا يحترم الحريات. واقترحوا أن يكون المقر البديل في تونس أو الكويت.
المعارض والناشط السعودي تركي الشلهوب، أكد في حديث مع “الاستقلال”: أن مكتب تويتر الإقليمي في دبي تحول إلى وكر لقمع الحريات ومحاربة الناشطين.
ونوه الشلهوب إلى أن اختراق الحكومة الإماراتية لهذا المكتب يهدف إلى التلاعب بتوجيه الرأي العام على “تويتر” وفق ما يخدم سياستها فحسب، فهناك الكثير من التقارير التي تحدثت عن دور كبير لمكتب دبي في اعتقال معارضين سعوديين، أحدهم فارق الحياة تحت التعذيب.
ولفت الناشط السعودي إلى أن بقاء المكتب في دبي يؤثر سلبا في حرية التعبير التي من المفترض أن تكفلها شركة تويتر، وهو ما يجعل مصداقيتها على المحك.
وشدد على أنه من غير المعقول أن يظل مكتب تويتر في دولة ترى في الحرية خطرا عليها، وتقمع كافة الأصوات المعارضة، وتستخدم برامج تجسس فائقة الخطورة لاختراق حسابات وأجهزة الناشطين داخل الإمارات وخارجها.