تطمح الحكومة الشرعية في اليمن حاليا إلى إعادة الوضع في عدن إلى ما قبل 7 آب/ أغسطس 2019 عندما سيطرت ميليشيات دولة الإمارات على العاصمة المؤقتة عدن في انقلاب علني على الشرعية.
لكن ثمن إنهاء انقلاب عدن أصبح مرتبطا بإشراك المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات في السلطة، وهو ما يمثل اقترابًا تدريجيًا من الانفصال، أو “استعادة دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة”، وفقًا لبيانه الذي أصدره بعد خمسة أيام من سيطرته على عدن.
يعزز ذلك ما يتردد عن سعي انفصالي الإمارات إلى الحصول على حقيبة الدفاع أو الداخلية؛ حيث سيضمن الحفاظ على قواته، وتطويرها، وإدارتها مباشرة، وبلوغه المحافظات التي ظلت بعيدةً عن سيطرته، ولتكون هذه القوات أداة لتحقيق إرادته السياسية مستقبلًا.
يظهر إجمالي هذه التطورات أن دولة الإمارات فتحت الباب واسعا في اليمن للتشظي والانقسامات، إذ أضحت أبوظبي في جنوب اليمن كاشفة عن سوءتها، وقد نكل مرتزقتها هناك في عدن بكلّ شماليّ وُجد على الأرض، ضربٌ وسحل ونهبٌ وسلب وترحيل.
تنشر الإمارات في اليمن الاختلاف والافتراق، فدعمت انفصال الجنوب عن الشمال، محاولة إسقاط الشرعيّة التي جاءت أصلا ضمن التحالف السعودي لتوطيد أركانها، وحيال ذلك لم تقم المملكة العربية السعودية بما يناط بها سوى دعوات هزيلة بالانسحاب.
ويسعي المجلس الانتقالي الانفصالي حاليا إلى فرض نفسه سلطة بديلة من سلطة هادي، بدعم إماراتي؛ ما أفضى إلى نشوب مواجهاتٍ مسلحةٍ عديدة بين قوات الحماية الرئاسية من جهة، وقوات إدارة أمن عدن والحزام الأمني من جهة أخرى، في كانون الثاني/ يناير 2018، وتكرّر الأمر في كانون الثاني/ يناير 2019.
انحصرت المواجهات بين وحدات من الحماية الرئاسية وقوات الحزام الأمني في مناطق محدّدة من عدن: التواهي، وكريتر، وخور مكسر، والشيخ عثمان، ودار سعد، وعلى نحو أقل منطقة البريقة. وشاركت إلى جانب ألوية الحماية الرئاسية الشرطة العسكرية، ومجاميع من “المقاومة الشعبية”.
في حين دفع المجلس بقوات من الحزام الأمني، ومكافحة الإرهاب، وقوات أمن عدن، ومقاتلين قبليين شاركوا في تشييع جثمان العميد اليافعي.
بعد يومين من اندلاع المواجهات، تمكّنت قوات المجلس من اختراق دفاعات اللواء الرابع حماية رئاسية في الشيخ عثمان (البوابة الشمالية لعدن)، والتوغل مع المقاتلين القبليين في عمق المدينة، وتعزيز موقف اللواء الأول مشاة في جبل حديد، أمام نظيره اللواء الثالث حماية رئاسية، والسيطرة على قصر معاشيق من دون قتال، مع الخروج الآمن لأكثر من مائتي جندي، في 10 آب/ أغسطس.
وقد أسهم بعض العوامل في حسم الصراع لمصلحة قوات الحزام الأمني، فخلال يومي 9 و10 آب/ أغسطس، أعلنت وحدات من الجيش انضمامها إلى قوات المجلس، وهي: قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وقيادة فرع الشرطة العسكرية في محافظة لحج المتاخمة لمدينة عدن. وفي قطاع الداخلية، انضمت إدارة شرطة محافظة لحج، وقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقًا) في محافظات عدن، ولحج، وأبين.
وكان اختيار قوات الحزام الأمني توقيت المعركة مع حلول عيد الأضحى أيضًا حاسمًا؛ إذ يغادر جنود كثيرون معسكراتهم لقضاء إجازة العيد، فضلًا عن تراكم الخبرة لدى قوات الحزام الأمني من معارك خاضتها في أثناء طرد الحوثيين من عدن، أواسط عام 2015، ومن مشاركتها في معارك الساحل الغربي، ولحج، والضالع. وعلاوة على ما سبق، ثمّة أسباب بارزة وراء انكسار قوات الحماية الرئاسية، منها:
- الدعم العسكري الإماراتي لقوات الحزام الأمني والقوات المساندة الأخرى.
- اتخاذ القوات الحكومية وضعًا دفاعيًا صعبًا، لم يُراع فيه تمركزها في مناطق يصعب وصول التعزيزات البرّية إليها (كان عمق القوات خليج عدن)، مع تأثير ذلك في مرونة الدفاع اللازم، والفاعلية في الأداء، في ظل تواضع آلتها العسكرية، وضعف التحصينات.
- الفساد السائد في منظومة إدارة القوات الحكومية وقيادتها، بما فيها قوات الحماية الرئاسية.
موقف التحالف العربي من طرفي الصراع
لم يتبنّ التحالف موقفًا سريعًا وجادًّا لوقف الصراع، واكتفى بعد أربعة أيام من المواجهات المسلحة بإصدار بيان لوقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الطرفين إلى مواقعها السابقة، في وقتٍ كانت فيه قوات المجلس قد حسمت المعركة. وقد عزّز ذلك الدعوة المتأخرة التي وجهتها المملكة العربية السعودية إلى “الأطراف التي نشب بينها النزاع”، للاجتماع العاجل في الرياض، وشن طائراتها غارات على أهداف غير ذات أهمية.
وبالمثل، كان الموقف السياسي للإمارات متأخرًا؛ فبعد سيطرة قوات المجلس على عدن، دعا وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، إلى “حوار مسؤول وجاد؛ من أجل إنهاء الخلافات”، مع علمه أن المسألة ليست مسألة خلافات بعد أهداف معلنة للمجلس الانتقالي بالإعداد لإقامة دولة.
وتزامن ذلك مع حملة إعلامية شديدة، قادها سياسيون وأكاديميون مقرّبون من مركز القرار الإماراتي، حاولت بعث النزعات الانفصالية، والتعريض بالرئيس هادي، والدعوة إلى طرد الحكومة من عدن.
على الأرض، شاركت عربات مشاة إماراتية، مع قوات المجلس، في السيطرة على عدن، كما توفر الدعم اللوجستي؛ إذ ليس من المنطقي أن تفرّط الإمارات في حليفٍ قاتل، ويقاتل عنها، وتعرّضه للهزيمة، وتتنازل عن دورها في تشكيل المجلس، ودعم مشاركته في عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة طرفا جنوبيا رئيسا. ليس ذلك فحسب، بل سبق لطائرات الإمارات أن عزّزت موقف هذه القوات، بالإغارة على قوات الحماية الرئاسية في أثناء المواجهات التي اندلعت بينهما مطلع عام 2018.
ترتيبات ما بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي
بعد سيطرة المجلس الانفصالي على عدن، تميل الإمارات إلى إيجاد تحالف سياسي – عسكري، بين المجلس الذي باتت قواته قادرةً على إحداث تحولات على الأرض، وحزب المؤتمر الشعبي العام (جناح أحمد علي عبد الله صالح المقيم في الإمارات)، مع تنامي نفوذ قواته الخاضعة لابن عمه العميد طارق محمد عبد الله صالح، والتي تسيطر، إلى حد ما وبدعم إماراتي، على منطقة الساحل الغربي، في مسعىً مقبل قد يكون هدفه السيطرة على المناطق الخاضعة لحكومة هادي في محافظة تعز، بالتنسيق مع كتائب القيادي السلفي، العقيد عادل عبده فارع (أبو العباس)، المرابطة في منطقة الكدحة والتي تحظى بدعم إماراتي.
أما السعودية فتحاول التوفيق بين الحفاظ على تحالفها مع الإمارات والتزاماتها تجاه السلطة الشرعية. ولذلك بادرت إلى دعوة المجلس إلى الانسحاب من المعسكرات والهيئات الحكومية التي استولى عليها، مع نشرها، في الوقت ذاته، قواتها في منطقة العريش شرقي عدن، ومنطقة صلاح الدين، غربي عدن، منذ أواخر تموز/ يوليو 2019، لتعمل قواعد عسكرية متوسطة وقابلة للنمو مستقبلًا.
وقد لوحظ تزايد حجم هذه القوات بعد سقوط عدن في قبضة المجلس، في حين لم تبد قواتها التي وصلت إلى عدن قبل ذلك أي موقف مع أي طرف. والحقيقة أن الدعوات إلى حوار وغيره، ومناشدة المجلس الانتقالي بالتراجع لا تعدو كونها ضريبة كلامية للشرعية، فالمجلس الانتقالي يعرف أن المقرّر في النهاية هو عامل السيطرة على الأرض.
*الامارات ليكس