كان إحجام البيت الأبيض عن توريط الولايات المتحدة في صراع عسكري مع إيران هو الدافع الرئيسي وراء قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بإلغاء ضربة انتقامية بعد إسقاط إيران طائرة أمريكية مسيرة الأسبوع الماضي. لكن واشنطن تحتفظ بخيارات أخرى للرد، واختارت هذا الأسبوع تطبيق ضغوط عقوبات إضافية على الحكومة الإيرانية.
وفي 24 يونيو/ حزيران، فرضت الولايات المتحدة دفعتين جديدتين من العقوبات على إيران، حيث فرضت عقوبات جديدة على قادة في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، والتي من غير المرجح أن يكون لها أكثر من تأثير محدود على الاقتصاد الإيراني، أما المجموعة الثانية من العقوبات، التي تستهدف المرشد الأعلى الإيراني “آية الله علي خامنئي” والمعيّنين لديه، فيمكن أن تكون مؤلمة أكثر بكثير من العقوبات المعتادة التي تصدرها الولايات المتحدة.
وجمد أمر تنفيذي وقعه “ترامب” جميع الممتلكات التي يحوزعا المرشد الأعلى في إيران أو مكتبه والواقع تحت نطاق الصلاحية القضائية الأمريكية. ويسمح هذا الأمر لوزارة الخزانة الأمريكية بمعاقبة أي شخص أو كيان يعينه المرشد الأعلى، أو مكتبه، سواء كان مسؤولا حكوميا أو رئيس شركة.
ويمتد الأمر إلى أبعد من ذلك وصولا للسماح بفرض عقوبات على أي شخص يعينه شخص معين من المرشد الأعلى. كما أنه يهدد بفرض عقوبات على أي شخص أو كيان يقدم الدعم للأشخاص أو الكيانات التي تمت فرض العقوبات عليها بموجب تلك التعيينات.
لم تقم وزارة الخزانة بعد بتعيين من سيخضع لهذه العقوبات، على الرغم من أن وزير الخزانة “ستيفن منوشين” قال إن وزير الخارجية الإيراني “جواد ظريف” يمكن أن تطاله العقوبات في وقت قريب. ولا يمكن إحصاء جميع الأهداف المحتملة لمثل هذا القرار، حيث يقوم “خامنئي” بآلاف التعيينات، بما في ذلك الأعضاء الرئيسيين في الحكومة الإيرانية وأجهزتها العسكرية والاستخبارية. تغطي العقوبات أيضًا ما يسمى “بونياد” إيران، أو الجمعيات الخيرية الدينية، وغيرها من الشركات المرتبطة بالمرشد الأعلى التي تشكل إمبراطورية تجارية واسعة.
من المحتمل أن يكون للعقوبات المفروضة مباشرة على “خامنئي” – الذي لا يسافر إلى الخارج – تأثير ضئيل، لكن العقوبات على الجمعيات الدينية والشركات المرتبطة بالمرشد قد تقيد الاقتصاد الإيراني أكثر. لكن الأمر الذي يوازي ذلك في الأهمية هو أن تلك العقوبات يمكن أن تعرقل أي جهود مستقبلية لعقد صفقة بين طهران وواشنطن.
تعقيد المفاوضات
وفي أبريل/ نيسان، اتخذ البيت الأبيض خطوة كبيرة أخرى قد تؤثر على قدرات إيران الدبلوماسية عندما صنف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية. لكن رغم تفعيل العقوبات، تم إقرار استثناءات تسمح بممارسة الأنشطة الدبلوماسية من قبل أعضاء الحرس الثوري الحاليين والسابقين.وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن العقوبات الجديدة قد تؤدي إلى “حجب كامل” للطرق الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. وسوف يصعب فرض عقوبات على “ظريف” و”خامنئي” من فرص قيام أي جولة قريبة من المفاوضات، وفي حالة “ظريف”، فإنها ربما تقلل قدرته على أداء بعض مهامه الدبلوماسية الأوسع.
ومن المحتمل أن تضع الولايات المتحدة آليات مماثلة في حالة العقوبات ضد “ظريف”، ولكن إذا اختارت عدم القيام بذلك، فسيتم تقليص الأنشطة الدبلوماسية الإيرانية بشدة طالما ظل “ظريف” قائماً في منصبه.
علاوة على ذلك، وبخلاف القيمة الرمزية لتوقيع عقوبات على “خامنئي”، فإن ذلك سيكون له تأثير حقيقي على المسار المستقبلي للعلاقات الأمريكية الإيرانية، في ظل قيام النظام السياسي الإيراني برمته على مفهوم ولاية الفقيه. ويمكن للمتشددين الذين يدافعون عن اتخاذ موقف عدائي ضد إيران استخدام هذه العقوبات لجعل الأمر أكثر صعوبة في استئناف العلاقات الدبلوماسية، حتى بعد أن تترك الإدارة الأمريكية الحالية السلطة.
تلعب مؤسسات البونياد والكيانات الأخرى المرتبطة بالمرشد الأعلى دورًا رئيسيًا في الاقتصاد الإيراني، وفي حين أن الكثير منها لا تمتلك أصولًا خارجية كبيرة، فإن هذه الكيانات تمثل خُمس الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لإيران وتعمل في عدد كبير من الصناعات.
وهذا يعني أن الآثار التالية غير المباشرة لضرب هذه الكيانات تشمل المزيد الضغوط على الاقتصاد الإيراني الهش بالفعل ونظامه المالي. وليس من الواضح إلى أي مدى ترغب واشنطن في فرض العقوبات على مؤسسات مثل “هيئة تنفيذ أوامر الإمام” الإيرانية، أو مؤسسة المستضعفين، أو “أستان قدس رضوى”، أو أي من البونياد والكيانات الأخرى المرتبطة بـ”خامنئي”، لكن من الواضح أن الصقور المناهضين لإيران في الولايات المتحدة سيدافعون عن إدراج هذه الشركات على قوائم العقوبات كذلك.