بعد أسبوع الانتصارات الإماراتية، بقيادة تمرد عسكري انفصالي ضد الحكومة اليمنية، في مدينة عدن جنوب البلاد، يبدو أن الأحداث التي أرادت من خلالها أبوظبي إطلاق رصاصة النصر واللعب بـ”الورقة الأخطر” في اليمن، تحولت إلى مأزق لها، مع انطلاق أول ردود الفعل اليمنية الرسمية، والتلويح بالتحرك دولياً ضد الإمارات، نتيجة الدعم اللامحدود للانقلاب في عدن، في ظل ملامح ضوء أخضر سعودي للحكومة اليمنية، بالتحرك في حدود ما تزال في إطار الضغط.
وخلال الـ48 ساعة الماضية، تحولت محافظة شبوة النفطية إلى أحدث ساحة توتر، إذ أفادت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، بأن قيادات ما يُسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، طلبت من السلطة المحلية في مدينة عتق، مركز المحافظة، تسليمها إلى قوات “النخبة الشبوانية”، المدعومة من الإمارات، وهددت بالتحرك عسكرياً لإسقاط المدينة إذا رفضت القوات الحكومية الانسحاب منها. وفيما واصلت القوات الموالية للإمارات حشدها للضغط على السلطة المحلية والقوات الحكومية في المدينة، أفادت مصادر قريبة من السلطات اليمنية، أمس الخميس، بفشل جهود “الانتقالي” في إقناع القوات الحكومية بالانسحاب وتسليم المواقع ومنشآت السلطة المحلية إلى “النخبة الشبوانية”، وأن قوات سعودية وصلت إلى مطار عتق لدعم موقف الجانب الحكومي، من دون أن يتسنى على الفور التأكد من حجم القوة السعودية، وما إذا كانت ستمنع تكرار ما حدث في أبين، عندما أسقط الانفصاليون معسكرات القوات الحكومية، الثلاثاء الماضي، أم أنها تقوم بدور الوساطة لنزع فتيل الانفجار.
وفي عدن، أعادت قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، أمس الخميس، احتلال القصر الرئاسي، مقر الحكومة في مدينة عدن، بعد أن سلمته إلى قوات سعودية في وقت سابق. وأوضحت مصادر محلية في عدن، لـ”العربي الجديد”، أن قوات ما يُعرف بـ”اللواء الخامس دعم وإسناد”، التابع إلى “الحزام الأمني”، هاجمت قصر معاشيق، فجر الخميس، واشتبكت مع قوات سعودية متواجدة في مواقع داخله، بعدما انسحب أفراد قوات الحرس الرئاسي، ظهر الأربعاء الماضي، وتلا ذلك عملية نهب من مسلحين ومدنيين للقصر، الذي يعد أبرز منشأة حكومية داخل عدن.
وجاءت التطورات الميدانية، التي تشير إلى استماتة الجانب الإماراتي، بتثبيت سيطرة الانفصاليين في عدن، في ظل الهجمة المرتدة التي واجهتها أبوظبي سياسياً، من قبل الحكومة اليمنية. وتمثلت الهجمة في تبني الحكومة خطاباً رسمياً يشير بأصابع الإمارات إلى مسؤولية مباشرة عن “التمرد المسلح” في عدن، وهو الموقف الذي تلاه مندوب اليمن في الأمم المتحدة عبد الله السعدي، أمام مجلس الأمن، الثلاثاء الماضي، وأكد خلاله أنه “لولا الدعم الكامل الذي وفرته دولة الإمارات، تخطيطاً وتنفيذاً وتمويلاً، لهذا التمرد، ما كان له أن يحدث، وأن هذا المخطط التمزيقي مستمر وفي تصاعد، رغم كل دعوات التهدئة التي تقودها السعودية”.
وفيما واصلت الحكومة اليمنية تصعيد لهجة مواقفها حيال الدور الإماراتي في عدن، من خلال الإعلان عن أنها بصدد التحرك، وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لإجبار أبوظبي على وقف الدعم إلى “الانفصاليين”، دخل البرلمان اليمني على الخط، للمرة الأولى، مطالباً الرئيس عبدربه منصور هادي باستخدام صلاحياته الدستورية لإعادة تقييم العلاقة مع التحالف، واتخاذ كل ما يلزم لإنهاء التمرد الذي شهدته عدن ومحيطها من المدن.
في هذه الأثناء، أفادت مصادر سياسية قريبة من الحكومة اليمنية، لـ”العربي الجديد”، باحتدام النقاش في أوساط مسؤولي الأخيرة، بشأن إمكانية الانتقال إلى الخطوة التالية، والتي تتمثل في مطالبة التحالف بإنهاء دور الإمارات، ما يرفع الغطاء عن تدخّلها، بوصفه البوابة التي مكنتها من التواجد العسكري والأمني في الأراضي اليمنية ودعم الانفصاليين لمحاربة الحكومة. وفي حين يجمع أغلب المسؤولين اليمنيين على أن الخطوة المناسبة، إزاء انقلاب الإمارات، يفترض أن تكون بسحب الغطاء عن أي دور عسكري لها في اليمن، يبدو أن التردد في اتخاذ مثل هذه الخطوة، مرتبط بحسابات الرياض، المؤقتة على الأقل، بحيث يبقى ورقة تفاوض قد تضطر الحكومة إلى إشهارها لاحقاً في وجه التهور الإماراتي. وعلى الصعيد ذاته، وبالنظر إلى تواجد أغلب مسؤولي الحكومة اليمنية في الرياض، فقد جاءت أغلب المواقف في الـ72 ساعة الأخيرة، كما لو أنها قد حصلت على ضوء أخضر من الجانب السعودي، الذي يلعب في الوسط، من خلال التأكيد على دعم الحكومة ووحدة اليمن، ودعوة الأطراف المختلفة، بما فيها “المجلس الانتقالي الجنوبي”، إلى الحوار برعايتها.
وفيما جددت الحكومة موقفها، الرافض للجلوس حول طاولة حوار مع “الانتقالي”، قبل الانسحاب من المؤسسات الحكومية والمعسكرات التي سيطرت عليها التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس في عدن، يتواجد وفد “الانتقالي”، المطالب بالانفصال، في مدينة جدة، برئاسة رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، الذي عقد لقاءً، الأربعاء الماضي، مع نائب وزير الدفاع السعودي والمسؤول عن ملف اليمن الأمير خالد بن سلمان. ومن غير الواضح، ما إذا كانت الرياض ستستفيد من وجود قادة الانفصاليين في أراضيها، لممارسة الضغوط على حلفاء أبوظبي، لتنفيذ وعودها للحكومة اليمنية، بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل انقلاب أغسطس/آب الحالي، أم أنها تمارس الضغط على الطرفين، الحكومة والانتقالي، للقبول بصيغة تُشرك الأخير في الحكومة، مقابل تراجعه عن بعض خطوات الانقلاب.
الجدير بالذكر، أن الإمارات ومع بدء موجة ردود الفعل اليمنية الرسمية، وأبرزها الموقف الحكومي في جلسة مجلس الأمن، ظهرت في حالة من التخبط، وسعت للتأكيد على أن دورها في اليمن يأتي استجابة لدعوة الحكومة بالوقوف ضد انقلاب جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، إلى جانب تبني نشطاء وإعلاميين إماراتيين خطاباً متشنجاً يهاجم الحكومة اليمنية، عكس كما لو أن الإمارات تواجه تبعات لم تكن في حسبانها، خصوصاً إذا ما استمر الموقف الحكومي صارماً بشأن دورها، وانتقل إلى خطوات ترفع الغطاء عن تدخلها، وبالتالي، خروجها بإدانة كبيرة، بعد أكثر من أربع سنوات من مشاركتها بالحرب في البلاد.