انقلاب فاشل في إثيوبيا.. وراعي الانقلابات في المنطقة يعود بـ “خفي حنين”! (تقرير خاص)

Editor25 يونيو 2019
انقلاب فاشل في إثيوبيا.. وراعي الانقلابات في المنطقة يعود بـ “خفي حنين”! (تقرير خاص)

“ثمة جهة خارجية لا تريد أثيوبيا قوية وموحدة”.. بهذه الكلمات لخص رئيس الوزراء الأثيوبي الشاب أبي أحمد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها بلاده يوم أمس.

وكانت ولاية أمهرة الواقعة شمال شرقي البلاد على موعد مع محاولة انقلاب جديدة قادها رئيس جهاز الأمن في الولاية أسامينو تسيغي، وهو الذي كان قد اتهم للإعداد لمحاولة انقلابية قبل عشرة أعوام وجرى اعتقاله حينها، ثم أفرج عنه مؤخراً رئيس الوزراء الأثيوبي الحالي آبي أحمد وعينه على رأس الأمن بأمهره.

المحاولة انطلقت باقتحام مجموعة من العسكريين الموالين لتسيغي مقر حكومة ولاية أمهرة أثناء اجتماع حضره حاكم الولاية وعدد من المستشارين. وجراء الاقتحام قتل الحاكم وأحد مستشاريه. تزامن ذلك مع حادثة أخطر وقعت في اديس أبابا العاصمة التي تبعد عن الولاية أمهرة مئات الأميال، حيث اغتيل رئيس أركان الجيش الأثيوبي سياري ميكونين على يد حارسه الشخصي.

وتعد ولاية أمهرة إحدى اهم ولايات البلاد، ولهذا الإقليم حدود واسعة مع السودان التي تعيش أزمة سياسية عاصفة جراء استيلاء المجلس العسكري فيها على مقاليد السلطة بعد سقوط عمر البشير هذا العام.

وليست هذه أول محاولة انقلاب على أثوبيا منذ تعافيها السياسي والاقتصادي اللافت مع صعود نجم أبي أحمد، والذي اعتلى مقاليد رئاسة الحكومة الأثيوبية، وهو أعلى منصب سياسي في البلاد في عام 2018م، حيث سبقتها محاولة اغتيال فاشلة استهدفت قبل عام رئيس الوزراء آبي أحمد عبر عبوة ناسفة زرعت في احتشاد جماهيري حضره في العاصمة أديس أبابا ونتج عنه مقتل وإصابة العشرات.

وتنتهج أثوبيا نظام حكم فيدرالي واسع الصلاحيات، حيث يمتلك كل أقليم برلماناً مستقلاً وجهازاً قضائياً مستقلاً وجهازاً شرطياً مستقلاً أيضا، ولكل إقليم الحق في اعتماد وتبني السياسيات الداخلية التي يراها مناسبة له، فيما يقتصر دور العاصمة في تمثيل الأقاليم خارجياً واحتكار سلطة استخدام الجيش بالإضافة الى العملة.

وفي ظل هذه المعطيات يبدو مستغرباً إقدام أي طرف على تنفيذ محاولة انقلاب، إذ تصبح معها فرص نجاح تلك المحاولة ضعيفة ما لم تكن مستحيلة، إلا أن تم الانقلاب في العاصمة أديس أبابا،والتي يقع الجيش ضمن نطاق سيطرتها.

أما عن الجهة التي لطالما كرر أبي أحمد اتهامها بتقويض السلم في أثيوبيا فهي تلك الدولة التي لم تسلم أي من دول العرب من أذاها طوال السنوات الماضية وظلت تمارس هوايتها المفضلة في تنفيذ الانقلابات العسكرية في كل مكان تستطيع النفاذ إليه ودعم مشاريع الاستبداد: دولة الإمارات.

  • أسباب المخطط التآمري لأبوظبي ضد أديس أبابا

للإجابة على هذا التساؤل لابد من نظرة سريعة الى تطور الأحداث السياسية لدولة أثيوبيا خلال الثلاثة العقود الأخيرة على الأقل.

في بداية الألفية الجديدة، وتحديداً عام 2000م كانت تعد دولة أثيوبيا واحدة من أكثر الدول في العالم فقراً وبؤساً، وصنفت على أنها ثاني أكبر دولة أفريقية فقراً في تلك الآونة. في ذلك العام وصل عدد الإثيوبيين الذين توفوا جراء المجاعة في البلاد الى نحو مليون شخص. وهو رقم ضخم جداً، مقارنة بعدد القتلى في اليمن جراء المجاعة الحالية، حيث أشارت التقارير الأممية الى وفاة نحو 10 آلاف مدني حتى نهاية عام 2018م.

في العام 1974م خضعت البلاد لحكم عسكري ديكتاتوري ودموي بقيادة الجنرال منغستو هيليمريام، وهو ينتمي الى أقلية “الأمهرة”، والتي أحكمت في ظله قبضتها على البلاد.

واشتعلت على إثر ذلك حرب أهلية استمرت 17 عاماً فيما يعرف بأحداث “الرعب الأحمر”، جراء كثرة أعداد القتلى في المواجهات الأهلية.

وفي العام 1991م اشتعلت الانتفاضة ضد نظام منغستو العسكري، وتم إسقاط حكمه عبر تمرد عسكري. وفي ذات العام انفصلت إريتريا عن اثيوبيا، الأمر الذي حبس الأخيرة التي صارت بلا سواحل. وهكذا ازدادت الأحوال تدهوراً وسوءاً وعمت المجاعة البلاد من أدناها الى أقصاها، حتى جاء العام 1995م، والذي شهد صعود ميليس زيناوي الى منصب رئيس الوزراء.

وحققت أثيوبيا في عهده قفزة هائلة على مختلف الأصعدة خلال السنوات اللاحقة، وخاصة المجال الاقتصادي الذي انتعش بشكل غير مسبوق لتحقق البلاد في تلك الفترة أحد أعلى معدلات النمو الاقتصادي على مدار عقد كامل بمقدار 10% سنويا.

نتيجة لذلك ارتفع حجم الاستثمار الاجنبي بمعدل 20 ضعفا وتحولت أديس أبابا الى مركز صناعي إقليمي. لكن البلاد شهدت نكسة كبيرة منذ العام 2012، وسجلت في العام 2014م مركزاً مفاجئاً أذ جاءت ضمن قائمة أكثر دول العالم فساداً في التصنيف العالمي.

ونتيجة لاحتجاجات شعبية عارمة في 2015م صعد أبي أحمد الى رئاسة الوزراء في العام 2018م. ومنذ أول يوم من تسلمه لمنصبه رفع حالة الطوارئ وأفرج عن المعتقلين سياسياً وألغى الحظر على الأحزاب وبدأ بتنفيذ إصلاحات جوهرية في نظام الحكم، سعياً نحو توطيد الديمقراطية وتحطيم سطوة العسكر على السلطة.

استطاع أحمد إضعاف سلطة الجيش الداخلية وخفف القبضة الأمنية الحديدية التي كانت مفروضة عبر إقالته لأهم وأبرز القيادات العسكرية والأمنية.

تلك الخطوات متبوعة بإصلاحات جذرية في الاقتصاد عبر تفكيك شبكات الفساد ومحاسبة الفاسدين بوأت أثيوبيا مكانة اقتصادية كبيرة، لتوصف بأنها “صين إفريقيا”.

ومع تلك النجاحات التي أفضت استقراراً داخلياً أساسه نظام ديمقراطي رصين كانت دول أخرى في المنطقة وعلى رأسها الإمارات تشعر بأن النموذج الأثيوبي خطر عليها وعلى نجاح مشاريعها الاستبدادية كما هي خطر على مخططاتها الاستراتيجية للهيمنة على منطقة الشرق الإفريقي.

  • تعاظم إقليمي مفزع

مستعينة بقوتها الاقتصادية الصاعدة بدأت أثيوبيا جملة من السياسات الإصلاحية مع محيطها الخارجي، انطلاقاً من شعور قيادة البلاد بأن السبيل الأمثل لخروج المنطقة والمحيط من أزماتها المستمرة هو عبر تشجيع الإصلاحات السياسية في البلدان المجاورة، ودعم التوجهات الرامية لتقليص مظاهر الديكتاتورية وإبدالها بنظم ديمقراطية.

ولهذا فقد شعرت إثيوبيا التي تملك حدوداً مع السودان بأنها في موقع المسئولية لإخراج الدولة الجارة من أزمة سياسية أعقبت ثورة شعبية أطاحت بنظام عمر البشير في شهر ابريل الماضي.

كانت لحظة المواجهة قادمة لا محالة بين الإمارات واثيوبيا، فالإمارات دعمت جنرالات الجيش السوداني في مواجهة الاحتجاجات الشعبية التي طالبته بتسليم السلطة للمدنيين.

ذلك الدعم الإماراتي ترجم الى مجزرة مروعة قبل أسابيع، حيث فض العسكر بالقوة اعتصاماً سلمياً أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني، نتج عنه مقتل أكثر من خمسين سودانياً على الأقل.

أما أثيوبيا فقد تقدمت بمشروع حل سياسي “جريء” والتقت بقيادة الجيش السوداني في مسعى لوأد أسباب التوتر والنزاع، حاثة الجيش على القبول بتوسطها في الأزمة.

مسودة المقترح المقدم بني على مرتكز وحيد: إعلاء السلطة المدنية فوق السلطة العسكرية. وقد لقي ترحيباً من قبل قوى الثورة السودانية، بينما رفض المجلس العسكري الحاكم هذا المقترح بإيعاز إماراتي.

ويبدو أن الإمارات شعرت بالغيظ الشديد مما بدا لها أنه “تدخل سافر من اثيوبيا” لعرقلة أطماعها الرامية للهيمنة على السودان، فجاء الرد الإماراتي عبر تمويل انقلاب مفضوح وهش سقط في سويعاته الأولى. ويكشف هذا الانقلاب الفاشل مدى تعطش حكام أبوظبي للدماء وللأزمات ومدى سعيهم الحثيث لنشر الدمار والخراب في كل المنطقة.

كما يؤكد هذا الانقلاب أن أية إصلاحات سياسية في أي دولة عربية لن ترى النور ما لم يتم قطع اليد الإماراتية العابثة في المنطقة، وإسقاط هذا النظام الدموي، وهو ما أدركته قوى التغيير في اليمن بعد سنوات من المشاركة الإماراتية في عمليات عاصفة الحزم العسكرية، والتي دعت بشكل صريح الى طرد الإمارات من التحالف العربي بعد أن فخخت مشروع الدولة والوحدة، وباتت تشكل تهديداً على اليمنيين فاق خطره خطر مليشيات الحوثي الإنقلابية.

 

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق