“طبول الحرب تدق بالفعل في الشرق الأوسط، والأصم فقط هو من لا يسمعها”، تلك العبارة التي قالها ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر، الذي يوصف بكونه أحد أبرز الدهاة الساسيين في العالم، تثبت حقيقتها مع مرور الوقت.
مقولة كيسنجر هذه مضى عليها أكثر من أربعة أعوام ونصف العام، وما يعيد ذكرها أنها كانت أكثر التوقعات المناطقية التي ستشهد حرباً عالمية جديدة قرباً من الواقع، إذ تشهد عديد من المناطق في العالم توترات سياسية تنذر بوقوع حرب قد تتدخل فيها دول أخرى لتتحول إلى حرب عالمية.
والتوقعات بنشوب حرب عالمية ثالثة، تستعيد ذاكرة الكوارث التي جلبتها الحرب العالمية الثانية، لا سيما مع حلول ذكرى انطلاقها.
ذكرى الحرب العالمية الثانية
بدأت الحرب العالمية الثانية في مثل هذا اليوم الأول من سبتمبر عام 1939 في أوروبا، أي قبل 80 عاماً تماماً، وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، وشاركت فيها معظم دول العالم، حيث انقسمت الدول إلى حلفين عسكريَّين متنازعين: دول المحور، ودول الحلفاء.
انطلقت هذه الحرب التي شارك فيها أكثر من 100 مليون شخص من أكثر من 30 بلداً، عندما اجتاحت ألمانيا بولندا، وما لبثت أن توالت بعدها العديد من الحروب في مختلف مناطق أوروبا، ومنها: رومانيا، وفنلندا، وبولندا، ودول البلطيق.
امتدت الحرب لتشمل دولاً ومناطق من خارج القارة الأوروبية، مثل: شمال أفريقيا، وشرقي أفريقيا، والمحيط الأطلسي، بالإضافة إلى غزو دول المحور للاتحاد السوفييتي في يونيو عام 1941؛ وهو الأمر الذي أدى إلى إشعال الجبهة الشرقية، ودفع اليابان إلى الهجوم على ميناء بيرل هاربر، ومنطقة ملايا البريطانية في المحيط الهادي.
انتهت الحرب العالمية الثانية، التي خلفت أكثر من 60 مليون قتيل، بهزيمة ألمانيا، وبسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين، حيث أعلنت ألمانيا استسلامها غير المشروط في 8 مايو عام 1945.
أما على الجبهة اليابانية فقد انتهت الحرب بإلقاء الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي باليابان، وذلك في 6 أغسطس و9 أغسطس من عام 1945؛ وهو الأمر الذي أدى إلى استسلامها في 15 أغسطس 1945.
مناطق اندلاع الحرب العالمية الثالثة
منذ سنوات تتحدث تقارير إعلامية عن سيناريوهات متوقعة للحرب العالمية الثالثة، ومناطق نشوبها، وغالباً التوقعات كانت تذهب إلى أن الحرب ستنطلق من كوريا الشمالية، أو تايوان، أو أوكرانيا، أو تركيا، أو من منطقة الخليج العربي.
كوريا الشمالية
على مدى العامين الماضيين، لا سيما مع تولي الرئيس دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض، كانت التهديدات المتبادلة تتوالى بين الأخير ونظيره الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون.
فقد نجحت كوريا الشمالية في صنع الصواريخ الباليستية، التي كانت تراها واشنطن مصدر تهديد كبيراً للعالم؛ وهو ما جعل التوقعات تذهب إلى نشوب حرب ستضطر اليابان والصين إلى المشاركة فيها أيضاً.
لكن التقارب الذي حصل خلال الأشهر الأخيرة، بين واشنطن وبيونغ يانغ، خفض من توقعات اندلاع حرب كونية في تلك المنطقة من العالم، لكن إلى متى؟
الخلاف الروسي – الأوكراني
تتبادل أوكرانيا وروسيا الاتهامات، بسبب خرق القانون البحري الدولي، ويستند الجانبان في موقفهما إلى اتفاقية القانون البحري الدولية المبرمة في 1982 والتي انضم إليها البلدانِ في 1990.
وفي الوقت الذي تشدد فيه أوكرانيا على أساس هذه الاتفاقية وعلى حرية التنقل في طريق كيرتش وكذلك ببحر آزوف، يحاول الجانب الروسي وضع حدود إقليمية.
بالإضافة إلى هذا يوجد بين البلدين اتفاق ثنائي حول الاستخدام الحر لطريق كيرتش وبحر آزوف، وهذا الاتفاق تستند إليه أيضاً كييف، فضلاً عن أن موسكو لم تلغِ العمل به قط.
ونتيجة هذه التوترات والخلافات مع روسيا، كانت أوكرانيا محطة متوقعة لانطلاق حرب عالمية، لكن مؤخراً تراجعت حدة التهديدات والتوترات بين البلدين، وأخذت سياسة التفاهم دوراً بين الجانبين.
تايوان والتهديد الصيني
تعتبر تايوان حتى وقت قريب، منطقة مهدَّدة بوقوع حرب فيها من الممكن أن تتحول إلى حرب عالمية، وكانت توقعات عديد من الخبراء تذهب في هذا الاتجاه، ومن بينهم الخبير الأمريكي في مسائل الدفاع والأمن القومي البروفيسور روبرت فارلي.
في مقال نشرته صحيفة “ذي ناشيونال إنترست”، في ديسمبر 2017، يستشهد فارلي بقول الدبلوماسي الصيني لي كيكسين إن بكين “ستوحد تايوان” بالقوة لحظة وصول السفن العسكرية الأمريكية إلى هذه الجزيرة.
ورأى فارلي أن “اللاعبين المهمين مثل الصين والولايات المتحدة جاهزون للسماح للعلاقات التي يجب أن تكون قابلة للتنبؤ وتتطلب دبلوماسية حذرة، بالتطور بشكل غير محدد؛ وهو ما قد يؤدي إلى اشتعال نزاع مدمر”.
تركيا.. بين “الناتو” وموسكو
بلغت حدة الخلاف التركي – الأمريكي أوجها في 2018؛ فتركيا التي تعتبر عضوة بحلف الناتو لم تنجح في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتُواصل تقوية علاقاتها مع موسكو.
وبلغ الخلاف السياسي بين أنقرة وواشنطن حداً وصل إلى شن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حملة فرض ضرائب وعقوبات، أضرت بالاقتصاد التركي.
بالإضافة إلى شن ترامب حملة مستمرة على منصة “تويتر”، كان يسهم من خلالها في دفع العملة التركية إلى التراجع.
عدة خطوات اتخذها الطرفان أدت إلى تهدئة الأجواء بينهما، لكن بعد عدة شهور ظهرت الخلافات من جديد على السطح، لا سيما مع لجوء أنقرة إلى شراء منظومة صواريخ “إس-400” الروسية.
الخليج العربي.. المنطقة الأكثر خطراً
تعتبر منطقة الخليج العربي المنطقة التي كانت حاضرة في توقعات جميع الخبراء، وهم يدرجون المناطق التي ستنطلق منها حرب عالمية ثالثة.
فوجود ما تعتبره دول المنطقة “تهديداً” إيرانياً، بسبب قدرة طهران على التدخل في شؤونها الداخلية، لا سيما من خلال أتباع لها من مواطني هذه الدول، موالين عقائدياً لمبدأ “الولي الفقيه”، يجعل وقوع صراع يتحول إلى حرب عالمية متوقع الحدوث.
هذه التخوفات دفعت السعودية، وحليفتها الإمارات بالإضافة إلى البحرين، إلى تكوين تحالف ضمَّ أمريكا وإسرائيل ودولاً أخرى؛ بهدف التصدي للتهديدات الإيرانية، وفق رؤيتها.
ومع مرور الوقت تزداد منطقة الخليج العربي توتراً؛ خاصة أنها شهدت اعتداءات ملاحية وتفجيرات سفن، خلال الأشهر القليلة الماضية، تتهم الولايات المتحدة إيران بتنفيذها، في حين اعترفت الأخيرة بإسقاط طائرة أمريكية مسيَّرة.
وتزداد أيضاً التهديدات الإيرانية حدة، لا سيما من قِبل قادة “الحرس الثوري”، وما زاد من حدتها تعرُّض مواقع تابعة لمليشيات موالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان، لضربات جوية من قِبل طيران أمريكي وإسرائيلي.
رأي كيسنجر الأكثر دقة
وبعد أكثر من عامين على طرح أكثر الخبراء في السياسة والحروب دراية بالعالم، حول المناطق المتوقع أن تنطلق منها الحرب العالمية الثالثة، بدا توقع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ، الذي سبق جميعَ الخبراء بتوقعه، الأقرب إلى الواقع والأكثر دقة.
حيث قال كيسنجر في حوار تلفزيوني، أجري في فبراير 2015: إن “الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب، وإيران ستكون ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على إسرائيل خلالها أن تقتل أكبر عدد ممكن من العرب وتحتل نصف الشرق الأوسط”.
وأكد كيسنجر أن طرفَي الحرب هما روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.
وأضاف: “لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون إلى احتلال سبع دول في الشرق الأوسط؛ نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية لنا؛ خاصة أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى، ولم يبقَ إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران”.
واستطرد يقول: “عندما تفيق الصين وروسيا من غفوتهما سيكون (الانفجار الكبير) والحرب الكبرى قد قاما، ولن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأمريكا”.
وزاد: “سيكون على إسرائيل خلالها القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح؛ لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط”.
كيسنجر، الذي يوصف بأنه أحد أهم مهندسي النظام العالمي الجديد، أكد بالقول: إن “طبول الحرب تدق بالفعل في الشرق الأوسط، والأصم فقط هو من لا يسمعها”، مشيراً إلى أنه “إذا ما سارت الأمور كما ينبغي فسوف تسيطر إسرائيل على نصف منطقة الشرق الأوسط”.
وذكر أن “أمريكا وإسرائيل جهزتا نعشاً لروسيا وإيران، وستكون إيران هي المسمار الأخير في هذا النعش، بعد أن منحتهما أمريكا فرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة. بعدها ستسقطان للأبد، لتتمكن أمريكا من بناء مجتمع عالمي جديد، لن يكون فيه مكان إلا لحكومة واحدة تتمتع بالقوة الخارقة”.