اندلع قتالٌ منذ إيام في مدينة عدن الساحلية، والعاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً.
لكن القتال هذه المرة لم يكن بين قوات التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيون المدعومون من إيران، مثلما اعتدنا في السنوات الأربع الماضية من الحرب الأهلية الوحشية التي اندلعت في البلاد.
وانما بين قوات تتبع الحكومة الشرعية وفصائل متمردة تدعمها إحدى دول تحالف دعم الشرعية وهذه من مفارقات الأزمة اليمنية العجيبة.
خلال 7 أيام من القتال الذي نشب بين المليشيات الانفصالية وقوات الحكومة الشرعية، قُتل 40 شخصاً وأصيب 260 آخرون.
وفيما حقق الانفصاليون مكاسب، تدخل التحالف الذي تقوده السعودية لحماية الحكومة، وضرب ساحة خالية في القصر الرئاسي بعد سيطرة الانفصاليين عليه.
واعتبر الجنوبيون هذه الضربات الجوية بمثابة تحذير وغادروا القصر، لكنهم احتفظوا بسيطرتهم على عدن.
ووصف وزير الداخلية اليمني، أحمد الميسري، أحداث عدن بأنها “انقلاب ناجح”، إذ اعترف بالهزيمة في مقطع فيديو قبل أن يلحق بباقي أعضاء الحكومة المتواجدين في العاصمة السعودية، الرياض.
وعاد الهدوء النسبي إلى المدينة، بعد أيام من قتال الشوارع التي أدى إلى حصار المدنيين في منازلهم لكن عمليات النهب والسلب استمرت وطالت مؤسسات الدولة ومنازل قيادات في صفوف الرعية ومواطنين.
ولطالما سعت فصائل جنوبية ومنها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الامارات إلى محاولة فرض استقلال الجنوب ولكنهم تخلوا عن هذا الحلم مؤقتاً حين سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014.
بعد ذلك أيدت هذه الفصائل الى الحكومة الشرعية بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي التحالف العربي الذي تقوده السعودية ووافقت على العمل تحت مظلة حكومة هادي.
هنأ أحمد الميسري، وزير الداخلية في حكومة هادي، ساخراً الإمارات على النصر وأقر بالهزيمة، في حديث قصير صريح كشفت عن احتمال نشوب حرب بالوكالة بين الإمارات والسعودية.
الامارات التي اعلنت تخفيض قواتها في اليمن ما زالت تسيطر على الوضع هناك فقد عمدت إلى إنشاء تشكيلات عسكرية خارج سيطرة الدولة لتتمكن من التحكم بالمناطق التي قد تنسحب منها، إلا أن مراقبون يعتقدون أن الإمارات تراجعت عن قرارها بالانسحاب من اليمن.
ولفت المراقبون إلى أن هناك خلافات سياسية قديمة بين السعودية والإمارات إذ إن الرياض هي المركز الفعلي للحكومة اليمنية، ويقضي هادي ووزراؤه معظم وقتهم في السعودية. وفي الوقت نفسه، أمدّت الإمارات الانفصاليين بالسلطة، وتعتمد عليهم، وعلى غيرهم، لتحقيق النصر في المعارك الميدانية.
ولكن الإمارات على خلاف مع السعودية بشأن ضم هادي لأعضاء من حزب «التجمع اليمني للإصلاح» السياسي إلى حكومته. إذ يُعرف هذا الحزب بارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي تصفها الإمارات بالإرهابية والتي عملت على منع صعودها على مدى العقد الماضي.
والتقى قادة السعودية والإمارات لمناقشة المسألة اليمنية أمس الإثنين 12 أغسطس/آب. لكن صور الترحاب الحار لا تكشف عن تأثير الاقتتال الداخلي الأخير على تحالفهم.
وسواء كنت تعتقد أن انتهاء حرب اليمن التي طال أمدها سيتحقق بالقوة العسكرية أو مفاوضات السلام، فإن صراع عدن يعقّد كل الأمور.
إذ إن ائتلافاً منقسماً لا يكفي لترجيح كفة أي طرف، بل قد يعني أن القتال سيستمر لفترة أطول، وستكثر أطرافه.
وإذا لم يتمكن هادي من التحدث نيابة عن كل ما يزعم أنه يمثله، فستُقوَّض شرعيته ومصداقيته بشكل كبير.
وعلى الجانب الإنساني، يُعقّد أي توقف في ميناء حيوي مثل عدن عمل البعثات الإغاثية التي تعمل على التصدي لأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ولكن هناك بصيص من الأمل، إذ قد يكون ما حدث بمثابة نداء تنبيه للسعودية والإمارات والأطراف الأخرى بأن أي حل مستدام يتطلب معالجة مشكلات الجميع.
فقد ركزت اتفاقية استكهولم في ديسمبر/كانون الأول على أهداف قصيرة الأجل، لكن المفاوضات لم تشمل مصادر قلق الجنوب المباشرة أو تطلعاته المستقبلية.
ومع عودة الهدوء النسبي إلى عدن، واتفاق الجانبين على المشاركة في محادثات ترعاها السعودية، ما زال هناك وقت لإعادة النظر في استخدام الأساليب القديمة.
عربي بوست+ عدن نيوز